الحزب الحاكم حسم موقفه من الانتخابات، وبخاصة بعد تأكيد الرئيس في كلمته ليوم الأحد الماضي- في صحيفة الثورة- على ضرورة أن تتواصل التحضيرات الخاصة بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد وإجرائها في مناخات حرة ونزيهة وشفافة كاستحقاق دستوري ديمقراطي غير قابل للتسويف أو التعطيل على حد تعبيره. على أن ثبات مواقف المؤتمر فيها نظر، فقد عودنا دائماً على تغيير مواقفه في اللحظات الأخيرة الحرجة تماشيا مع الرياح القادمة من الشرق أو الغرب، والأمر برمته ما يزال محل جدل رغم الموقف المؤتمري الأخير، ويبقى في الوقت متسع لتحدد الأطراف المعنية الأخرى مواقفها، إذ لا يمكن التعويل كثيراً على ما يقوله المؤتمر اليوم، بالنظر إلى كونه ليس صانع قرار(برغم كونه حزباً حاكماً)هذه واحدة، أما الثانية، فلم يعد هذا الحزب ولا حكومته صاحب الكلمة الأولى في كثير من القضايا الوطنية بدءً بالملف الأمني وليس انتهاء- بالطبع- بالأزمة السياسية. وفي المحصلة، فالحكومة اليمنية ما تزال تراهن على الموقف الخارجي، الأمريكي تحديداً، بركوب موجة الإرهاب وتوجيهه لمقارعة المعارضة والضغط عليها لتمرير مشاريعها السياسية بعيداً عن الإجماع الوطني، متجاهلة أن ثمة تغيرات طرأت في الآونة الأخيرة على مواقف شركائها الدوليين تجاه أزمات اليمن والسبل الكفيلة بحلها، إذ بات هؤلاء أكثر قناعة من أي وقت مضى بأهمية إشراك المعارضة والقوى الوطنية في حل تلك الأزمات التي ُتعد بالأساس مُنتجاً حصرياً بالسلطة. وإذا كانت السلطة قبلت مُرغمة بتدويل الملف الأمني لتغدوا مجرد لاعب مبتدئ إلى جوار لاعبين الدوليين أكثر تمرساً، فقد نجح أيضاً أولئك الشركاء الدوليون في تدويل بقية ملفات الأزمة اليمنية ومن بينها ملفي الأزمة السياسية والاقتصادية، وكان بيان مجموعة أصدقاء اليمن في نيويورك واضحاً بما فيه الكفاية في هذا الأمر، حيث أعلن دعمه الكامل للحوار الوطني باعتباره غدا أفضل أساس لتنمية الأمن والاستقرار الدائمين، كما أعتبر أصدقاء اليمن الحوار الوطني أكثر المنابر فعالية لضمان إجراء انتخابات حرة وعادلة ومتعددة الأحزاب، ما يعني تضييق الخيارات على السلطة واستبعاد فكرة إجراء الانتخابات من طرف واحد لما لها من عواقب وخيمة ليس على الاستقرار السياسي وحسب، بل وعلى المشروعية السياسية ذاتها. وهي المشروعية التي لم يعد ثمة مجال للتعاطي معها خارج المنظومة الديمقراطية التي تعد المعارضة أحد ثوابتها وركائزها الأساسية، وإن عمد الحاكم لتجاهل ذلك كله وتولية وجهه صوب الخارج لتعزيز مشروعيته من خلال توثيق علاقاته بواشنطن وحلفائها، لما توفره له تلك العلاقات من مشروعية دولية وقبول لدى الهيئات والمنظمات الدولية. وعموماً فالموقف الدولي تجاه الأزمة اليمنية بكل تفرعاتها يتلخص في نقطتين أساسيتين الأولى؛ مساعدة اليمن في التغلب على أزماته المختلفة، والحيلولة دون حدوث انهيار متوقع للدولة بما يستتبعه من مخاطر مُريعة ليس على اليمن والإقليم فحسب بل والعالم أيضاُ كما تُروج له المصادر الغربية ذاتها. الثانية: العمل على تشجيع المصالحة الوطنية، وتعزيز الحوار الوطني مع كافة الأطراف المعنية، والدفع باتجاه انتخابات متعددة الأحزاب، باعتبار أن الانتخابات تظل أفضل الحلول الممكنة التي بمقدورها أن تُسهم في إخراج البلد من أزماته وإيجاد حالة من الوفاق السياسي بين الفرقاء. وسنسوق هنا بعضاً من التصريحات الغربية التي توضح ما ذكرناه، وتبين المسار الذي يتجه فيه الموقف الغربي إزاء الوضع اليمني المتأزم.
إستراتجية الفاعلين الدوليين. إن اليمن لن يواجه أي تهديد خارجي، وإن خطر التحديات التي تواجه استقراره تنبع من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الداخلية واستنزاف الموارد. هذه خلاصة رؤية السفير الأمريكي السابق في اليمن (ستيفن سيش)، الذي حذر من أنه إذا أخفقت الحكومة اليمنية في إحداث إصلاحات حقيقية ومعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الملحة ومنع توفير الملاذ الآمن للمنظمات الإرهابية فإنه لا يمكن استبعاد احتمال أن تنزلق اليمن باتجاه الصراعات الداخلية والاضطرابات السياسية والاجتماعية لفترة طويل وممتدة. وقبل ذلك، كانت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي قد أكدت على أن التعامل مع التهديدات الإرهابية في اليمن لا يمكن أن يكون من منظور أمني فقط ولكن من خلال إستراتيجية متعددة الأبعاد، ترتكز على عدد من المحاور أولها وأهمها التوصل إلى صيغة مناسبة للمشاركة في السلطة يمكن أن تأخذ أشكالاً مختلفة مثل إجراء انتخابات برلمانية وفقاً لشروط تقبلها المعارضة، وبحسب جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية فإن الإستراتيجية الأمريكية في اليمن تسعى إلى معالجة الأسباب الرئيسية للفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار، وتشجيع المصالحة السياسية، في حين تفترض الإستراتيجية البريطانية أن التهديد الإرهابي القادم من اليمن سوف يزداد ما لم يقم المجتمع الدولي بتشجيع الرئيس صالح على معالجة التحديات الأساسية التي تواجه الدولة مثل الاقتصاد والشرعية السياسية. ويعتقد شركاء اليمن الدوليون أن الإصلاحات السياسية المحدودة لحكومة صالح لم تعالج الأزمات السياسية التي تواجهها الدولة خلال السنوات الأخيرة، كما أن البرلمان وأحزاب المشترك لم يتم إشراكهم بصورة فعلية في معالجة الاضطرابات المتزايدة. لذا وفي سياق تعزيز دور المعارضة في العملية السياسية وإشراكها في القرار السياسي، أكد السفير الأمريكي الجديد في اليمن (جيرالد فايرستاين) أن حكومة بلاده تدعم الحوار الوطني 100 %، مضيفاً، أن الحوار يمثل الحل الأوحد لكل مشاكل اليمن، وأن الرسالة التي وجهتها أمريكا عبر(وليام بيرنز) وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للمعارضة اليمنية ولرئيس الجمهورية تفيد بأن الولاياتالمتحدة ومجموعة أصدقاء اليمن تدعم الحوار الوطني بقوة وتشجع الجانبين على الالتزام بالحوار حتى يصل الجميع إلى نتيجة واضحة. ولأجل الدفع بهذا الاتجاه تكررت زيارات المسئولين الأمريكيين لقيادة المشترك ولجنته التحضيرية للحوار، وهو ما يحمل دلائل تحول في الموقف الخارجي إزاء الأزمة اليمنية التي تحاول حكومة صنعاء تركيبها وفقاً لأهدافها، مستفيدة في ذلك من دعم شركائها في ما يسمى بالحرب على الإرهاب.
الانتخابات اختبار المصداقية التصريحات والمواقف الغربية المذكورة آنفا تستبعد قبول المانحين ومجموعة أصدقاء اليمن خطوة الحزب الحاكم في السير منفرداً على طريق الانتخابات البرلمانية، فأمر كهذا – في حال وقوعه- سيزيد الوضع الداخلي إحتقاناً، وسيضاعف من أزمات البلد ويعرضه لمخاطر تفاقم الصراع السياسي، ويفتح جبهات جديدة للسلطة هي في غنى عنها، وبالتالي، ونظراً لخطورة ما أقدم عليه الحزب الحاكم، فالمتوقع أن يبادر الشركاء الدوليون لرفض تلك الخطوة، ومن ثم بذل الجهود لتقريب وجهات النظر بين طرفي المعادلة السياسية وفقاً لما تم بينهما من اتفاقات. بيد أن الاحتمال الآخر- وهو مطروح وغير مستبعد- أن يكون شركاء النظام قد وصلوا إلى قناعة بضرورة أن يُعطوا الملف الأمني أولوية قصوى على ما عداه، وبخاصة بعد حادثة الطردين الملغومين التي ما يزال يكتنفها الكثير من الغموض! وقد ترددت أنباء غير مؤكدة عن خطط غربية (أمريكية بريطانية) لإرسال قوات خاصة لملاحقة تنظيم القاعدة على الأراضي اليمنية، في ذات الوقت الذي تزايدت فيه الشكوك حول احتمال إبرام صفقات سرية مع الحكومة لتسليم أطرافاً دولية بعض الجزر اليمنية المهمة لتكون قواعد عسكرية لقواتها. وأياً يكن الأمر، فالمصداقية الدولية تجاه مطالب الشعب وقوى المعارضة اليمنية في الإصلاحات التي صارت أيضاً مطالب دولية عززها وأيدها مؤتمر نيويورك الأخير هي على محك الانتخابات النيابية المقبلة، فإذا مرت تلك الانتخابات بالطريقة التي يريدها المؤتمر وتغاضت عنها مجموعة أصدقاء اليمن فسيكون ذلك بمثابة دليل ناصع على أن الشركاء الدوليين قرروا الوقوف إلى جانب السلطة، وتخلوا عن الإصلاحات التي طالما طالبوا الحكومة بها، أما في حال تراجع المؤتمر عن خطوته المثيرة للجدل وعاد إلى طاولة الحوار مع المشترك لاستئناف مناقشة القضايا الوطنية بما فيها قضية الانتخابات، عندها يمكن القول أن شركاء اليمن قرروا السير في قضية الإصلاحات وأخذوا بها وفق منظور استراتيجي شامل لمعالجة الأزمة اليمنية المستعصية.