تشهد العاصمة السياسية والاقتصادية، موجة اغتيالات إلى جانب بعض المحافظات، مثل: البيضاء ومارب، وهذه الموجة ليست بالتأكيد انفعالية كما أنها ليست بالتأكيد مفتعلة. بمعنى أن الغموض لا يزال يملأ المشهد لأسباب كثيرة، أبرزها أن الجيش إذا خاض معركة خارجية عليه أن يمتلك خطة أمنية داخلية أكثر دقة وتوسعاً من الدفاعية، باعتباره المحيط الذي ينطلق الجيش منه وسيعود إليه عقب الخروج للمواجهة؟ بهذا المعنى ينبع السؤال التالي: هل تعمل وزارة الداخلية على نفس المسار الساعي لاجتثاث القاعدة؟ أم أن هناك وجوداً لما يسمى لعبة، شعرة معاوية، حتى في أخطر الملفات الأمنية المحلية والإقليمية والدولية؟! مما لاشك فيه أن القاعدة حالما يخوض حرب مواجهات أو حتى عصابات دون وجود إسناد جغرافي خلفي له تعني خسارته، وفي اعتقادي أن القاعدة ظل في مكانه المكشوف منذ سنوات، لهدف أساس هو تشكيل مركز يضمن الاختراقات والتشكيلات وتحديد الجهات التي لا تعمل ضمن جنباتها وإنما منتحلة اسمها، وهذا هو السبب في توحد الجهة التي تتبنى كافة العمليات ضد الجيش والأمن في اليمن. اختيار القاعدة لان يحتل أماكن قريبة من الجيش والأساطيل الأجنبية يُعد في الحقيقة ضربة مغامرة، إن لم تكن في الأصل حركة تكتيك، القصد من ورائها هو التحول إلى مركز يسعى من خلاله ضبط إيقاع الصراع بحيث يحد من الجماعات التي قد تعمل باسمه رغم أنها لا تتبع التنظيم كما في العراق مثلاً، حيث داعش التي تقاتل النصرة والعكس!! والسؤال الآن: هل استطاع القاعدة بإنشائه للمركز أو لنقل عاصمة سياسية لدولته الخاصة في ذهنيته أن يحد من الاختراقات التي بداخلها ويمنع الجماعات التي تشتغل باسمه من خارجه؟ ما لاحظناه أن القاعدة في اليمن تعبير عن كيان واحد مرتبط ارتباطاً كلياً بأيمن الظواهري، في حين لم تظهر هناك أي جماعات مسلحة أخرى تدعي أو تنفي أو تعمل باسم القاعدة. إن عدم خلط الأمور والذي يعني الوضوح بالتأكيد، يقود لعدة أسئلة أهمها هو السؤال التالي: كيف سمح للقاعدة تشكيل مركزية سلطوية يدير من خلالها عمليات داخلية وخارجية عديدة؟ لقد نتج عن هذا السماح زيادة في ظاهرة الاغتيالات والتصفيات والقفز إلى مستوى العاصمة وضرب واحتلال أهم وأرفع الدرجات الأمنية في العاصمة وفي مراكز المناطق العسكرية وتفرعاتها. ومثل تلك الأعمال خاصة اقتحام وزارة الدفاع والسجن المركزي والمناطق العسكرية، لا تنبع إلا من جهات تعمل في مناخ مستقر وهادئ وليس في ظل ملاحقات مخابراتية أو عسكرية!! بكلام آخر: لو لم يتمكن القاعدة من امتلاك بيئة استقرار جيدة لما تمكن من العمل بنفس طويل على اعتبار أن احتلال وزارة الدفاع عمل شاق ويحتاج لتركيز وتخطيط شديدين، وهذا بالطبع لا يقدر عليه القاعدة، إلا إذا اطمأن في غرفة عمليات تعمل بعيداً عن أي رقابة وفي ظل توافر كافة أدوات الدعم اللوجستي بالقرب منها أو على نفس الدرجة العالية من الاطمئنان والاستقرار. إن ضربات القاعدة القوية التي تعرضت لها الدولة والجيش جاءت عقب أن تمكن القاعدة من امتلاك عنصر الهدوء، فخطط وعمل بعيداً عن التشتيت ونجح في تنفيذ أبلغ العمليات تعقيداً بكل سهولة، ساعده في ذلك ضعف التركيب البنيوي للجيش عقب الهيكلة بالتأكيد. الأمر الذي دفعه للاعتراف بأنه قد اخترق الجيش والأمن معاَ، وهو اعتراف سبق اعتراف الرئيس هادي. والدلالة التي يحملها اعتراف القاعدة قبل الرئيس هادي باختراق الجيش هي أن القاعدة كان على ثقة عالية بما يقول أو أنه يستند على ضعف الجيش فتصيبه بذلك التصريح بمقتل داخلي عن طريق نشر الخوف والرعب والتخاذل بين الأفراد أنفسهم وصولاً إلى القادة! ولذلك فإن اعتراف الرئيس هادي كان يصب في صالح الاستفادة من اعتراف القاعدة لتنفيذ عملية إقالة للقادة المحسوبين على الجماعات المتطرفة وهي خطوة ممتازة. ضرب "القاعدة" في مركزه.. هل يعني تشتيته وإضعافه؟ بالتأكيد هو يضعفها ويشتت طاقاتها من الناحية التكتيكية، لكن القاعدة يستطيع العمل في بيئة الضياع والمطاردة، لأنه نشأ وترعرع وتجسر على ذلك النوع من العمل. والمعنى من هنا أن خسارته للمركز الآن يعني شيئاً واحداً هو تحوله إلى النمط الأساسي من أنماطه العملياتية ألا وهو القائم على التنقل من منطقة إلى منطقة واستهداف الجيش والأمن والأجانب والمصالح بعمليات الفاصل بينها بعد زمني كبير. كما أن بعضاً من أفرادها سيعود إلى المنزل لينتظر لحظة أخرى. بهذا الشكل نستطيع الجزم أن عمليات القاعدة لا يمكنه أن يتوسع في المستوى القريب إلا في حالات نادرة جداً ومستحيلة، بل إن عملياته ستقتصر على عدم المواجهة والهروب والملاحقة! لكن ماذا بشأن الانتقال إلى صنعاء وعدن وتعز؟ بلا شك أن القاعدة من خلال امتلاكها للمركز - بتعاون من جماعات سياسية تدين بنفس المنهج قد نسج شبكة واسعة من العملاء وتعرف على كثير من نقاط الضعف ودرسها وخبرها جيداً بالتالي فإنه وإذا ما تمكن من امتلاك خطة استراتيجية وتم الموافقة عليها من قبل التنظيم العالمي مسبقاً فإنه سينفذ تلك الخطة وسيستمر ولن يضره انهيار المركز إلا في تأخير التنفيذ وربما اعوجاجه عن مساره قليلاً. بكلام واضح: ستستمر عمليات القاعدة إذا لم تكن هناك خطة أمنية استراتيجية لمواجهة ما بعد تحرير أبين وشبوة. والسؤال الآن: هل هناك خطة أمنية ودفاعية مشتركة ذات أبعاد استراتيجية ومرتبطة ارتباطاً إقليميا ودولياً؟ جواب هذا السؤال ستبينه الأيام القادمة، ولكن أهمية ما نبحث عنه تكمن في عدة ملاحظات نوردها كالتالي: - غياب الخطة الأمنية لما بعد المحفد والميفعة يعني إمكانية بناء مركز جديد للقاعدة، وبالتالي فإن هذا يعني أن الحرب التي أقيمت مؤخراً لن تدوم ايجابياتها وستتحول إلى سلبيات قاتلة. - غير أن وجود الخطة الأمنية لا يعني، أيضاً، النجاح إلا إذا راعت هذه الخطة التالي: أ تحييد المتعاطفين مع القاعدة أيديولوجيا وسياسياً عن هذه الخطة تماماً، وهذا يستوجب إقالة أو تنظيف السلك المخابراتي والأمني من الجماعات المحسوبة على الأيديولوجيات الاسلاموية المتطرفة بشقيها المتطرفين السني والشيعي وغيرها. ب أن تكون الخطة تعمل وفق برنامج مفتوح ولا تحدد بلجنة أو فترة أو يرتبط بعملية التوازنات السياسية بالشكل الذي يصنع أبواباً للاختراقات وإن عدم وجود هذين العاملين يعني بالضبط الفشل وعودة القاعدة من جديد. الأمر الذي قد يدفعنا للتشكيك بنوايا القائمين بالحرب. وهي شكوك في محلها وتنتظر التصويب فقط، خاصة وأن العيد الوطني سيعدم للمرة الثالثة بحجة الطوارئ الأمنية، ناهيك من أن التوجه نحو الهيكلة الجديدة هو من استدعى قيام تلك الحرب لتحقيق انتصار نوعي، ليس للجيش وليس لضرب القاعدة تحديداً، بل لتحقيق انتصار نوعي للهيكلة السابقة بالشكل الذي يتم من خلاله تمرير الهيكلة الجديدة بطريقة خاطئة كسابقتها. إن هيكلة الجيش السابقة كانت السبب في انفصام الجيش وكافة وحدات القوة عن قوتها، وتلك حقيقة لا يمكن التغاضي عنها بمجرد انتصار الجيش في معركة ضد القاعدة لا ندري بعد ما مدى صعوبتها بالقدر الذي نعلم فيه أن القاعدة ترك لسنوات لأسباب لا نعلمها. تجدر الإشارة إلى أن انتقال الحرب إلى العاصمة ربما يكون احد احتمالات الخسارة التي تم تجاهلها .