المبادرة الخليجية هدفت بالأساس إلى وضع خارطة طريق لنقل السلطة من نظام قديم إلى آخر جديد, بمعنى خروج لاعبين ومجيء آخرين, ما يستدعي بالتالي إقامة نظام سياسي جديد على أنقاض السابق. كل ذلك استجابة لمطالب الثورة الشبابية اليمنية, التي خرجت رافعة شعار "الشعب يريد إسقاط النظام". وبصرف النظر ما إذا المبادرة لبّت كل مطالب الثوار أو بعضعها أو أغلبها, فإن مضمون المبادرة أو المحصلة النهائية لها يتلخص في مسألة نقل السلطة. فهو جوهر المبادرة وموضوعها الرئيس, وما عداه مجرد تفاصيل. ومسألة نقل السلطة كلّ لا يتجزأ, بمعنى أنه من غير المنطقي, كما ليس من المقبول تماماً نقل بعض السلطة والاحتفاظ بالبعض الآخر. وتأسيساً عليه, من الذي أعطى البعض حق الاحتفاظ بجزء من سلطات الرئيس المنتخب ومشاركته إدارة الدولة؟ على أي أساس شرعي يتوكأ هؤلاء وقد قبلوا بالمبادرة التي نصّت على تنحيهم جانباً وتسليم السلطة كاملة لرئيس جديد منتخب؟ ما برح هؤلاء يزاحمون الرئيس هادي ويقاسمونه سلطاته, محاولين فرض سياساتهم عليه, بحجة أنهم قدموا تنازلات, وسلموا السلطة طواعية كما يقولون. وهي مزاعم لا تنقصها الوقاحة والبجاحة, وليست بمستغربة من أمثالهم. فهذا المدعو بالزعيم, فعل كل ما يخطر وما لايخطر على بال للاحتفاظ بالسلطة, وارتكب في سبيلها كل الموبقات, ثم يجيء ليزعم وبكل وقاحة أنه تخلى عن السلطة طواعية لأجل الوطن وحقناً للدماء التي سفكها بلاطجته في كل الشوارع والساحات!!! دعوى التنازلات هذه التي يتحدثون عنها, يريدون من ورائها الحصول على مكاسب, وهم لا يقبلون بأقل من الاحتفاظ بجزء من العائلة كشركاء في السلطة. إنه ثمن التنازل الذي قدموه بزعمهم. هؤلاء مسكونون بهوس السلطة المسيطر على تفكيرهم ومسلكهم السياسي. يعتقد صالح أن المبادرة- التي يروج مؤيدوه أنه صاغها بنفسه وقدمها من تحت الطاولة- تضمن له فرصة التقاسم مجدداً مع من ثاروا عليه وخرجوا يطالبون برحيله ثم منحوه الحصانه ليرحل على الفور, لكن الرجل يصّر على أن المحاصصة والتقاسم حق أصيل في المبادرة, في مسعى منه للعب دور جديد على الساحة وإن في الظل. وهو عندما يجد ممانعة شديدة من الأطراف المعنية في الداخل والخارج لقبول ذلك الدور, يعده خروجاً على المبادرة وتعطيلاً لها, بينما هو من يفعل ذلك في حقيقة الأمر! وإلاّ كيف يفسر هو وحزبه مسألة نقل السلطة عبر صندوق الاقتراع؟ ألا يعني ذلك أن ثمة رئيس جديد صارت السلطة إليه بمقتضى الحال, وأن منازعته سلطاته وصلاحياته هو خروج صريح على المبادرة ذاتها التي أسست لمشروعية جديدة ارتضى بها صالح حين قبل التوقيع على المبادرة؟ ولماذا يخرج عن الشرعية التي طالما تشدق هو بها من قبل؟ ولماذا يعارض وحزبه خطة هيكلة الجيش, وقد تضمنتها الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية التي يتباهون بصياغتها؟ لماذا يعارضون النصوص التي وضعوها هم كما يقولون, ثم يدّعون بعد ذلك أن المشترك هو من يعمل على تعطيل المبادرة والالتفاف عليها؟! لماذا لم يستوعبوا بنود المبادرة حتى الآن؟ إزاء ذلك كله, فقد طفح الكيل برعاة المبادرة, ولم يعد بوسعهم الصبر أكثر تجاه تعنت صالح وحزبه, وتسويفهما في تنفيذ بنود المبادرة, ومحاولتهم تقويضها. وبعد عام كامل عليها, يمكن رصد أهم التحولات السياسية التي طرأت على الموقف الدولي تجاه المبادرة, والمتمثل في هذا الموقف الصارم الذي أبدته مؤخراً الأطراف الراعية للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية, بما فيهم سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي, الذين طالبوا الرئيس هادي- وفقاً لصحيفة الخليج الإماراتية- باتخاذ قرارات رئاسية حاسمة تسهم في تهيئة الأجواء المواتية لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني. وقدمت تلك الأطراف تطمينات للرئيس هادي بأنه سيتم التصدي لأية محاولات تستهدف عرقلة انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، وسيتم فرض عقوبات على أي طرف يثبت تورطه في إعاقة مساعي الرئيس في هذا الصدد. تلك التطمينات الدولية كانت مشفوعة كذلك بنصائح وتوصيات قُدمت إلى الرئيس هادي بتجنب عقد مؤتمر الحوار الوطني قبيل إصدار تلك القرارات الحاسمة. وما يمكن أن نستشفه من تلك المطالب والنصائح الدولية للرئيس, وبخاصة فيما يتعلق بحثه على اتخاذ قرارات رئاسية جريئة وحاسمة, هو أنهم يحثونه على الإسراع في توحيد قيادة الجيش وإنهاء حالة الانقسام التي تعيشه, والمضي بخطوات الهيكلة إلى نهايتها. بعبارة أخرى, يريدون من هادي تولي القيادة, وإنهاء حالة الإزدواج الحاصل, ووضع حد لمشاركته السلطة من قبل صالح وعائلته. بمعنى, رأس واحد في السلطة, وقيادة واحدة تكون قادرة على تحمل مسئوليتها, وبسط سلطتها ونفوذها, وإمضاء سياساتها وفق المتغيرات التي قادتها المبادرة. المفارقة أن المبادرة التي قيل بأن صالح سربها بنفسه للأطراف الخارجية, هي عينها من تضعه الآن في مواجهة وصدام حقيقي مع تلك الأطراف. فجزء كبير من معركة التغيير اليوم, تديرها تلك الأطراف التي عوّل عليها صالح في مؤازرته. ويبدو أن المبادرة ستخطوا في عامها الثاني خطوات متسارعة باتجاه نقل السلطة, وربما يعمد رعاتها إلى تحريك بعض الأوراق الإضافية في حال وجدوا أن صالح ما يزال يعيق عملية استكمال نقل السلطة وتوحيد الجيش تحت قيادة الرئيس هادي. وسيكون انعقاد مؤتمر الحوار الوطني مؤشراً واضحاً على جدية المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي في إمضاء المبادرة وآليتها التنفيذية إلى خط النهاية, بصرف النظر عن محاولات صالح وحزبه في إعاقة هذا الإندفاع وكبح جماحه. لقد حصل هادي على الضوء الأخضر لإزاحة الديناصورات الكبيرة, ولم يعد مطلوباً منه أكثر من اتخاذ القرار, بعدها سيتولى المجتمع الدولي عملية إنفاذه بطريقتهم الخاصة, حينها سيتضح بجلاء ما إذا كانت الحرب لم تبدأ بعد, طبقاً لمقولة الدكتور "عادل الشجاع" في "قناة اليمن اليوم". [email protected]