ينظر اليمنيون إلى أن ثورة ال14 من أكتوبر1963، بأنها امتداد للثورة الام ثورة ال 26 من سبتمبر 1962، ضد الكهنوت الامامي العنصري المتخلف. وفي الذاكرة الجمعية لدى اليمنيين اقترن اسم الثورتين، فما إن تذكر احداهن الا وذكرت الأخرى، فهما توأمان في الكفاح والثورة والحرية، فلا يفصل بين ميلادهما سوى شهر في الذكرى، وعام في تقويم الثورات والنضال.
فرّق تسُد تعامل الاحتلال البريطاني في احتلاله لجنوب الوطن، بنظريته الشهيرة "فرّق تسُد" ففرق بين اليمنيين في المحافظاتالجنوبية وقسم الجغرافية الى 23 سلطنة ومشيخة.
وعلى مستوى اليمن ككل عمل الاحتلال، على تقسيم الوطن بالتواطؤ مع الإمامة شمالا وجنوبا، ليضمن لنفسه البقاء ما أمكن له ذلك، لكن ذلك لم يدم، وحين توحدت قلوب اليمنيين وبنادقهم تمكنوا من تحرير وطنهم من احتلال دام نحو 129 سنة.
فما إن كسرت صنعاء القيد وثارت على الكهنوت الإمامي، لحقتها عدن بالثورة، بعد أن اشعل شرارتها الشيخ غالب راجح لبوزة ورفاقه، العائدون من قتال بقايا الإمامة وشراذم الكهنوت في محافظة حجة ومناطق أخرى في شمال الوطن.
في هذا التقرير نستعرض مشاركة متطوعين من أبناء المحافظاتالجنوبية، خصوصا ابناءردفان في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر، وكذلك دور ثوار 26 سبتمبر ومتطوعين من المحافظات الشمالية في مساندة الثوار في الجنوب ضد المحتل البريطاني.
في كتابه حقائق جديدة عن الانتفاضة الأولى لثورة14اكتوبر، ذكر المؤلف محمد عباس الضالعي، أن عدد المقاتلين من أبناء ردفان الذين قاتلوا دفاعا عن ثورة ال26 من سبتمبر كان عددهم أكثر من 122 متطوعا، المجموعة الأولى بقيادة، حسن القطيبي حيث تم تدريبهم في تعز، وثم انتقلوا إلى صنعاء ومن ثم إلى الحيمتين، والمجموعة الثانية وكانت تضم أكثر من 100 مقاتل بقيادة راجح لبوزة، انطلقت باتجاه الحديدة. واستعرض المؤلف أبرز المحطات الثورية التي سبقت ثورة 14 أكتوبر، حيث احتضنت صنعاءوتعز ومحافظات أخرى، ثوار الجنوب وفتح لهم فيها معسكرات التدريب وقدم لهم النظام الجديد الدعم السياسي واللوجستي وخاصة الدعم بالسلاح.
ففي صنعاء كان الرئيس عبدالله السلال، قد عيّن قحطان الشعبي، مستشارا له لشؤون الجنوب، حيث عمل الأخير على تجميع المكونات الثورية الجنوبية وتوحيدها.
ففي نوفمبر 1963، عُقد في صنعاء مؤتمر حضره المئات من الشخصيات السياسية والاجتماعية والقبلية وقادة العمل الفدائي والضباط الأحرار، حيث نتج عن هذا المؤتمر دمج المكونات الجنوبية تحت مسمى "جبهة تحرير الجنوباليمني المحتل" والتي أطلق عليها في أغسطس من نفس العام "الجبهة القومية لتحرير جنوباليمن المحتل".
وقد مرت الثورة بمحطات من الكفاح والنضال العسكري، رافقها اعمال مدنية رافضة للاحتلال تمثلت في الاحتجاجات والاضرابات، كل ذلك عملت على تهيئة قيام الثورة.
وحين اندلعت شرارة الثورة من قمم جبال ردفان، هب اليمنيون في جبوب الوطن وشماله لمساندة الثورة وقتال المحتل.
تلاحم شعبي وغضب الاحتلال البريطاني تذكر مصادر أن العشرات من أبناء إبوالبيضاء وذمار وتعز التحقوا للقتال في صفوف الثورة وترك بعضهم بصمات في الكفاح المسلح وسقط بعضهم شهداء وخلدت أسماءهم.
كما لعب النظام الوليد في صنعاء دورا مساندا تمثل في تقديم الدعم بالسلاح والدعم السياسي، فكان أحد أهم عوامل نجاح الثورة وصمود الثوار رغم فارق القوة بين الثوار والاحتلال.
هذا التلاحم الشعبي بين شمال الوطن وجنوبه اقلق المحتل، ما دفعه في 19 يونيو 1965، لإصدار قانون الطوارئ، بهدف طرد مئات المواطنين من المحافظات الشمالية.
وبموجب القانون الجديد حظر بموجبه نشاط الجبهة القومية لتحرير الجنوباليمني المحتل، واعتبرها حركة إرهابية.
الشهيد "عبود" الشرعبي
في حديثه ل "الصحوة نت" سرد الصحفي صلاح سيف، أسماء عدد من الشهداء أبرزهم مهيوب علي غالب الشرعبي الملقب "عبود"، الذي تم تخليد ذكراه بتسمية يوم استشهاده بيوم الشهيد الجنوبي. واستشهد "عبود الشرعبي اثناء قيامه بعمل فدائي للدفاع عن الثائرات نجوى مكاوي ورفيقاتها، عندما حاول الاحتلال اعتقالهن، في 11 فبراير 1967.
وأضاف صلاح سيف " من الشهداء البطل عبدالله الخامري، وعبدالفتاح إسماعيل، ومحمد سعيد عبدالله "محسن"، و راشد محمد ثابت وزير شؤون الوحدة في الجنوب والذي اعد وثيقة الوحدة مع وزير شؤون الوحدة في الشمال عبدالله العرشي، وعبدالرزاق شائف، وسعيد الجناحي".
وكان عبدالفتاح إسماعيل، قائد العمل الفدائي في عدن وأحد ابرز قادة الجبهة القومية وهو ضمن الوفد المشارك في مفاوضات الاستقلال عام 1967.
تؤكد المصادر أن المناطق الشمالية القريبة من الجنوب كانت مراكز اسناد وتدريب لثوار أكتوبر خاصة تعز التي كانت توجد فيها معسكرات للثوار، وكانت ابوالبيضاء سند اقتصادي توفر الدعم المادي للمقاتلين".
المناضل علي عنتر في فيديو ارشيفي يوثق خطابا للمناضل في ثورة 14 أكتوبر علي عنتر، في احدى المناسبات الثورية، تحدث عن ثورة 26 سبتمبر ودورها في إنجاح ثورة أكتوبر.
حيث خاطب الحضور والجمهور "يكون عندنا اخلاق ونعترف بنضال الناس الآخرين، (..) الفضل بالنسبة لنا، وفجرنا النضال في 14 أكتوبر، نقول إن الفضل يعود للرواد الأوائل في ثورة ال 26 من سبتمبر، هذا الضوء وهذا الشعاع، وبعد أن قضينا على الامامة انطلقنا بعدها نناضل، وكلنا ثقة ما دام صنعاء وراءنا".
ومما قاله علي عنتر والذي عيّن لاحقا وزيرا للدفاع في الشطر الجنوبي للوطن: " تحية وألف تحية للذين اتخذوا القرار عشية 26 سبتمبر وحملوا أسلحتهم وتقدموا راضين للموت من أجل حياة الشعب اليمني ودك قلعة الإمامة (..) لهم الفضل علينا أن هذه الثورة في الشطر الجنوبي والانتصار العظيم الذي حققته شمالا وجنوبا، يعود الفضل بالدرجة الأولى لرجال 26 سبتمبر، يجب ان نكن لهم الحب والتقدير".
تذكر مصادر عددا من أسماء المناضلين من أبناء المحافظات الشمالية الذين شاركوا في ثورة 14 أكتوبر سواء بالقتال أو الدعم والتدريب، ومنهم: العميد عبدربه القاضي، وهو من أوائل ضباط الجيش الجمهوري الذين أشرفوا على تدريب وتسليح الثوار الجنوبيين وشارك في القتال في مناطق ردفان. والعميد عبدالله جزيلان، والذي ساهم في تنظيم الجبهات على الحدود الشمالية لليمن الجنوبي وأشرف على إيصال السلاح للثوار، وكذلك المقدم محمد عبدالله الإرياني، وهو من الضباط الجمهوريين الذين دعموا العمليات في جبهة الضالع. الضابط محمد علي الأكوع، شارك ضمن مجموعة من المتطوعين الذين عبروا من تعز للمشاركة في المعارك ضد البريطانيين، والمناضل عبدالسلام صبرة، تمثل دوره في الإمداد والتواصل بين قيادات الثورة في صنعاءوعدن.
من الأسماء أيضا، محمد مطهر زيد، تذكر المصادر أنه شارك ميدانيًا في جبهة البيضاء التي كانت إحدى بوابات الدعم للثورة الجنوبية.