أخيرا خرج اليمن من عنق الزجاجة إلى رحاب الانتقال السلمي للسلطة من دون الانزلاق إلى حرب أهلية, وفي كل الخطوات التي اتبعت في هذا المجال لتنفيذ المبادرة الخليجية, وإخراج البلاد من نفق الأزمة, كانت التجربة تثبت صواب موقف الرئيس السابق علي عبدالله صالح في هذه القضية التي أرادت بعض الأطراف الإقليمية استغلالها لجعل اليمن نافذتها الأكثر دموية وتخريبا على الإقليم ككل, وتوسيع رقعة الدول الفاشلة. لليمن موقعه الجغرافي الإستراتيجي الحساس الذي لا يقبل أي مغامرة غير محسوبة, وهو ما أدركه جيدا الرئيس صالح, لذلك عمل على عدم تركه للمجهول حتى لا يصبح فريسة سهلة لكل القوى الساعية إلى سد الفراغات الأمنية بأدواتها التخريبية الإرهابية, لأنه إذا كان فعل ذلك, عندها ما كان لقوة في العالم أن تستطيع منع بعض المتصيدين في الماء العكر إقليميا من الدفع إلى شن حروب بالوكالة على السعودية عبر الحدود اليمنية من خلال الأداة الحوثية, ولا كان تنظيم "القاعدة" سيبقى مكتوف الأيدي, خصوصا أن له منفذه على حركة الشباب الصومالية, وهو ما كان سيؤدي إلى تشكيل قوس هيمنة لهذا التنظيم الإرهابي لا تنتهي حدوده في أحياء مقديشو, أما باب المندب فكان سيتحول إلى قاعدة قرصنة دولية, وهو المشهد الذي لا يمكن للعالم أن يستيقظ يوما ليراه ماثلا أمامه في تلك البلاد. لو كان علي صالح تخلى عن موقفه منذ بدأت الضغوط الدولية والإقليمية تمارس عليه بقوة لم يسبق أن مورست, وقتذاك, على رئيس دولة للتخلي عن مهمته, لتحول اليمن بين ليلة وضحاها إلى دويلات قبلية وطائفية ومتطرفة, ولأصبح رأس جسر لتصدير الإرهاب إلى دول الإقليم, بل لكان الشعب اليمني اليوم غارقا في بحر من الدماء, وحروب ربما لا تنتهي في مئة عام نتيجة حساسية تركيبته الاجتماعية, لكن صالح استطاع تجنيب بلاده هذا المصير الأسود, رغم تعرضه لمحاولة اغتيال لم تستهدفه وحده, بل استهدفت أركان الحكم كله, إلا أنه آثر ألا يتخلى عن مسؤولية وطنية كبيرة تحملها طوال 33 عاما, وعمل خلالها على إرساء قواعد الدولة الصحيحة التي تحتكم في المنعطفات الكبرى إلى المؤسسات الدستورية, ولا تخضع لحماسة الشارع مهما كان الصوت عاليا فيه. لا شك أن لكل إنسان مواقفه السلبية والايجابية, ومن يعمل لا بد أن يخطىء, وهذا الأمر ينطبق على الرئيس السابق, إلا أن الشعب اليمني سيكتشف لاحقا أن كفة ايجابيات صالح أكثر بكثير من سلبياته, وعندها سيدرك الجميع حجم هذه الخدمة الوطنية التي قدمها الرجل لبلاده, وسيسجل له التاريخ هذا الموقف الكبير, لأنه ارتضى تحمل كل تبعات موقفه, تماما كما حصل مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك, حتى يحفظ بلاده. ولهذا نكرر ما قلناه عندما سلم الرئيس مبارك حكم مصر إلى المجلس العسكري, إنه رفع عن بلاده سيف التفكك المصلت عليها, وهو ما سيسجله التاريخ لهما, وربما يكون هذان الرئيسان المثال الذي على البعض ان يحتذي به, حتى لا تذهب بلادهم المذهب الليبي, أو تتحول إلى صومال آخر. نقلا عن السياسة الكويتية