عاش طلاب دار رعاية الأيتام ليلة أمس حياة رعب وخوف,وذلك بعد أن هرعت قوات مكافحة الشغب من الأمن المركزي وشرعت على الفور بتطويق المبنى الواقع في شارع تعز في العاصمة صنعاء,على خلفية احتجاجات للطلاب. بدأ الطلاب بنصب عدد من الخيام تمهيدا لاعتصام أمام المدرسة,في محاولة منهم لتصعيد الاحتجاج ورفع صوتهم كي يسمعه المسئولون ويبادرون للاستجابة لجملة مطالبهم لا تعدو عن كونها بسيطة ومشروعة وعادلة. وعلى وقع هذه الاحتجاجات لهذه الفئة المحرومة من حنان الأبوة والأمومة والعطف المجتمعي..تنشر" الصحوة نت",تحقيقا ميدانيا للزميل موسى النمراني. - العنوان: دار الأيتام بصنعاء .. النسخة المصغرة من اليمن ليس لدار الأيتام بصنعاء حساب في البنك ولا حتى حساب في الفيسبوك، وكذلك ليس لهذه الدار موقع على الأنترنت، ولا تعريف في ويكبيديا على الرغم من أن عمرها أكثر من خمسة وثمانين عاما. تأسست هذه الدار عام 1925م وتخرج منها علماء ومفكرون وأدباء وقيادات عسكرية يمكن أن يكونوا الآن نصف مسئولي الدولة ومشاهير المجتمع وتخرج منها كثير من قيادات ثورة سبتمبر، وانتقلت إلى مبناها الحالي في شارع تعز بأمانة العاصمة عام 1978م ويعمل فيها 132 موظفا بين إداريين وفنيين ومعلمين، ويدرس فيها حاليا ما يقارب سبعمائة طالب مائتان وثلاثة وثمانون بنظام السكن الداخلي ومائة وستة وتسعون بنظام السكن الخارجي ،ومائتين بنظام الدمج الاجتماعي للأيتام مع طلاب آخرين. - التسرب الجماعي يقول الطالب عبد الله الكوكباني "تسرب من الدار خلال عامين أكثر من ألف وخمسمائة طالب إلى الحرس الخاص وتقاطعات الطرق الرئيسية أو تنظيمي الحوثي والقاعدة" الكوكباني في عامه الثامن عشر يشتعل رأسه بالشيب ويملك قدرة على الحديث السلس وترتيب الفكرة بطريقة صديق لي تخرج من الجامعة الأمريكية ببيروت، ويحاول الكوكباني كرئيس للجنة الطلابية إنقاذ زملائه من الجحيم الذي يعيشون فيه منذ ثلاث سنوات. أما مرزاح هاشم مدير الدار الجديد لم يمض على تعيينه أكثر من شهر، لكنه ليس غريبا عن الدار فقد كان يعمل سابقا كمدير لإدارة الدراسات، ويرث الآن حمولة ثقيلة من المطالب والاحتياجات مع إمكانيات شبه صفرية مقارنة بخانات طلبات تتزايد الأرقام التي تسكنها. في الأسبوع الماضي أعلن الطلاب في دار الأيتام إضرابهم عن الطعام احتجاجا على تردي أوضاعهم، وفي نهاية الأسبوع خلال زيارة لوزيرين من حكومة الوفاق فك الطلاب إضرابهم عن الطعام وتناولوا وجبة طعام تفقد أثناء طباختها نصف قيمتها الغذائية بسبب طريقة الطبخ التقليدية. - بداية المعاناة تأريخيا كانت الدار بكل مرافقها تتبع وزارة التربية والتعليم حتى عام 2007م انتقلت إلى أكثر من جهة حيث بقي التعليم من اختصاص الوزارة بينما انتقلت الأنشطة والقسم الداخلي إلى أمانة العاصمة عندما بدأت البلد بتطبيق خطوات الحكم المحلي غير أن أمانة العاصمة امتلكت كنزا لا تعرف خارطة له ولذلك فقد مر على الدار سنوات طويلة بلا ميزانية تشغيلية وهذه الكلمة على بساطتها فإنها تعني الكثير من المعاناة للطلاب والإدارة على حد سواء. - مرافق نائمة المركز الصحي التابع للدار يتكون من مبنى جيد فيه الكثير من الأجهزة الطبية غير أنها تنتظر فنيين قادرين على تشغيلها، والطلاب الذين يحتاجون للعلاج في المركز يحصلون على مهدئات أو يحالون لأطباء خارجيين يكتبون لهم رشدة طبية لا يجدون من يدفع قيمة ما فيها من أدوية .. يقول طالب ظريف أنهم يستخدمون الرشدة الطبية بدلا من الحروز والتمائم. صالة اجتماعات متطوعي الهلال الأحمر تحولت إلى مكتب، والصيدلية المتوفرة في الدار لا تزيد فيها الأدوية المتوفرة عن عشرة أصناف مابين مهدئات ومضادات حيوية، وعلى الطاولة كشف بأسماء الطلاب الحاصلين على الأدوية , عرضه علينا المختص كدليل براءة على حسن تصرفهم غير أن ملاحظة مكتوبة على ورقة خارجية مكتوب عليها " ماهذا العبث يامختصين؟" يقول إبراهيم الفلاحي وهو مسئول المركز الصحي في الدار أن انعدام الميزانية يحوله من موظف إلى متسول للأدوية من فاعلي الخير حتى يتمكن من توفيرها للصيدلية، وبسبب نقص في الكادر يخسر الدار فرصا كثيرة في الحصول على تمويلات أهليه أو دعم مجتمعي عبر تخصيص المركز فيه لبعض الأغراض الرسمية أو الحملات الطبية أو تقديم رعاية طبية معينة. أستاذ الرياضة المتطوع ناجي الرياشي يفسر كلمة انعدام الميزانية التشغيلية في النشاط الرياضي بحيث يصبح كل مالدى دار الأيتام مجرد كرة قدم يمتلكها هو ويقدمها لطلابه ليلعبوا بها ولا تملك الدار أي شيء للرياضة، نادي التنس أصبح أرضية بلا سور بعد أن تخلى معهد اميديست عن وعده بتغيير الشبك الحديدي، وتنس الطاولة مغلق خمسة أيام في الأسبوع ولا يفتح سوى يومين يتوفر فيها مشرف متطوع، وأرضية ملعب كرة القدم مليئة بالأشواك في أطرافها بينما يتكون الملعب من أرضية ترابية، وفي جزء منه حفر بئر تستخرج منه مياه غير صالحة للشرب يتم ضخها إلى المنازل المجاورة بعد فلترتها بينما تجد طريقها لأواني شرب الأيتام بدون أي فلترة. مهاجع طلاب القسم الداخلي تجلب الحزن لمن يراها ولا أدي أي مشاعر سلبية يمكن أن تجلبها لمن يسكنها،أبوابها حديدية تشبه أبواب السجون و نوافذها مغلقة ويقوم الطلاب لكسرها للحصول على الهواء، وليس فيها دواليب للملابس ، والأسرة الحديدية عليها فرش مهترئة وبطانيات متسخة وأكثر من نصف المهاجع مغلق والنصف المسكون بالطلاب تشاركهم فيه الكثير من الحشرات وتنعدم فيه النظافة وتقل عدد الحمامات الصالحة للاستخدام وهذا إضافة لكونه نتيجة طبيعية لانعدام الميزانية التشغيلية فهو أيضا انعكاس لثقافة تربوية لا ترى في النظافة أي قيمة مثالية، وفي المبنى الحديث المخصص للأطفال يبدو الوضع أفضل من حيث النظافة. وأمام المطعم التقليدي تتكدس أكوام من القمائم التي يجتهد مدير الدار بمحاولة الاتصال المتكرر بالمسئولين عن النظافة في أمانة العاصمة لرفعها أولا بأول إلا أنها كثيرا ما يطول بها المقام هنا حتى أصبحت منظرا مألوفا عند الطلاب الذين لا يشعرون بالاستغراب إلا عند رفعها. - لماذا حدث هذا ؟ الطلاب الغاضبون من سوء أوضاعهم يتهمون كل الإداريين والمعلمين بالفساد والفشل ويتهمونهم ببيع السور الحديدي لملعب الكرة الطائرة والأخشاب والأسرة والفرش، بينما يؤكد الإداريين أن لا شبهة فساد في أي مما ذكر وأن كل شيء على ما يرام باستثناء الخلل الإداري الذي نقل الدار من إشراف التربية إلى إشراف أمانة العاصمة التي لا تملك المؤهلات الفنية لإدارة منشأة كدار الأيتام. يقول عبد الله الكوكباني أن جهة ما أرادت تحطيم الدار حتى يسهل تسليمها لجمعية الصالح ويستدل على ذلك بأن الحرس الجمهوري فتح أبوابه لأي طالب يريد الالتحاق بالجيش مهما كانت حالته مخالفة لشروط الانتساب، بينما يؤكد المدير الجديد مرزاح هاشم أن دراسة علمية شارك فيها الدار ومجلس الشورى وجامعة صنعاء خلصت إلى أن دور الأيتام هي مسئولية الدولة بالدرجة الأولى ولا يجوز إسناد أمرها إلى أي جمعية أو ماشابهها من مؤسسات المجتمع المدني مؤكدا أن الدراسة أكدت على أن الدولة يجب أن تغطي ثمانين بالمائة على الأقل من احتياجات دور الأيتام بينما تسمح لمكونات المجتمع المدني بالتكفل بالباقي تحت إشراف الدولة وعلى مسئوليتها، ورفض مرزاح الحديث عن نية سابقة بتسليم الدار لجمعية الصالح متسائلا كيف يمكن أن نسلم مؤسسة عمرها أكثر من ثمانين سنة إلى مؤسسة لا يتجاوز عمرها عشرة أعوام؟ - ماذا يريد الأيتام؟ أضرب طلاب دار الأيتام عن الطعام ورفعوا مطالب من 13 نقطة أهمها استقلالية دار الأيتام إدارياً ومالياً وإنشاء هيئة مستقلة لإدارتها تتبع رئاسة مجلس الوزراء وإصدار قرار يقضي بأحقية الدار بعائدات إيجار الدكاكين المبنية على الأرض التابعة للدار وهيكلة الإدارة العامة وإنشاء إدارة رقابة تابعة للدار وإعادة المعهد التقني والصناعي الخاص بالأيتام وإعادة مبنى 7 يوليو وكل ما نهب ( 2باصات – وايت ماء – معدات ورشة النجارة – محتويات المخازن ) وإنشاء إدارة تدريب وتأهيل وعلاقات عامة، ومنح كل طالب منحة ضمان اجتماعي، وإعادة ترميم الدار وإعلان مناقصة خاصة بالتغذية واعتمادها على مدى الأعوام القادمة بصورة مستمرة وبمراقبة الإدارة. - نسخة مصغرة دار الأيتام نسخة مصغرة من اليمن.. نحن في بلد كلنا فيها أيتام، نعاني من الفساد والفشل ونشعر بالنقمة على كل مسئول، نخرج وندخل من البلد وإليها دون أي إجراء قانوني عبر التهريب ونمارس أي عمل نقدر عليه دون حاجة لأي مؤهل، غذاؤنا هزيل، وأمننا في درجة صفر، ولدينا إدارة جديدة قديمة في نفس الوقت، والمستقبل غامض.