ليس من باب التقليل من الحوار أو الرفض لأسلوب الحوار كحل أمثل لتجاوز الخلافات والتباينات في الآراء والشراكة في حل مختلف القضايا التي تهم الوطن وتجاوز التحديات التي يواجهها في وقتنا الراهن.. ولكن من باب الحرص على المصلحة الوطنية العليا وتنقية الأجواء القائمة من كل التجاوزات الاختلالات المتسيّدة على الواقع المعاش والتي أثرت بشكل كبير وبارز على مستوى الحياة العامة وأسهمت في بروز وإعلاء أصوات الهدم والتفرقة وعودة لغة المناطقية والشللية والفئوية وتسيُّدها على لغة الوحدة والحب والتسامح والسلام لدى البعض من الناس.. أقولها بصدق وبكل المسؤولية بأننا لسنا بحاجة إلى حوارات لا طائل منها غير ضياع الوقت، ولا هدف منها غير تبادل الاتهامات وتعطيل الحياة والنوم على أوجاع وآلام الراهن الذي لم نستطع معالجة إشكالاته والخروج بما ينفع الناس ويمكث في الأرض..، وبما يؤكد أن هناك دولة لا صوت فيها يعلو على صوت القانون والمصلحة العامة.. أقدر ثقة القيادة السياسية الحكيمة ممثلة بفخامة الاخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بالحوار كوسيلة للالتقاء والشراكة من قبل مختلف القوى السياسية، وكأداة حقيقية للتوافق الجماعي والمضي نحو استكمال بناء الدولة المدنية الحديثة وتحقيق كل الآمال الشعبية والوطنية.. ولكن بالمقابل هناك دستور وقوانين تحكمنا جميعاً، وبموجبها تمضي الحياة وتستمر..، تحت راية نظام ديمقراطي اخترناه بأنفسنا كوسيلة للتداول السلمي للسلطة والوصول للحكم عبر المنافسة الانتخابية النزيهة والشريفة والاحتكام لإرادة الشعب صاحب المصلحة الحقيقية من هذا النهج الديمقراطي الصاعد والمستمر..، وباعتبار أن الديمقراطية هي صوت الشعب الذي لا يعلو عليه صوت آخر.. رمينا الماضي بكل آلامه ومآسيه تحت راية الوحدة المباركة.. ولن نقبل ليس العودة إليه بل مجرد التفكير بهذه العودة أو الاستماع لبعض الأصوات التي تضررت من الديمقراطية ولجأت إلى أساليب أخرى للقفز على إرادة الشعب من خلال إثارة الأحقاد والضغائن والنعرات وخلق الأزمات والسعي لتعميمها في أكثر من موقع ومكان، والعمل على شق الصف الوطني.. تلك لغتنا التي لن نساوم حولها.. ونرفض بالمطلق الحديث عنها .. أما الأخطاء والسلبيات القائمة فهناك جهات حكومية معنية بحلها ووضع المعالجات الكفيلة بإنهائها بعيداً عن الحوار وعن الاشتراطات التي يتم وضعها من قبل البعض..، والتي تتغير من حين لآخر بحسب الأمزجة وكفى.. هناك دستور وهناك قوانين فيها المعالجات لمجمل المشاكل التي تطرأ هنا وهناك.. ولا يمكن ركن هذه القوانين وتعطيلها بالرضوخ للغة الحوار ولأمزجة الساسة وتجار الأزمات.. نعم.. هناك قصور واضح بل وكبير في تنفيذ القوانين النافذة وفي غياب المسؤولية..، وهذا الغياب هو من أدى إلى تسيُّد قانون الغاب وضياع هيبة الدولة ومؤسساتها.. أشخاص معدودون وجدوا في غياب المسؤولية وغياب لغة الحساب والعقاب فرصة للجري وراء مصالحهم والإساءة للقوانين النافذة والإضرار بالدولة ومصلحتها العامة.. ضاعت الحقوق وتسيَّدت لغة المحاباة وعلا صوت الفساد ومقابل ذلك غابت الدولة بإجراءاتها العقابية والحسابية وأصبحنا كأننا نعيش في مجتمع لا قانون فيه ولا دولة.. الحكومة ملزمة وحدها بالخروج من المشاكل والأزمات التي فرضت وجودها على الواقع الوطني بفعل الممارسات اللاقانونية التي يقوم بها البعض ممن يدعون حرصهم على حماية القانون وتنفيذه..، وبفعل لغة التسامح والاستثناءات في تنفيذ القانون، والرضوخ للابتزازات السياسية التي يلجأ إليها البعض من السياسيين تحقيقاً لمصالحهم الشخصية البعيدة عن مفهوم المسؤولية.. لا نريد حوارات على حساب القانون والدستور.. وبيد الحكومة وحدها إصلاح كل الاختلالات السائدة وذلك بفرض سلطة القانون، وإبعاد كل المسؤولين الذين باعوا مسؤولياتهم بثمن بخس وسقطوا في مستنقع الخيانة الوطنية.. الحلول موجودة إن أرادت الحكومة ذلك..، وإن بقينا نجري وراء البعض ممن وجدوا ضالتهم في صناعة الأزمات بهدف الجلوس على طاولة الحوار والخروج بحلول جذرية لمجمل المشاكل فإننا لن نرى طحيناً مطلقاً..