يمثّل ال30 من نوفمبر 67م تتويجا لمسيرة النضال الوطني للشعب اليمني الذي تكللت جهوده وتضحياته على امتداد الساحة اليمنية بالتحرر من الاستعمار وكهنوت الطغاة والمستبدين، فقد كانت معاناة اليمنيين واحدة وكذا أهدافهم ومشروعهم الوطني الذي ناضلوا لأجله، فلم يستطع الاستعمار ولا الإمامة التفريق بينهم أو كسر إرادتهم الوطنية والثورية. كانت الثورة في الشمال والجنوب إعلانا مدويا لرفض كل أشكال الوصاية على الشعب سواء الأجنبية منها أو المحلية التي حاولت التستر بالدين والتمسح به لإضفاء الشرعية على حكمها الإقصائي المستبد، ولأن قضيتهم واحدة ومشروعهم واحد استطاع اليمنيون التغلب على كل الصعاب التي واجهوها بما في ذلك الحدود المصطنعة وصولا إلى تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل بالوحدة اليمنية التي مثّلت بحق القضية الوطنية الكبرى وجوهر المشروع الوطني الذي تبنته كل القوى والتيارات السياسية اليمنية بلا استثناء. نجحت ثورتا سبتمبر وأكتوبر في دحر الإمامة وطرد المستعمر إلاُ أن الحكم الشمولي المستبد حل محلهما، ومع قدوم الوحدة تطلع اليمنيون لبدء مسيرة التغيير والبناء والشراكة، لكن سرعان ما تبددت آمالهم بعودة التسلط والإقصاء وسيادة فئة من الناس استأثرت بالسلطة والثروة ونهبت خيرات الوطن وكرّست الإقصاء ونكصت عن الشراكة واتجهت بخطوات حثيثة نحو التوريث وفرص الوصاية مجددا على الشعب وهو ما أشعل ثورة الغضب الشعبي في 11 فبراير 2011 في محاولة لتقويم الاعوجاج واستعادة مسيرة وأهداف ثورتي سبتمبر واكتوبر المجيدتين. علينا الاعتراف بحقيقة أن النظام الاقصائي المستبد الذي احتكر السلطة والثروة طيلة 33 عاما كان أكثر إساءة وتشويها للوحدة رغم شراكته فيها، فقد استخدمها كقميص عثمان لإرهاب وابتزاز مناوئيه وإسكات معارضيه وبخاصة أولئك المطالبين بالشراكة في السلطة والثروة وإعادة الاعتبار للجنوب وأبناء الجنوب الذين تم إخراجهم من المعادلة السياسية عقب حرب صيف 94م، الأمر الذي يحتم إعادة صوغ الوحدة اليمنية وفق معايير جديدة وحل القضية الجنوبية حلا عادلا يحفظ للشعب حقوقه وينصف إخواننا في المحافظات الجنوبية ويعيد دورهم السياسي وحقوقهم المصادرة وأراضيهم المنهوبة. على أن القضية الجنوبية بمدلولها السياسي هي أوسع من أن توضع في سياق مطلبي حقوقي فقط، إنها أكبر من ذلك بكثير، والتعامي عنها وعن فهم جذورها وأبعادها ومحاولة وضعها خارج إطارها الصحيح لن يحلها بقدر ما سيفاقم الأزمة السياسية ويؤدي إلى تنامي الاضطرابات وعدم استقرار اليمن. وقد وضع مؤتمر الحوار الوطني رؤى ومعالجات معقولة للقضية الجنوبية توافقت عليها القوى السياسية ويمكن تطويرها، تلك الرؤى حرصت على بقاء الجنوب متماسكا وعدم انزلاقه صوب خيارات كارثية يسعي البعض لفرضها بالقوة، خيارات من شأنها أن تهدد كيانه السياسي وتدفع به صوب المجهول، وهي لن تخدم بالتأكيد تطلعات إخواننا أبناء المحافظات الجنوبية بقدر ما ستخدم بعض القوى المتربصة بأمن واستقرار اليمن والتي ما فتئت تتربص بهذا البلد وتسعى بشتى السبل لتفتيته وتمزيقه واحتوائه بما يخدم مصالحها ويحقق أهدافها وفق أجندتها المشبوهة.