على أعتاب عهد جديد، يؤمل اليمنيين كثيراَ في بناء دولتهم المدنية التي يرون بأنها ضمانة للحقوق والحريات وملبية لتطلعات الشعب مستقبلا، لكن ذلك لا يخفى مشاعر الخوف لديهم من أن تصل مرحلة الثورة السلمية إلى مرحلة شبيهة بمرحلة ما بعد حرب (1994) حينما ذهب الإسلاميون للبحث عن الشريعة في حين ذهب صالح للبحث عن تشريعات تقوى نظامه وجعلته يلتف على كل سلطات الدولة-كما يقول الكاتب (زايد جابر). الحديث عن ملامح الدولة اليمنية لمرحلة ما بعد نظام صالح، بات اليوم يشكل هاجساَ لدى الكثيرين من الناشطين والحقوقيين والصحفيين والسياسيين في المنتديات السياسية ومراكز الدراسات، لعل أخرها الندوة التي نضمها اليوم مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية في ساحة التغيير بصنعاء، وشارك فيها صحفيين وناشطين سياسيين. المشاركين في الندوة اعتبروا المخاوف التي تسيطر على البعض في الداخل أو الخارج بشأن تحول اليمن إلى بيئية حاضنة للجماعات الإرهابية بأنها غير منطقية. حيث استبعد الناشط (عبد الخالق السنده) تأثير الإرهاب على مستقبل الدولة المدنية، على اعتبار أن النظام اليمني الحالي هو من يسهل بيئية الإرهاب واللعب بها في إطار لعبته السياسية الرابحة في الداخل والخارج -كما يقول السنده- متسائلا لماذا كل تلك المخاوف الدولية ما دام الإرهاب قائم؟ وهل حقق النظام الحالي نجاحا في القضاء عليها؟ لكنه سرعان ما يجيب على تساؤلاته، بتفصيل طبيعة البيئية الحاضنة للإرهاب دوليا، مستبعدا بأن تكون للمجتمعات المحلية علاقة بالإرهاب، بقدر ما يبدو بمثابة فخ تنصبه الأنظمة بهدف الحصول على الدعم الدولي الذي يعاني من عقدة القاعدة. فالسودان باعتباره من الدول الفقيرة لا يعاني من الإرهاب والسعودية من الدول الغنية لكنها تبرز كبيئية حاضنة للإرهاب في المنطقة-بحسب السنده- الذي يربط مواقف الأنظمة العربية عالميا بشان القضايا العربية والإسلامية وبين تفشى ظاهرة الإرهاب، ناهيك عن انعدام العدالة الاجتماعية وتدني مستوى التعليم وتفشى الفساد وغياب الوعي الثقافي في المجتمعات المحلية الذي سهل عملية وصول الإرهاب إلى هذه المجتمعات. ويستبعد (السنده) بأن تتأثر الدولة اليمنية ذات الصيغة المدنية بالإرهاب مستقبلا في حال قامة على البناء المؤسسي، بقدر ما سيختفي نتيجة اختفاء العوامل الجاذبة له. (السنده) الذي استقراء في ورقته عن السلم الاجتماعي مهددات المجتمع، استبعد في الوقت ذاته بأن تنفصل صعده أو الجنوب مستقبلا. فمحافظة صعده بنظر (ألسنده) كانت وما زالت إحدى الورق السياسية للنظام الحالي شأنها شأن الإرهاب. فعلى المستوى المحلي كان دعم نظام صالح للشباب المؤمن بهدف مجابهة حزب الإصلاح، وعندما استطاع اللقاء المشترك أن يحتوي تلك الجماعة، حولها النظام ككرت لما يصفها (السند) بصراع الأجنحة من خلال محاولة صالح تصفية جيش الدولة واستنزافه لصالح بقاء جيش الأسرة. أما على المستوى الإقليمي فيتهم (السنده) صالح بأنه يحاول ابتزاز دول المنطقة خصوصا السعودية، موضحا بان قضية صعده لم تبدأ إلا عندما زارها الرئيس صالح في طريقه للحج في المملكة. كما يعتبر مستقبل صعده بأنه جزء من اليمن على ضوء اتفاق الحوثيين والمشترك، ناهيك عن الرضاء الذي قابل به الحوثيين نزول الفرقة إلى ساحات التغيير والحرية. في حديثه عن الحراك الجنوبي يتهم (السنده) جهاز المخابرات بأنه وراء مطالب البعض ذات النزعة الانفصالية، على اعتبار أن المطالب في الجنوب بدأت مطلبيه وسلمية قبل أن تنخرط أجهزة الأمن فيها من خلال تعكير مهرجان الحراك في الضالع وتحويل المطالب السلمية إلى مطالب الانفصال، وأن دعوات الانفصال تصاعدت نتيجة غياب الاحتجاجات في الشمال، لكن عندما توحدت مطالب اليمنيين اختفت الدعوات المطالبة بالانفصال رغم محاولات النظام تشجيع هذه البؤرة. وتوقع السنده بأن تختفي دعوات الانفصال مستقبلا لاسيما في ظل رئيس من الجنوب وحكومة لا مركزية ماليا وإداريا. وأكد الكاتب (زايد جابر) ضرورة أن تعمل المرحلة الانتقالية على تفكيك المنظومة التشريعية التي عملت على تكريس حكم الفرد، كما ينبه إلى ضرورة أن تكون المرحلة الانتقالية توافقية بين جميع الأحزاب والفئات والشرائح الاجتماعية بحيث تعمل على تقليل أحقية أي حزب يحصل أغلبية مستقبلا على تفصيل الدولة كما يتصورها هو، ناهيك على أن تعمل المرحلة الانتقالية على تغليظ فترات الانتخابات بمرحلتين وأن تحرص على منع رئيس الدولة من توظيف أقربائه في مراكز الدولة، إضافة إلى منع أقرباء الرئيس الذي تنتهي فترة حكمه من الترشح للانتخابات. كما أكد ضرورة أن تعمل تشريعات المرحلة المقبلة على فصل سلطات الدولة وتدعم تدوير الوظيفة العامة، معتبرا مخاوف البعض من سيطرة حزب سياسي أو جماعة بأنها غير مبررة على اعتبار أن المرحلة الانتقالية ستكون توافقية بين جميع الأطياف. في تصوره للعلاقات الدولية في ضوء دولة مدنية حديثة يقول الدكتور (عبد السلام المهندي) بأن ما ينشده اليمنيين اليوم هي إيصال رسالة للعالم بان شعب محبة وسلام وأننا نسعى لمد جسور التواصل مع العالم الأخر ناهيك عن تحقيق النمو والتطور، بهدف عكس الصورة الحالية عن البلد التي تصوره بأنه بلد التخلف والإرهاب. لكن تلك الرسالة تحتاج أن تسير في ضوء محددين رئيسين أحدهم في استغلال الموقع الجغرافي للبلد والذي تجاهله النظام الحالي والثاني بمواقفنا الثابتة من القضايا العربية والإسلامية بعيدا عن المزايدات التي ركن عليها النظام السابق كما يقول . بالإضافة إلى رسم ملامح سياسة جديدة تدعم السلم والأمن الدوليين وتعمل على استقرار المنطقة العربية وإبعادها عن شبح التوترات.