والحرب تدق أوزارها في دماج تذكرت خطيب مسجدنا الذي كان يفرغ كل جمعة العبارات الممتلئة بالدموع والفضيلة والأحكام المفصلة على مقاس البلاط والمعدة سلفا في مسامع الطفولة . تذكرت كيف قدمت كلماته الحرية والمواطنة كقرني الشيطان و كيف اشعلت فتاواه الشرر في كل فواصل الحقوق والحريات والكرامة . تذكرت شدة تأثري بذلك الفصيح وكيف اني كنت اذهب لحضور الخطبة الساعة العاشرة صباحا لاتمكن من حجز مكان في الجامع إذ كان يملئه المصلين الساعة الحادية عشر بينما على المتاخرين التحاف حر الازفلت حيث الصوت لا ياتي واضحا بما يجعلني انتحب وأصل إلى الذروة الإيمانية كما صور لي . تذكرت كيف انه قدم العلمانية والاشتراكية والديمقراطية على موائد التعري والانحلال والتفسخ والوهن والخروج على ولي الأمر والتشبه بالغرب . تذكرت حين غادرت الثانوية العامة ملتحقا بالجامعة وكيف قدر لي ان امارس التثاقف لاكتشفت فداحة ما اقترفه فقيهنا المبجل بحق الطفولة البريئة وكم كان كاذبا طوال تلك المدة وكيف ان الصدمة جعلتني لا اذهب لخطبة الجمعة منذ ساعة اكتشافي الحقيقة . فمنذ ذلك الحين وأنا لا اصدق إلا الكتاب" المعرفة "الحقيقة "وكل ما يمت بصلة إلى الإنسانية ولا شيء غير ذلك لقد اكتشفت الفارق بين الإسلام كنص مقدس وبين الفكر الإسلامي كثمرة اجتهاد المسلم . اكتشفت ان الله لم يعطي تفويضا لاحد بان يقتل اخر فهو العادل جل شانه اكتشفت ان العدل لم يقسم المسلمين الى درجات هذا سيد وهذا رعوي اكتشفت كذبة ولي الامر وكل تلك الهرطقات السخيفة التي تصادر الانسان لخدمة المتنفذين . اكتشفت لماذا ان المواطنة والعدالة وحقوق الانسان وسيادة القانون والعقد الدستوري والديمقراطية تؤرق مضاجعهم كلما شع بريقها فالمخيال الفقهي كان ولا يزال يرى الشعوب مجرد قطيع والمراة مجرد فخذ وارداف . اكتشفت ان من يقف امام الشعوب الطامحة الى الرفاه والسعادة والسلام هم اعداء الله والاديان والرسالات السماوية والانسانية وان هؤلاء يمارسون كل ما يمارسونه باسم الله زورا وبهتانا .