لم يجد القائد جمال جميل عبارة مختزلة تبشر بملامح المستقبل وهو أمام الموت قبيل إعدامه بتهمة مشاركته في ثورة 48 على الإمامة، من عبارة حبلناها وستلد. فالثورة في البدء فكرة يعتنقها أناس فادون، يستشعرون واجبهم تجاه شعبهم ووطنهم، قبل أن تغدو وعيا عاما، وسلوكا مبصرا، ثم طوفانا يقتلع السائد الممقوت ويوطن الجديد المنشود. فحين تتخلق فكرة الثورة بين جوانح الطليعة، يكون الوطن على موعد مع التغيير الشامل والجذري، وإن طال الزمن، وتعددت الموجات الثورية. حقيقة آمن بها خادم الوجيه، فكان جزءًا من النخبة الوطنية التي ضمّت علماء ومفكرين وضباطًا وقادة قبليين، وتجارا ورجال أعمال اجتمعوا على فكرة التغيير وبذلوا أرواحهم في سبيل إنهاء حكم الكهنوت الإمامي. شارك بفاعلية في التعبئة والتحشيد، وأسهم بدور بارز في الحراك الثوري الذي انتهى باغتيال الإمام يحيى وإعلان دستور جديد يهدف إلى تأسيس دولة مدنية حديثة. يُعد خادم الوجيه من أبرز الشخصيات الوطنية التي شاركت في ثورة 17 فبراير 1948م، ضد نظام الكهنوت الإمامي، وكان يملؤه اليقين بأن المشاركة بجزء من ماله في الثورة، يعتبر تحصينا لرأس ماله وأموال التجار ورجال الأعمال من جراد الإمامة، وحُطمة الكهنوت، وقد جسد يقينه واقعا عمليا فكان أكثر الداعمين ماليًا للعمل الثوري وللثوار منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وذلك من مسقط رأسه في "حارة السور" بمحافظة الحديدة، حيث كرس قسطا وافرا من ثروته لمساندة الثورة الدستورية وتسيير أنشطتها السرية وتحركات كوادرها، ورعاية السجناء وأسرهم، ما مكن الثوار من الاستمرار في أنشطتهم رغم الضغط السياسي، ومهد لاحقًا لثورة 26 سبتمبر 1962م التي أطاحت نهائيًا بنظام الإمامة. وقد دفع خادم الوجيه، إلى جانب رفاقه، ثمن موقفه الوطني؛ إذ تعرض للملاحقة والتنكيل، والإعدام شأنه شأن كثير من الثوار الذين نادوا بالحرية والإصلاح.. لم يمت الوجيه، ولم يمت رفاقه، فالفكرة المطاردة في 48 صارة ثورة مظفرة في 26 سبتمبر 1962 . "قَطفوا الزهرةَ .. قالت: مِن ورائي بُرعُمٌ سَوفَ يَثور. قطعوا البرعمَ .. قالت: غَيرُهُ يَنبِضُ في رَحمِ الجُذور. قلعوا الجَذرَ مِن التُّربة .. قالت: إنني مِن أجلِ هذا اليوم خبأتُ البذور. كامن ثأري بأعماق الثرى وغداً سوف يرى كل الورى كيف تأتي صرخة الميلاد من صمت القبور. تَبردُ الشمسُ ... ولا تبرد ثارات الزهور"