يطرق محافظ مارب/سلطان العرادة الحديد وهو ساخن؛ فمارب كما لخص فعلها المحافظ مؤخرا كمعدن الذهب، كلما استعرت النار فيه ازداد لمعانا وبهاء ومنعة، ليس لأن مارب اضحت تمثل ثقلا سياسيا واجتماعيا وعسكريا ووطنيا- فحسب- بل ولأنها علاوة على كل ذلك مجتمعة أضحت عاصمة التحرر والوحدة والمقاومة الوطنية والجيش الوطني معا، إضافة إلى كونها رأس حربة اليمن والأشقاء العرب امام المد الإيراني بأذرعه ومخططاته وأهدافه وسياساته التدميرية على اليمن والعالم العربي والإنساني والدولي برمته. فالأسس والرؤى والسياسات والخطط والاستراتيجيات لا تنبع الا من صفاء حضاري ولا تصب وتكتسب وتستحق الإنتصار الا بناء على تلكم المصفوفة الحضارية ومترجمة لها؛ فقوة الشعب وتطلعه وبحثه الدائم على الحرية لا يمر عبر التشرذم السياسي والتداول الإعلامي المتهافت، بل عبر التوحد واستعادة اللحمة الوطنية وجعلها محددا لكل توجه سياسي وفعل مقاوم، وبناء عسكري وأمني، وهذا هو ما يجعل الحقيقة الأمنية والعسكرية أنوية فعالة وكاشفة ودالة على الحقيقة السياسية والإجتماعية الثقافية ودالة على ذلك كله، اذ لا خيار امام اليمن سوى الإنتصار على هذا المد الإيراني الخبيث، وأولى حلقات التأسيس الحضارية للإنتصار ذاك يكمن في توحيد الجهد والقوة والقوى السياسية والمجتمعية برمتها، وهو الذي تمر عبره تلكم الدوائر مجتمعة لتتكامل وتترجم افعالا وروافع لقيمة الحرية وفعل التحرر الوطني الذي تختطه مارب بدمائها ودماء كل يماني حر هناك،ويقاسمها إياه الدم العربي الشقيق من خليجه إلى مصره والسودان، وبهذا فمارب ورمزيتها ومكانتها وتمثلها لكل تلك الدوائر (=الوطنية والعربية" إنما تؤسس لاستعادة الفعل الحضاري كجهة وصل وديمومة وفعل خلاق متراص ومتداخل ومتماهي مع الأسس الحضارية والأفعال البناءة لكل أمم وشعوب العالم التي لاقت وعاشت الأحداث والأخطار والتهديدات الوجودية عينها. فانطلاقة مارب ووزنها وتربعها على عرش العمل الفذ والفعل الأخلاقي والوطني والقيمي ليس نابعا من الجزئيات تلك ولا ينبوعا لكشف حقيقتها، بل وأنها تبتغي من هذا الجزء كما تحرص وتنظر من خلاله على أنه الكلي منطقيا وطبيعيا وحضاريا، لذا فالجزئية التي نستنطق مارب من خلالها إنما هي كل كلي وشامل وعميق،أي اليمن وفضيلة الحرية،مع ما يشتمل عليه ذلك من واحدية وجهد وموقف وسلوك ويقتضيه؛ فتاريخ العالم ليس سوى تاريخ التقدم في الحرية أو بحثا عنها-كما يقول هيقل- وهو ما تجترحه مارب بمجتمعاتها الثلاثة، الأهلية والإجتماعية والسياسية، وتتمثله كحقيقة لا مراء فيها. ومثلما أن درب الكرامة الوطنية يمر عبر النضال والكفاح بالضد من كل ما هو حوثي إيراني، فها هو محافظ مارب يفصح عن كل ما هو حري بذلك الدرب، وأوله ومدخلاته تعني واحدية القرار السياسي والعسكري والأمني وتكامله على الأرض واعلى مستوى في الدولة وصولا لتكامل حلقاته العربية اخوة ولحمة وهدفا ووسيلة. وكما يتكئ العرادة على ضرورة تعبئة الموارد البشرية والمادية والعينية على الذات، فإنه يقارب ذلك من منطلق استراتيجي وحضاري ووطني عبر طرقه للدور الأخوي العربي وضرورة تكامله كمشروع استراتيجي لاستعادة هذه الذات ولبنة تأسيسية ومشرعة في وجه التحديات الوجودية التي تهدد أمن واستقرار ومصالح وعلاقات العرب والعالم ككل. فإيران التي رمت بكامل ثقلها وتبتغي استباحة ارضنا وعرضنا وهويتنا ومصالحنا ووطنا تقتضي مواجهة شاملة وكلية لا الوقوف على تخوم الأحداث ونبذ الحظ، وشكا العاجز ومجابهة المهزوز، اذ التكامل العربي في هكذا مجابهة هو الأصوب والأمنع والأصلح، وصحة الفكرة لا يعني خطأ السياسة أو انعدام تطبيقها، بل تصويب السياسة واصلاح العلاقة وامكانية تطبيقها هو الدرب الأسلم، لا الخور والضعف والتنميط السلبي القاتل الذي نتبع اعلاميا، فحضور اليمن بكلياته وقضاياه وهمومه وتطلعاته وقيمه هو ما ينبغي أن نتخذه كبوصلة للتحرك وعمق دالا على واحدية المشاعر وكجهة ضبط ومحدد لتصرفاتنا ومواقفنا وسلوكياتنا جميعا، فالمعركة مفتوحة وتتحكم فيها عوامل مختلفة، ولا يعني سقوط مديرية هنا أو هناك الإستسلام وبث الهزيمة وتسطيح القضايا، عبر ربطها بحزب أو اشخاص او قبيلة، بل برفعها إلى اعلى وربطها بالعمق الحضاري والأصالة والمجد الذي ننهل منه جميعا، اليمن والحرية أعني. أما مسألة الثقة والتحدي وحسن التقدير التي اختتم المحافظ خطابه بها، فضلا عن افتتاحه لتصريحاته تلك؛ فتنم عن قائد ورجل دولة وسياسي فذ يدرك ابعاد كل ذلك على المستوى الوطني والعربي والحضاري والسياسي والعسكري ككل، فالبعد النفسي والشخصي والإقليمي والفئوي المنحط الذي تتنفسه الحوثية وتحاول بثه في ماربواليمن،فإنه منبت"=منقطع" عن اليمن اسسا وتوجها ومصالحا وعلاقات وأهدافا وقيما بل ومتقاطع معها.. فاليمن والحوثية ضدان لا يجتمعان، والوطنية والحرية والكرامة والإنتصار اهلا لليمن،والإستحالة تكمن في اسقاط مارب حوثيا،حتى لو خرج مؤسس التنظيم الإرهابي نفسه من قبره،وهنا فالمحافظ يسجل أن البعد والمسألة الشخصية في اليمني تلتقي والكرامة، وتنضح بهما، وأن النقيض الكلي لليمن ارضا ووطنا وانسانا يكمن في حسين والحوثية ومن ورائهما ومشاريعهم المدمرة ككل؛حيث روح اليمن وارثه وتاريخه وهويته وحضارته تتقاطع والحوثية ومشايعيها ومن على شاكلتهم. وما التهديد المختزل في الآية الكريمة "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" الا استعارة وتصريح بحقيقة ما يعد، وردا مزلزلا وتصورا واضحا لما ستؤول إليه المعارك هناك، والعاقبة التي تنتظر الحوثية، وأنه وعد الله لكل حر، وأن ذوات حرة وعدة عسكرية وخططا استراتيجية وتكتيا وفنا ومهارات قد تشيئت في تلكم الذوات وأعدت عدتها وسترون ما تقر به الأعين وتسر بها النفوس.. أي خطاب القائد الملم بكل تفاصيل المعركة وطريقة إدارتها وفن استخدامها ومتى.