في مطار القاهرة؛ يطلق العاملون فيه بدءا من ضباط الجوازات إلى سائقي سيارات الأجرة على الطائرة اليمنية أو المصرية القادمة من صنعاء وصفين لهما دلالة يمنية خاصة؛هما: (طائرة العيانين..) و (طائرة 1/1).. الوصف الأول مقصود منه - كما هو معروف- أن معظم المسافرين اليمنيين القادمين إلى القاهرة يأتون للعلاج.. اما الوصف الآخر أي (طائرة (1/1) فالمقصود بهظاهرة غريبة لاحظها المصريون في الجوازات اليمنية التي تصر مصلحة الجوازات على أن ثبت فيها أن اليمنيين كلهم من مواليد (1/1)! باستثناء مناطق قليلة في اليمن كانت أمورها الإدارية متقدمة؛ فمن الصعب –إن لم نقل من المستحيل- أن يزعم اليمنيون في العديد من المناطق من مواليد ما قبل السبعينيات أنهم يعرفون التاريخ الدقيق لتاريخ ميلادهم باليوم والشهر.. وفي أحيان كثيرة: تحديد السنة نفسها. ومن الراجح أن نسبة كبيرة من مواليد تلك الفترة اتخذوا لأنفسهم تواريخ ميلاد تقوم على التكهنات أو السلبطة، وأحيانا تفرض عليهم ضرورة العيش في الخارج أن يحددوا بالضبط يوما وشهرا لاستكمال معاملاتهم؛ مثل ما حدث مع الأستاذ/ محسن العيني رئيس الوزراء السابق؛ الذي اضطر لاستدعاء خاله عند استخراج جواز سفره (1947) استعدادا للسفر في منحة دراسية إلى لبنان.. وبعد أخذ ورد (أو شور وقول.. وربما مراجلة) تم الاتفاق على تحديد سنة (1932) عاما لميلاد العيني.. لكنه وجد نفسه في فرنسا مضطرا لما هو أبعد من ذلك؛إذ أصروا في جامعة السوريون الفرنسية على ضرورة تحديد اليوم والشهر.. فاضطر لتحديد (20/10/1932)، وصارت ثابتة في كل أوراقه.. لكن العيني يعترف بأنه لا يهتم كثيرا عندما يهنئه أهله وأصدقاؤه بيوم ميلاده لأنه يعرف أنه تاريخ غير صحيح! لعل القراء استنتجوا أن الكلام السابق هو من وحي احتفال الرئيس السابق/ علي عبد الله صالح الخميس الماضي بما يزعمه يوم عيد ميلاده في (21/3/1942).. والحق أن الاحتفال كان يمكن أن يمر بهدوء؛ فمن حق كل إنسان أن يصطنع ما يشاء لنفسه من مناسبات؛ لكن ما أثار تعليقات الناس كانت أمورا أخرى.. فأولا: تزامن الاحتفال مع أيام (الاعتكاف) التي قيل إن (صالح) قد قرر الدخول فيه والالتزام به مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وهو قرار كان معقولا، وكاد يتحول إلى حدث تاريخي لولا أن الطبع غلب التطبع، واتضح أنه يعني عكس ما يقول تماما كما يحدث مع تعليماته لأنصاره بعمل الخير فتنطفيء الكهرباء وتنفجر القلاقل هنا وهناك. وهكذا تم فورا كسر الاعتكاف الذي كان مقتصرا بالطبع على عدم الظهور الإعلامي.. أما الممارسات الأخرى فلم تكن مشمولة بالاعتكاف، ولذلك استمرت وخاصة تلك التي تركز عليها دائما تصريحات وكلمات الزعيم: المحافظة على خطوط الكهرباء وأنابيب الغاز(!) والعمل على ترسيخ الأمن والاستقرار(!) والوقوف وراء الرئيس عبد ربه هادي والتنسيق معه(!) والمطالبة بتنفيذ كل بنود المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن نصا وروحا(!). حفل عيد الميلاد نفسه كان محاطا بالأشواك التي لم ينتبه لها أتباع الزعيم، فقد ظهرت فيه مطربة شابة في مقتبل عمرها وهي تغني للزعيم، وتتحرك على المسرح بخفة لا تتناسب لا مع حفلات أعياد الميلاد، ولا مع أن (الزعيم) هو عدو الاختلاط بين الرجال والنساء كما أعلن يوما في ساحة السبعين في الشهور الأولى للثورة الشبابية؛ غيرة على الأخلاق والتزاما بالحشمة والآداب الإسلامية.. ولأن النسيان طبيعة بشرية فها هي الأيام تمر والزعيم بنفسه ينسى فتاويه، ويقبل أن تحيى عيد ميلاده مغنية شابة.. وهي حالة تحتاج إلى فتوى خاصة– ولو من باب ليطمئن قلبي- لمعرفة جواز ذلك من عدمه؟ومدى انطباق معايير الحشمة على ما حدث في حفل الميلاد من عدمها؟ حضور بعض الشخصيات الرسمية في الدولة والمؤتمر الحفل، وغياب آخرين كان ملفتا للأنظار.. فقد استدعيت القيادات الحزبية لحضور –كما قيل- اجتماع مهم للجنة العامة ثم فوجئوا بأنهم مضطرون لإنشاد أغنية (عيد ميلادك أجمل عيد).. وكما قيل إن الحرب خدعة فقد صار جائزا القول: إن أعياد الميلاد.. خدعة أيضا! الذي يدقق في صور الحفل فسوف يكتشف بسهولة أن وجوه الحاضرين لم تكن وجوه محتفلين بمناسبة سعيدة، وكان الغم والهم واضحا على وجوه البارزين منهم.. أما بقية الحاضرين فمعظمهم من جماعة (1/1) الذين أقصى ما يعرفونه عن هذه المناسبات هو ما علق بأذهانهم عندما أجبروا على استخراج شهادة تسنين عندما التحقوا بالجيش أو الأمن. أما غياب أسماء بارزة في اللجنة العامة فيدل على أنهم لم ينخدعوا بحكاية اجتماع اللجنة العامة، وراهنوا على عذر يقدمونه للزعيم بأنهم ظنوا أن الدعوة قد تكون اختراقا من جماعة في تل أبيب للتهريج على قرار الاعتكاف وإثبات أنه لعبة سياسية.. وحتى لو قيل إن الدعوة كانت موجهة لحضور حفل عيد الميلاد؛ فإمكان المتغيبين الاعتذار بالسبب نفسهلأنهم يعرفون أن ذكرى ميلاد الزعيم لم يحن ميعادها بعد!
فيها قولان وأقاويل!
لاشك أن القراء ما يزالون يتذكرون ما كتبناه هنا مطلع العام عن الاختلافات المسيحية حول تحديد يوم ميلاد نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام، ومن ثم اختلاف مواعيد احتفالاتهم.. ويبدو أن الأمر ينسحب أيضا على تحديد يوم وشهر ميلاد الرئيس السابق.. ففي هذا العام عرفناه أنه من مواليد (21/3/1942) مع أن الثابت رسميا ومسجل في وثائق منشورة أن الزعيم من مواليد (15/7/1942)، ويمكن التأكد من ذلك بمراجعة الكتاب التوثيقي عن الانتخابات الرئاسية (1999) للمؤرخ الراحل/ محمد حسين الفرح الذي أصدرته وكالة أنباء سبأ،وأورد صورة لاستمارة ترشح صالح وفيها حدد تاريخ ميلادهباليوم والشهر مخالفا للتاريخ الجديد.. الامر الذي قد يهددبتحويل ذكرى ميلاد الزعيم إلى مسألة خلافية فيها قولان ومن ثم يتم الاحتفال بالذكرى في الموعدين على أساس أن اختلاف الأمة رحمة ومكاسب.. وإذا فتح باب الاجتهاد المؤتمري في هذه المسألة فربما تتشعب الخلافات ويصير القولان اثني عشر قولا، ويصير الاحتفال بالذكرى مرة كل شهر.. ومن حق عمك ما همك! تفسير هذا الاختلاف ربما كان له أسباب سياسية أراد منها (صالح) إيجاد حجة لكسر الاعتكاف والعودة إلى أضواء الإعلام والناس؛ تماما كما تفعل مرجعيات الشيعة الاثنى عشرية التي اخترعت مناسبات دينية متوالية لجمع الأتباع حولها؛ فهم يحتفلون –مثلا- بميلاد الأئمة وغيرهم، ثم يحتفلون بذكرى وفاتهم، ثم يحتفلون بذكرى الأربعين.. وفي كل مناسبة منها تحدث تجمعات وأفراح وضرب وأكل وشرب.. وهيصة وبكاء.. والمثير للتأمل أن مرجعياتهم البارزة ترفع بهذه المناسبات برقيات تهنئة بالميلاد أو تعزية بالوفاة أو بالأربعين للإمام الغائب: تعزيه أو تهنئه! [صالح لم ينتبه بعد إلى أنه من الصعب تصديق أن يمنيا ولد في منطقة نائية في ذروة تخلف عهد الإمام يحيى ثم يزعم أنه يعرف بالتحديد تاريخ ميلاده بالسنة والشهر واليوم! فإذا قارنا التاريخين المعلنين رسميا (15/7، 21/3) فقد صار مؤكدا أن تحديد التاريخ بهذه الدقة حكاية مسلية تشبه وعود مكافحة الفساد،ومحطة الكهرباء النووية، ومشروع السكة الحديدية، والقضاء على الفقر في سنتين!
في الأثر أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- كان يصوم الأثنين من كل أسبوع لأنه يوم ولد فيه ويموت فيه.. وهناك فتوى قرأتها للقاضي العلامة/ محمد إسماعيل العمراني قال إنه لا يرى حرجا من الاحتفال بذكرى ميلاد الشخص إذا كان من باب شكر المولى تعالى.. أما المفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري –رحمه الله- فقد كان يرفض أن يحتفل بيوم ميلاده(باعتبار أني غير مسؤول عنه).. وفي حالات إنسانية لا تحصى كان كثيرون يرون في ذكرى ميلادهم سببا للتذكير بآلامهم وإخفاقاتهم، ومنم الشاعر المصري الرقيق/ كامل الشناوي ( صاحب قصيدة: لا تكذبي) الذي أبعد قصيدة جميلة غارقة في الحزن والأسى في ذكرى مولده بدأها: عدت يا يوم مولدي عدت يا أيها الشقي وختمها: ليت يا يوم مولدي كنت يوما بلا غد! ترى كم من البشر كانوا وبالا على أنفسهم وأهاليهم وشعوبهم يستحقون أ ن يقال في ذكرى ميلادهم: ليته كان يوما بلا غد.. أو لزيادة الاحتياط: ليته كان يوما مدته خمس دقائق فقط!
عجائب الانتخابات اليمنية!
ما يزال الأخوة في المؤتمر بقيادة يصرون على أن الانتخابات التي كانت تجري في ظل الزعيم نزيهة وحرة، وأصابت العالم بالدهشة وقتلته من الإعجاب! ما علينا.. ذاك زمن انتهى، ومن حقهم أن يسلوا أنفسهم بالأساطير.. لكننا نذكر فقط ببعض عجائب الانتخابات اليمنية؛ ففيها فقط يتقدم أمناء عموم أحزاب للترشح بصفة مستقلين.. مل واحد منهم ترشح في الانتخابات النيابية، وحصل على 12 صوتا فقط.. والأظرف منه شخص آخر تقدم لترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية 1999، وبعد إعلان اسمه في وسائل الإعلام أصدرت مجموعة تجارية بيانا تقول فيه بأنها تبحث عن الرجل منذ فترة لأنه مدين لها بمبلغ نصف مليون ريال.. وجنى المرشح على نفسه فلا هو الذي حصل على تزكية مجلس النواب والخمسين مليون ريال، ولا هو سلم مطاردة الديانة! من ظرائف الانتخابات الرئاسية أن الرئيس السابق كان آخر شخص تقدم لترشيح نفسه في مجلس النواب عام 1999.. أما في انتخابات 2006 فقد كان أول من هرع إلى المجلس لتقديم اسمه في الصباح الباكر، وقبل أن تفتح بوفيات التحرير؛ رغم أنه كان رافضا الترشح نهائيا! ومن العجائب أيضا؛ أن نتائج فرز –أو تزوير- صناديق عديدة في حضرموت في انتخابات 2006 أظهرت أن مرشح المعارضة المهندس/ فيصل بن شملان –رحمه الله- على صوت واحد أي حتى أصوات مندوبيه في اللجان.. وفي المقابل كان صالح يحصل ايس فقط على 99% بل على 100% و120%!
موجة جديد من الإرهاب! لا تستغربوا إن شهدت اليمن في القريب العاجل موجة عارمة من الإرهاب على الطريقة اللبنانية.. فالذي يثير المخاوف من ذلك أن الزعيم –رغم اعتكافه- إلا أنه وجد وقتا للقاء الرئيس السابق لحزب الكتائب اللبناني/ كريم بقرادوني ، وناقش معه مسألة تشكيل جبهة عربية تنسق أداءها لمواجهة قوى التطرف والإرهاب! ما شاء الله وهذه الطيور التي تقع على أشكالها.. فكريم بقرادوني هذا من رموز حزب الكتائب اللبناني المسيحي الصليبي وقادته التاريخيين، وبقرادوني نفسه لاحقته في الثمانينيات تهمة المشاركة في مذابح صبرا وشاتيلا ضد الفلسطينيين التي نفذتها الميليشيات المسيحية المتطرفة(وإن كان هو ينفي ذلك).. ولعلم مروجي أن الربيع العربي صناعة صهيونية فحزب الكتائب اللبناني هو أحد الأحزاب الي تحالفت مع إسرائيل في الحرب الأهلية اللبنانية، وكان رأس حربة ضد القوى الوطنية واليسارية والفلسطينية حتى تم إخراج منظمة التحرير من لبنان بعد تدميره! من السهولة بمكان استنتاج نوعية الحلف الجديد بين صالح وحزب الكتائب المسيحي، ونوعية المستهدفين به.. فبالنظر إلى التاريخ السلمي ناصع البياض للمتحالفين فالحلف سيكون أخف إنجازاته: مذبحة جمعة الكرامة في صنعاء ومذابح صبرا وشاتيلا في بيروت.. أما المستهدفين فلن يكونوا الصهاينة باعتبار الحلف التاريخي بينهم وبين الكتائب.. ولأنهم قالوا: صديق صديقي صديقي.. فكل أصدقاء حزب الكتائب المسيحي سيكونون أصدقاء حزب المؤتمر!
للتأمل.. [ الفاضي يعمل قاضي!] اعتذار: [حدث خطأ غير مقصود في الأسبوع الماضي في الآية القرآنية عن نهاية فرعون مصر، وصحتها هي: [كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين].