أمام اليمنيين فرصة تاريخية للخروج من مشكلاتهم، والتوجه لبناء مستقبل يسود فيه العدل والمساواة والأمن والاستقرار، تُصَب فيه الجهود والطاقات للتنمية والإزدهار، ولن يحدث هذا إلا بتعاون وتكاتف كل أبناء الوطن أفراداً وفئات وجماعات وأحزاباً، شعباً وسلطة، بحيث يغلّب الجميع العقل على العاطفة، والحكمة على الطيش، والمصلحة العامة على المصالح الخاصة، والتسامح والتغافر على حب الثأر والانتقام. ونحن نتابع مجريات الحوار الوطني، نشعر أحياناً بالاطمئنان بأن اليمنيين قد جنحوا جميعاً للسلم، وأنهم يسيرون نحو بناء دولة العدل والنظام والقانون، لكننا أحياناً أخرى نكاد نفقد الأمل نتيجة الآراء المتشنجة، والأنانية المفرطة وحب الذات، وعدم الاعتراف بالآخر، ونسيان الوضع المأساوي الذي كنا فيه، والواقع المُرّ الذي نعيشه، والمستقبل الذي يمكن أن نصل إليه في حال التمترس والبقاء في مربع الاستكبار ومحاولة فرض الرأي الأحادي، والإصرار على تحقيق المصالح الخاصة، وعدم لين الجانب أو وضع اعتبار للآخر ولوشائج القربى والتاريخ المشترك!! يخطئ من يظن أنه يمكن أن يعيش وحده، أو يستطيع أن يلغي غيره، أو يفرض بالقوة رأيه، فالحياة لا تقوم وتستقر إلا بالأخذ والعطاء والاعتراف بالمصالح المشتركة بين الناس جميعاً، وبدلاً من صرف الجهود والإمكانات في الصراعات التي تستنزف الطاقات المادية والبشرية، يحسن أن توجّه نحو البناء والتكامل والتعاون ليسعد الجميع ويعيشوا في خير وسعادة ووئام. مجريات الأحداث تشير بوضوح بأن هناك من لا يريد لليمن أن تستقر ولا يحب أن يخرج الشعب اليمني من الوضع المأساوي الذي يعيشه، وتدفع الأنانية البعض للإعتقاد بأنه يجب أن يسيطر ويتسيّد الموقف وإلا فإنه سوف يشيع الفوضى والاضطراب ويؤجج الفتن وينشر الخوف والخراب، وربما يحلم البعض أن عقارب الساعة ستعود للوراء فنراه يحنّ للماضي القريب أو البعيد ويتباكىٰ عليه، ويستميت لاستعادته من جديد، وكأن اليمنيين كانوا في الفردوس المفقود، ولم يعانوا من الظلم والحرمان والفساد والطغيان، ولم يتشردوا في الأرض بحثاً عن الحرية أولقمة العيش الحلال !! عاش اليمنيون التخلف المريع قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر، ولم تتحقق طموحاتهم في ظل التشطير، فقد كان لكلٍ مآسيه ومعاناته، ولم يتمكن النظام الذي حقق الوحدة أن يخرج من أسر الماضي وانصرف لتحقيق مصالحه الخاصة، وخرج اليمنيون في ثورة عارمة عام 2011م أملاْ أن تضع حداً لمعاناتهم، ورغم أن الجميع غير راضٍ عن الأوضاع اليوم، فإن الفرصة مهيأة لوضع الأسس الصحيحة المتينة لبناء يمن جديد يتعايش فيه اليمنيون ويحدث بينهم التكامل والتعاون، ويتم فيه التداول السلمي للسلطة عن طريق صندوق الاقتراع وليس في أتون الخلاف والصراع، أوتحت أزيز طلقات الرصاص. قد يظن البعض أنه قادر على قهر غيره لأنه يمتلك من الأموال والأسلحة وربما من الدعم الخارجي ما يمكنه التغلب على الآخرين؛ وهذا تفكير قاصر، فالمسألة نسبية، والقوي اليوم سيضعف غداً والعكس، وسنة التدافع لا تسمح لطرف أن يتغلب على الآخر، لكن هذه القوىٰ يمكنها أن تتفق على القضايا المشتركة، يقبل كل منهم بالآخر ولا داعي لضياع عقود جديدة في صراعات وحروب لن ينتصر فيها أحد، وستنتهي بالجلوس على مائدة الحوار والتفاهم، الذي يجب أن يتم اليوم والقلوب مجبورة، وقبل خراب الديار وهلاك الحرث والنسل... "رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدا " [email protected]