يبدو ان السياسة التي جنت على أمن اليمن واستقراره لم تكتفِ بهذا القدر من الإمعان في تسميم حياة اليمنيين وتحويلها إلى احتضار طويل الأمد بين وداع الحياة واستقبال الموت فراحت تضيف إلى خطاياها خطيئة جديدة تتمثل في التنكر للتاريخ وإنكار حقائقه خدمة لصنمية السياسة التي تبرر كل شيء بميكافيلية مقيتة. لنا جميعا أن نتفهم بروز بعض الظواهر المجتمعية غير الطبيعية كالمناطقية وأن نعيد ذلك إلى رداءة الواقع وإلى أثر الحرب في تمزيق النسيج الاجتماعي لكن ما لا يمكن تفهمه أن تطفو على الواقع أصوات تتنكر ليمنيتها ولتاريخ ضارب يمتد لآلاف من السنين لقاء مكسب سياسي زهيد. لنختلف كيفما تنوعت ظروف الاختلاف لكن اليمن ينبغي أن تظل مظلة للجميع.. ذلك ما يقوله التاريخ. وتقولها الجغرافيا والحساب والدين وحتى الرسم والموسيقى. وفي هذا السياق ظهرت مقولة (الاحتلال اليمني) لدى بعض الفصائل السياسية التي ترى لجغرافية اليمن في جزئه الجنوبي مسمى آخر وأن الظلم الذي لحق به في الفترة الأخيرة تضمن سعيا حثيثا ليمننته وإلحاقه بكيان لا يمت إليه بصلة. من حق أي شعب على أرضه تقرير مصيره على النحو الذي يرغب به مادامت الإرادة الجمعية هي من يقف وراء ذلك. لكن ليس من حق النخبة التي تسعى وراء أهداف ما أن تطوع التاريخ لأهدافها وأن تحذف منه ونضيف ما يلبي غاياتها لأن مثل هذه الممارسه تنبئ عن جهل شديد بمكانة التاريخ وحجيته في رسم التلاقي والتقاطع بين أبناء الجغرافية الواحدة. لهم أن يسألوا عن تاريخ الممالك القديمة التي قامت في المنطقة وعواصمها وحكامها وكيف ان اسم اليمن كان حاضرا فيها كمملكة سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات ولهم أن يستنطقوا النقوش والآثار في كل جغرافية المكان وكيف أن اسم اليمن وأسماء ملوكها وحكامها حاضرة بقوة. ولهم أن يسألوا فطاحلة الشعر الجاهلي بدءا بالملك الضليل وأمير شعراء عصره الذي لا تزال نداءاته لدمون مجلجلة منذ ما يزيد عن ألف وخمس مئة سنة: تطاول الليل علينا دمون دمون إننا معشر يمانون وإننا لأهلنا محبون ودمون هي بلد الشاعر في حضرموت ، ويوم أن قال إنا معشر يمانون كان يعبر عن واقع معروف يؤكد يمنية المكان ويؤكد تسمية الممالك التي قامت على هذه البقعة المباركة والني وردت في النقوش المختلفة. ولم يكن شاعرا طارئا على المكان. ومن بعد امرئ القيس جاء عبد يغوث الحارثي ليشغب بأعلى صوته بيمنية حضرموت أبا كرب والأبهمين كليهما وقيس بأعلى حضرموت اليمانيا ولهم أن يسألوا علم الأنساب في مصادره الموثوقة ليعرفوا أن تريم وحضرموت وشبام ولحج وأبين كلها أسماء أجداد مؤسسين تعود أصولهم إلى جد واحد هو سبأ كما هو الحال ليريم وحيس ومأرب وغيرها. ولهم أن يسألوا السيرة النبوية عن مسمى مخاليف اليمن وكيف أن كل مناطق اليمن دخلت تحت هذا المسمى في مخاليف أربعة. ولهم أن يسألوا قوافل الحجاجاليمنيين على مراحل التاريخ المختلفة ومن شتى المناطق اليمنية أليس لهم ميقات واحد هو ميقات (يلملم) وقد خصصه النبي الكريم لأهل اليمن؟ فمن أين سيعتمر المنكرون إذن؟ ولهم أن يسألوا الشاعر عمر ابن أبي ربيعة الذي زار اليمن فأذهلته مساحتها الشاسعة فراح يتغنى: تقول عيسي وقد وافيت مبتهلا لحجا وبانت ذرى الأعلام من عدن أمنتهى الأرض ياهذا تريد بنا؟ فقلت كلا ولكن منتهى اليمن علما بأن المقصود بالأعلام في البيت الأول هي الجبال وليست أعلام الانفصال. ولهم أن يسألوا ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) وكيف أنه نسب إلى اليمن كل المناطق الواقعة من المهرة شرقا إلى البحر غربا وجنوبا. ولهم أن يقرؤا في تاريخ الدولة الرسولية ليتبينوا حقيقة بلادهم. ولهم ان يقرؤوا كتاب هدية الزمن في ملوك لحجوعدن احب كتاب (هدية الزمن في ملوك لحجوعدن) للشهير القمندان حيث يقول عن لحج على وجه الخصوص: «لحج مخلاف باليمن ينسب الى لحج بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن الهميسع بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان». ولهم بعد ذلك ان يقرأو بتأمل واع لنهر الأدب الذي أبدعه أمان وغانم وجرادة وحنبلة والعكبري ليتبينوا موقع اليمن منه، ولهم ان يستمعوا بشجن كبير للمنجز الفني الكبير الذي صنعته حناجر فناني اليمن في الجنوب تحديدا: أحمد قاسم ومحمد سعد ومحمد عبده زيدي والمرشدي وبلفقيه وإدريس وكرامة مرسال. إذا فعلوا ذلك بوعي فلن يتخلى أحد عن اسم اليمن المشتق من اليمن (بضم الياء) ولن يسموا الأمور إلا بمسمياتها، ولاشك أن عبارات تافهة كثيرة ستختفي واولها مقولة (الاحتلال اليمني).