يمعن زعيم جماعة التمرد الحوثية في إطلاق التهديد والوعيد صوب الاصلاح والحكومة والرئيس هادي وكل المخالفين له فكرا ومنهجا، إذ يرى نفسه الحاكم بأمر الله القادر على فعل أي شيء من بيده تغيير كل شيء بإشارة من يده، وهي حالة مرضية مستعصية لصيقة بجنون العظمة وغرور القوة وأوهام التغلب الخادعة التي تلبست بالكثيرين قبله وتلبّسته هو أيضا فأصابته بلوثة في عقله فغدا لا يرى إلاّ ظله ولا يسمع إلاّ صوته. لم يكن مستغربا تحريض الحوثي ضد الاصلاح والتشنيع عليه والتهديد باللجوء إلى ما أسماها بالخيارات المفتوحة في مواجهة الدولة التي يسعى بشتى الوسائل لتقويضها والاستحواذ عليها باعتبارها تركة آبائه وأجداده التي يحاول استعادتها من أيدي مغتصبيها كما يزعم، فالرجل وعصابته نشأوا منذ البداية على هذا الفكر الاستئصالي الذي لا يعترف بالآخر ولا يؤمن بغير العنف والبطش سبيلا لبلوغ أهدافه.
ان استمرار خطاب التحريض والكراهية والتعبئة ضد الاصلاح من قبل الحوثي وجماعته يُحمّلهم المسئولية كاملة عما يمكن أن ينال الإصلاح وقياداته وأعضائه ومؤسساته من أذى جراء ذلك التحريض والتحشيد المستمران، الموغلان في استنبات الكراهية والحقد ضد حزب وطني كبير كالإصلاح جرد نفسه للدفاع عن مصالح الشعب والوطن، متحملا في سبيل ذلك- وما يزال- الكثير من الأذى والضيم.
لا ينتمي الحوثي وجماعته المتمردة لأي ما له صلة بالدولة المدنية الحديثة وبما تحمله من قيم التعايش والشراكة والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، بدليل الإرهاب الممنهج الذي يمارسه حيثما حل وارتحل، واصراره على نقض التوافق الوطني والانقلاب على العملية السياسية والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار، وترديده تلك الخطابات الهوجاء المفعمة بالغطرسة والتحدي، متعمدا القفز على واقع يحكي توافق سياسي ورئيس منتخب ومبادرة خليجية مسنودة دوليا واقليميا.
يأبى الحوثي- للأسف- العمل ضمن المنظومة السياسية السلمية، مكرسا لغة القوة وأدوات العنف التي تقف على النقيض من مشروع بناء الدولة وتهدم القانون والعملية الديمقراطية التشاركية، وتؤسس لمزيد من الاضطرابات والفوضى حيث تنتعش المشاريع الصغيرة المناوئة للمشروع الوطني، وبالتالي فإن الحوثية لم ولن تكون ندا للإصلاح الذي سطع منذ الوهلة الأولى كحزب سياسي مدني خاض ست عمليات انتخابية دون أن يتعرض لأي مواطن يمني بالأذى أو يحاول نقض الدولة وتفكيكها طوال تاريخه، فيما ظل الحوثيون طيلة عقد كامل من الزمن ينهشون في بلدهم ويستلبون منه سيادته، ويمعنون في قتل اليمنيين وهدم بيوتهم وتشريدهم وجعلهم لاجئين في بلدهم.
حين كانت المنافسة الانتخابية على أشدها بين الأحزاب السياسية كان الحوثيون يحفرون الخنادق في جبال صعده ويتدربون على القتل والإرهاب واسقاط المدن بالقوة، وحين انخرطوا في ثورة الشعب ذهبوا يستكملون سيطرتهم على صعده، وعندما كانوا على مائدة الحوار الوطني كانت ميليشياتهم الإجرامية تفرض حصارها على دمّاج وتقتل أهلها وتنكل بهم، ولما فرغوا من الحوار لم يقبلوا بنتائجه بل تمددوا صوب عمران وأرحب وهمدان وشردوا أهلها ونهبوا معسكراتها، ولما تنادى اليمنيون إلى الاصطفاف الوطني هرع الحوثيون إلى الشوارع محاولين التغرير باليمنيين وسوقهم ورائهم وتسخيرهم لتمرير مخططاتهم المشبوهة التي سرعان ما فضحها حلفاؤهم فانفضوا من حولهم وتبرأوا منهم.
على أن الفرصة ما تزال مواتية أمام جماعة التمرد الحوثية للانخراط في المشروع الوطني وبناء الدولة من خلال نبذ العنف والعمل في اطر سياسية حزبية، والالتزام بتنفيذ مخرجات الحوار والوقوف في بوتقة الاصطفاف الوطني الواسع للخروج بالبلاد من محنتها وتفويت الفرصة على المتربصين بها وتجنيبها مخاطر تلاشي الدولة وتفتيتها.