أحداث الشغب والفوضى، وأعمال العنف التي شهدتها أروقة الحرم الجامعي لأقدم، وأكبر مؤسسة علمية في اليمن (جامعة صنعاء) يوم أمس الاول تثير الكثير من الأسئلة عن مدى قدرة الجهات المختصة في الدولة على إيقاف مظاهر العنف المتكررة من قبل الجماعات الإسلامية الموبؤة فكرياً بثقافة ترى في الاعتداء على (حارس الأمن) جهاداً في سبيل الله. أحداث امس الاول لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة.. فبالأمس القريب شهدت انتخابات اتحاد نساء اليمن فرع الأمانة حدثاً شبيهاً؛ حينما أقدمت نساء –ينتمين إلى تجمع الإصلاح- على ضرب مندوب وزارة الشئون الاجتماعية – عمر الكحلاني، ومحاولة طعنه بسكين، وصرخات (الله أكبر) تتعالى من أفواههن، وكأنهن في معركة جهادية ضد أعداء الله. ولم تكن صيحات الطلاب- بالأمس- الذين اعتدوا على محمد القاضي –قائد سريا الأمن الجامعي- في أروقة كلية التربية بجامعة صنعاء، وهتافاتهم المدوية (الله أكبر.. ولله الحمد) (حيً على الجهاد) إلا دليلاً على أن منبعاً ثقافياً واحد يروي أفكار المتعطشين إلى تحقيق مصالحهم السياسية، ولو كان ذلك بحد السيف. ولم تمنع قدسية مادة القرآن الكريم وعلومه في القاعة رقم (5) بكلية التربية يوم أمس الاول ميلشيات حزب الإصلاح من اقتحام القاعة، وطرد الاستاذة وطلابها من أجل عقد مؤتمر غير شرعي، ويخالف اللوائح القانونية، والدستورية. إن القراءة السريعة لما حدث يذكرنا بحوادث عديدة مشابهة شهدتها ساحة جامعة صنعاء من قبل الطلاب الذي ينتمون إلى التجمع اليمني للإصلاح، والمدعومين دوماً في مثل هذه الحوادث بمليشيات مسلحة تأتي من خارج الجامعة، دون رقيب، أوحسيب، وفضلاً عن ذلك فقد كان الحدث بالنسبة لمنتسبي الإسلام السياسي مشرعناً ؛ فأعضاء مجلس النواب، والمنتسبين إلى اقوى مؤسسة تشريعية، ورقابية في البلد كانوا يؤازرونهم، ويشدون من عضدهم.. وإلا فما معنى أن يحضر أعضاء مجلس نواب يمثلون حزب الإصلاح في مؤتمر يعرفون مسبقاً أنه مخالف للقوانين، والأنظمة التي يشاركون في وضعها من خلال تواجدهم في البرلمان.؟! أو لم تكن الأبعاد السياسية واضحة في مثل هكذا عمل إذا كان هؤلاء يعرفون أن من دعاهم- إذا لم يكونوا هم دعوه، وخططوا له- لا يملك إذناً من اية جهة في اغلجامعة باقامة هذا المؤتمر.. وبعيداً عن شرح ما حدث والخوض في تفاصيله فإن المهم يبقى هو الإجابة على سؤال عن أسباب صمت الجهات المختصة في الدولة إزاء مثل هذه الممارسات، خصوصاً وأن العنف، والتطرف في الجامعة ينذر بكارثة خطيرة إذا ما أدركنا أن من يهتف لضرب حارس أمن بهتافات الجهاد مع الأعداء سيصبح غداً مسئولاً عن بناء وطن لم يعرف من معنى الانتماء إليه سوى أنه ولد فيه، ولم يهتف له خلال تنشئته في سنين التلعيم الأولى؛ حيث كان الإسلاميون الذي سيطروا على التعليم خصوصاً المعاهد العلمية قد استبدلوا النشيد الوطني الصباحي بهتافات (الله أكبر .. ولله الحمد) وخلاصة القول – أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الاعتداء على حرس الجامعة، وانتهاك قد سيتها بقدر ما تكمن في ثقافة العنف، والتطرف، والإقصاء للآخر التي تشربها هؤلاء الشباب، ومن يقودنهم، وهي التي لو استمرت لكانت عواقبها المستقبلية غير محمودة على الوطن. أضف إلى ذلك أن صمت الجهات المعنية في الدولة حيال ما يحدث تستوجب إثارة الأسئلة عن مبررات ذلك الصمت؟ ومبررات عدم اللجوء إلى القانون لردع من تسول له نفسه انتهاك قدسية العلم، والجامعة. لقد أصبحت الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن تتحمل تلك الجهات مسئولياتها، وتنفذ القانون على المخطئ، وفي الوقت نفسه لا بد أن يتزامن ذلك مع حملة فكرية، وإعلامية، وثقافية تستهدف استئصال شلل العنف الثقافي والفكري الذي أصاب مثل هؤلاء.