(1) صدفة أم سابق تدبير؟ أليس مدهشاً أن يعلن الرئيس الأمريكى أن حكومته ستسلح المعارضة السورية ثم تتداعى بعد إعلانه بساعات قليلة حفنة من «الائتمارات» فى القاهرة، جامعة أشتات «علماء» و«شيوخ» البغضاء والكراهية، وليست إلا نقائض دعوة الإسلام وهى دعوة كلها محبة وتراحم، من مختلف البلدان العربية يدعون المصريين إلى الجهاد المسلح فى سوريا؟ وقد يقول قائل منهم إنها ليست إلا صدفة مباركة، فلا يمكن أن يكون الإعلان الأمريكى هو الحافز لانعقاد هذه الفعاليات التى يستغرق الإعداد لها طويلا وقد انعقدت بعد ساعات قليلة من إعلان الرئيس الأمريكى. ولكن عندى أن التفسير الأصح هو ما عرف من دوائر الإدارة الأمريكية من أن الرئيس الأمريكى اتخذ هذا القرار فعلا منذ عدة أسابيع قبل إعلانه رسمياً، ومن ثم كانت الغرف الخلفية فى الإدارة الأمريكية على علم بالقرار منذ أسابيع، ما يمكنها من تحريك صلاتها الخفية بصنائعها فى المنطقة العربية لتتزامن مع الإعلان الأمريكى الرسمى. وما هو أفضل للإدارة الأمريكية من أن يرافق إعلان الرئيس الأمريكى الحرب على البلد العربى الثانى الذى كان يملك جيشاً قوياً يتهدد ربيبتهم إسرائيل بعد تدمير العراق، من أن تتلوه جوقة من «علماء» المنطقة وحكامها الموالين تصدح بمعزوفة كئيبة عن إعلان الجهاد فى سوريا؟ والغرض البادى هو إثارة الفتنة الطائفية بين العرب السنة والمسلمين الشيعة بحجة حماية السنة فى سوريا من تعرضهم للإبادة على يد الشيعة من حزب الله والعراقوإيران. وهذا الاقتتال الطائفى المقيت هدف أمريكى إسرائيلى مبيت من زمن طويل فى حربهم على الجمهورية الإسلامية فى إيران، يتبناه الآن حكم اليمين المتأسلم كما تبناه نظام الطاغية المخلوع وباقى أنظمة الحكم الرجعية الموالية للإدارة الأمريكية فى المنطقة العربية. وبالطبع سيشكل العائدون من هذه المهام الجهادية، مزودين بخبرات قتالية، إضافات مهمة للميليشيات المسلحة لتيار اليمين المتأسلم كما كان الحال مع العائدين من أفغانستان. إنها مهمة تدريب لإرهابيى المستقبل مدفوعة بالمشروع الصهيونى وممولة من الرجعية العربية المثقلة بأموال النفط وتوابعهم. (2) شيوخ الضلال أو الرويبضة من تراث الإسلام: عن أبى هريرة (رضى الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «سيأتى على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدّق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة»، قيل: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: «الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة». بدأ مهرجان «الائتمارات» بخطبة جمعة لسعودى قصير الباع صنعوا منه شيخاً لامعاً عندما أحضروه إلى القاهرة فى زيارة سابقة، وألقى خطبة دغدغت مشاعر المصريين بانتحال أبيات رائعة من قصيدة شاعر النيل حافظ إبراهيم التى شدت بها الخالدة أم كلثوم «مصر تتحدث عن نفسها»، وكأنه قائلها، أوليست هذه سرقة، الأفكار هذه الأيام أغلى من الأموال، وتعد من الكبائر فى الإسلام؟ أما فى خطبته فى مهرجان الجهاد بالمصريين، فى أول جوامع مصر، عمرو بن العاص، التى نقلها التليفزيون الرسمى المصرى على الهواء، دعا «الشيخ» السعودى إلى الجهاد بالنفس والمال والعرض لدعم السنة فى سوريا، مجاهراً بما لم يكن يمكنه النطق به فى بلده الذى يمول حرب الرجعية المتأسلمة فى سوريا فعلا، فمصر مستباحة لهم فى ظل حكم اليمين المتأسلم، وشعبها مسترخص بسبب هوان القائمين عليها. ونرجو ألا يكون قد قصد بالجهاد بالعرض جهاد المناكحة المقيت. وليس الشيخ فقط مغموراً فى موطنه، بل إن الرأى العام فى بلده يهزأ به، فقد كتبت صحيفة «عكاظ» السعودية واصفة إياه ب«شيخ المجاهدين فى البيكاديللى»، إحدى مناطق العاصمة البريطانية الفاخرة، وأضافت: «شيخ المجاهدين أعلن الجهاد فتعالت صيحات المصلين وحى على الجهاد، وفجأة الشيخ قطع تذكرة على الدرجة الأولى وذهب لكى يصيّف فى لندن»، وأضافت: «أبو الشباب فى عاصمة الضباب، يتبرطح فوق سرير فاخر فى واحد من فنادق لندن الفخمة، بينما يقضى مئات الشباب الذى نفر إلى أرض الشام بعد صرخته المدوية». لكن كان أهم هذه «الائتمارات» ما سمى زوراً «مؤتمر الأمة المصرية فى دعم الثورة السورية»، الذى نظمته الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، تلك الهيئة التى يرأسها «الشيخ» على السالوس، صاحب فتوى الضلال بتحليل ربا القروض التى تبرم الحكومة، بدعوى أنها مقابل خدمات أو مصروفات إدارية، فلم يكن المؤتمر الذى عقد بالصالة المغطاة فى استاد القاهرة فى حضور رئيس الجمهورية إلا مؤتمرا لليمين المتأسلم الزاعق بتأييد رئيسهم الفاشل والمبغض من الشعب. وبدأ الشيخ هذا كلمته بوصلة من النفاق الممجوج للرئيس قائلا: «أحمد الله الذى أمد فى عمرى ليحكمنى رئيس مؤمن تدمع عينه لسماع آية من القرآن»، ولم يُضِره إن كان رئيسه يظلم ويستحل دم معارضيه ولا يتورع عن إزهاق أرواحهم. وفى هذا المؤتمر الذى شُحن إليه دهماء اليمين المتأسلم على نفقة الشعب المسكين ليهللوا بلا ضابط أو رابط لرئيس دولة اليمين المتأسلم فى مصر، تركوا الجهاد بالصراخ من أجل القدس وشعارهم الغوغائى الزائف «ع القدس رايحين، شهداء بالملايين»، إلى الجهاد بدماء المصريين الغلابة، ولا بأس من بعض جهاد النكاح، فى سوريا. وقد أثار انتباهى على وجه الخصوص أن أحد قياديى الإخوان المخادعين المدعو صفوت حجازى، الذى يقدم نفسه على أنه الأمين العام لرابطة وهمية لعلماء أهل السنة وعضو هيئة كبار العلماء، أعلن فى هذا المؤتمر أنهم كانوا يرسلون السلاح إلى سوريا منذ عام. والأسئلة التى لا مناص منها ها هنا هى: من هم؟ وكيف كانوا يحصلون على السلاح؟ ومن أين أتوا بالأموال للحصول عليه؟ وكيف يرسلونه؟ وأين كانت أجهزة الأمن المصرية، المدنية والعسكرية، عندما كان مدنيون يدعون أنهم دعاة لشرع الله يتجرون فى السلاح ويرسلونه إلى بلد عربى شقيق لإذكاء الحرب الأهلية فيه، بينما كان الموقف الرسمى هو دعم الحل التفاوضى فى سوريا، بل كان للرئيس الحاكم، وهو من جماعتهم، مبادرة لصوغ حل تفاوضى من خلال لجنة رباعية تضم مصر والسعودية وتركيا وإيران؟ هل كان محمد مرسى على علم بما يقوم به صفوت وأشباهه من جماعته، وكان يغض الطرف عن إشعال نيران الفتنة فى البلد الشقيق، أو إنه كان ضالعا فى الخفاء ويطلق المبادرات السياسية السلمية فى العلن لذر الرماد فى العيون، أو أن التخبط هو سيد قرارات محمد مرسى، حتى إنه أعلن فى المؤتمر ذاته، الذى تصاعدت فيه بحضوره صيحات الجهاد فى سوريا، أن جماعته «ترفض كل صور التدخل الأجنبى فى الأزمة السورية بأى شكل من الأشكال، سواء كان تدخل دول أو ميليشيات ومن أى طرف من الأطراف»، ارحمنا يا مثبت العقل! إن المرء ليتساءل: هل صفوت هذا داعية كما يدعى، وليس فى إسلام السلف الصالح وظيفة داعية ولكنه الارتزاق البغيض بالتمسح فى الإسلام، أم إنه فاعل سياسى مرتزق بالتمسح فى الإسلام، ومنظم ميليشيات وتاجر سلاح؟ محاولة الإجابة فى مقالى المقبل * الوطن المصرية