مجلس النواب يناقش مستجدات وطنية وإقليمية ويؤكد رفض التدخلات الخارجية    لماذا دخلت القوات الجنوبية الحكومية حضرموت؟ شرعية الأمن في مواجهة العبث    العميد النوبي : قواتنا الحكومية الجنوبية على اتم الاستعداد لكافة الاحتمالات ولن ننسحب من حضرموت    اجتماع بصنعاء يناقش إدماج المعايير البيئية في قانون البترول    تأييد واسع لمضامين بيان السيد القائد رداً على قرار الاعتراف الصهيوني بما يسمى صوماليلاند    الحرس الثوري: استشهاد قادة المقاومة يجسد الصمود ويفضح الدعاية الصهيونية    حضرموت.. مناورة عسكرية لقوات الانتقالي وطيران حربي يلقي قنابل تحذيرية    همم القارات و همم الحارات !    البنك المركزي بصنعاء يوجّه بإعادة التعامل مع شركتي صرافة    القوات الإماراتية تبدأ الانسحاب من مواقع في شبوة وحضرموت    الأرصاد: طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم المرتفعات    أمن الصين الغذائي في 2025: إنتاج قياسي ومشتريات ب 415 مليون طن    لامين جمال يتصدر أغلى لاعبي 2025 بقيمة سوقية 200 مليون يورو    هيئة علماء اليمن تدعو للالتفاف حول الشرعية والوقوف إلى جانب الدولة وقيادتها السياسية    محافظ البيضاء يتفقد سير العمل بمشروع تركيب منظومة الطاقة الشمسية بمؤسسة المياه    القواعد الإماراتية في اليمن    مواجهة المنتخبات العربية في دور ال16 لكأس إفريقيا 2025    عقول الحمير والتحليلات الإعلامية: سياسي عماني يفضح المزاعم حول المؤامرة الإسرائيلية في الجنوب    الترب:أحداث حضرموت كشفت زيف ما يسمى بالشرعية    السعودية والإمارات سيناريوهات الانفجار الكبير    وفاة المهندس هزام الرضامي أثناء قيامه بإصلاح دبابة جنوبية بالخشعة بوادي حضرموت    مباريات ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية    الحلف يدعم خطوات المجلس الانتقالي ويؤكد على شراكة حقيقية لحفظ الأمن الإقليمي    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بإعادة وإيقاف التعامل مع شركات صرافة    الافراج عن دفعة ثانية من السجناء بالحديدة    اتحاد حضرموت يتأهل رسميًا إلى دوري الدرجة الأولى وفتح ذمار يخسر أمام خنفر أبين    ضبط متهمين بقتل شخص وإصابة اثنين قرب قاعة الوشاح    وزارة الاقتصاد والصناعة تحيي ذكرى جمعة رجب بفعالية خطابية وثقافية    خلال 8 أشهر.. تسجيل أكثر من 7300 حالة إصابة بالكوليرا في القاعدة جنوب إب    الأرصاد يحذر من تشكّل الصقيع ويدعو المزارعين لحماية محاصيلهم    المعادن النفيسة تسترد عافيتها: الذهب يصعد 1% والفضة تقفز 3%    نائب وزير الثقافة يزور الفنان محمد مقبل والمنشد محمد الحلبي    الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    الصحفي والأكاديمي القدير الدكتور عبد الملك الدناني    سفر الروح    بيان صادر عن الشبكة المدنية حول التقارير والادعاءات المتعلقة بالأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة    فريق السد مأرب يفلت من شبح الهبوط وأهلي تعز يزاحم على صدارة تجمع أبين    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل والخدمة المدنية والتأمينات    لملس يناقش أوضاع المياه والصرف الصحي ويطّلع على سير العمل في المشروع الاستراتيجي لخزان الضخ    النفط يرتفع في التعاملات المبكرة وبرنت يسجل 61.21 دولار للبرميل    لوحات طلابية تجسد فلسطين واليمن في المعرض التشكيلي الرابع    الصين تدعو إلى التمسك بسيادة اليمن ووحدة وسلامة أراضيه    إدارة أمن عدن تكشف حقيقة قضية الفتاة أبرار رضوان وتفند شائعات الاختطاف    قراءة تحليلية لنص "من بوحي لهيفاء" ل"أحمد سيف حاشد"    بسبب جنى الأرباح.. هبوط جماعي لأسعار المعادن    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    فلسطين الوطن البشارة    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقفون الكبار
نشر في الصحوة نت يوم 12 - 03 - 2011

على مدى بضعة أعداد سلفت؛ ناقشت صفحة الأدب في «الصحوة» دور المثقفين في تشكيل المشهد الجماهيري العربي الراهن، وقد اتفقت كل التناولات المطروحة على فاعلية الروح الجماهيرية في إحياء كثير من القيم الجميلة، ومنها قيمة الثقافة كمنزع إنساني ملازم للفعل الإيجابي - أيا كان- تنظيرا وتوصيفا وتوجيها.
ولعل ما يُلفت النظر في هذا الحراك العربي الواسع أن إبداعا دافقا في مختلف وسائط التعبير يضبط الشارع العربي بإيقاعات متناغمة، قد تختلف في الأسلوب نتيجة للخصوصية المكانية؛ لكنّها تشكل في مجملها لوحة متفردة من النشاط الجماهيري الذي يربط جزئيات الحدث عموديا وأفقيا، كمّاً ونوعا، عبر نشاط ثقافي يحقق مدلول الجماعية لأول مرة في تاريخ الثقافة العربية، بعد أن فشلت كل المؤسسات والمنابر الثقافية أن تقدم نموذجا مشابها رغم إمكانياتها الهائلة وعبر عقود متطاولة من الفعل الميت الذي لا يتجاوز المناسباتية الرسمية.
ولعل من أهم ملامح هذا الزخم الجماهيري أنه يقدم نفسه بعفوية كبيرة، وبتلقائية أكبر وببساطة لا توصف بعيدا التنميق والتزويق والديكورية إيمانا من هؤلاء بأن قيمة ما يصدر عنهم تكمن في الموضوع لا في الشكل، وتلك ضرورة فرضتها اللحظة، واقتضاها الموقف الذي جعل كل واحد من هؤلاء بطلا حقيقيا للحدث، في مشهد موحّد، وفي الفرصة ذاتها، ولأداء الدور نفسه، وكم كان هؤلاء في منتهى الروعة، وهم يرفعون شعاراتهم في لوحات متواضعة كتبت بخطوط باهتة مرتعشة، وبرسومات عفوية، وبحركات طريفة تختزل مبادئ ثورتهم، وتستدعي إلى ساحة الحدث النكتة السياسية بأساليب لم نعهدها من قبل، فهذا معتصم في ميدان التحرير (تحرير مصر طبعا) يوجه خطابه إلى الرئيس المخلوع باللهجة المصرية (أنا لسه مجوز من عشرين يوم، إمش عشان أروح)، وآخر يكتب على ظهر قميصه (إمش.. عشان أغيّر)، وثالث يكتب كلمة (إرحل) بالمقلوب، احتمالا منه أن المخاطَب يفهم بالمقلوب، ورابع يستدعي كل مفردات اللهجات الدالة على الفعل (ارحل)، مثل: إخطا.. انقلع.. ولّي.. ولعلَّ أطرف ما في هذا الموضوع لوحة رفعها المتظاهرون الليبيون كُتب عليها (42 رقم حذاء، وليست فترة حكم).
ومن ملامح ثورة الشباب أنها أحرقت أسفار الهزيمة، ونفخت الروح في أطرافنا الميتة، وأثبتت أن (النكسة) التي أجهزت على الروح العربية عام 1967م ليست قدرا حتميا لا يمكن مغادرته، ولكنه ظل عارض ينقضي بإرادة الحياة.
كما أن هذه الثورة أعادتنا إلى ذواتنا، بل وولدنا نحن جيل النكسة على يدها من جديد فأعادت تسميتنا، فبعد أن كنا أبناء (النكسة)؛ أصبحنا اليوم أبناء جمعة الغضب، وجمعة الوفاء، وجمعة الكرامة، وجمعة التلاحم، وهي بذلك تحيي أيامنا، وتجعلنا على اتصال حقيقي بمعاني الكرامة التي فقدناها منذ عقود، وأصبحت في ثقافتنا نادرة ندرة الغول والعنقاء والخل الوفي.
وثمة أمر في غاية العظمة يُحسب لهؤلاء العظماء، وهو أنَّ نار الفتنة التي دأبت كثير من الجهات داخليا وخارجيا على إيقادها لإيجاد خطوط فاصلة بين أبناء الشعب الواحد انطفأت بسر ذلك التلاحم الكبير والتآخي النبيل الذي جعل الثنائية الدينية كما في مصر، أو الفكرية أو السياسية ثقافة منبوذة، فالجميع هنا تحت راية الوطن، هدفهم واحد، وسبيلهم واحد، وروحهم واحدة، وهنا يبرز سؤال كبير: كم يحتاج مفكرونا وكتابنا من السنوات الضوئية لتحقيق مثل هذا الإنجاز كنموذج حي على أرض الواقع؟ ولا شك أن إجابة هذا السؤال تبدو صعبة معقدة، خاصة ونحن نستقرئ عقودا من التنظير، ورسم الاستراتيجيات، خروجا إلى نتائج لا تكاد تبين.
ولأن هؤلاء مبدعون فقد أضافوا إلى هذا المشهد بعدا إنسانيا في غاية من الروعة حين أثبتوا بالفعل أن ميادين الثورات تتسع لشيء من المرح الجميل، بل وتتسع للأعراس، ولم تعد كما كانت مقصورة على استراتيجيات القتال كرا وفرا.
كما أنَّ هذه الميادين أصبحت ورش عمل نشطة، يأخذ الملتحقون بها دورات في الخطابة والإلقاء، والتمثيل المسرحي، والصحافة والإعلام، والرسم التشكيلي، ومنصاتها خالصة مخلصة للشباب لا يتحكم فيها فرز حزبي، ولا نزعة شللية، ولكنه فضاءات تتسع لكل ذي موهبة ورغبة في المشاركة، وهذا فضاء مغاير تماما لطبيعة الأنشطة الثقافية في بلادنا وخاصة الرسمية التي انحصرت في أسماء معينة تحكمت في مسارب الفعل الثقافي، وما انفكت تبدؤ فيه وتعيد على نحو رتيب يعاد فيه طحن المطحون، بينما همّشت الكثير من المواهب، وطمرت العديد من الأصوات، وأصبحت فلكا لا يدور فيه إلا ذوو الحظوة من المتشاعرين والمتثيقفين.
أما عن جمهور هذه الفعاليات الثقافية، فلا أعتقد أن جهة ما رسمية أو مدنية استطاعت في بلادنا على مدى قرون لا عقود أن تحشد لفعالية فكرية أو ثقافية بمثل هذه الأعداد الهائلة، ويدرك ذلك جليا العاملون في الشأن الفكري والثقافي، الذين يسهرون كثيرا ويتعبون أكثر من أجل إقامة فعالية ما تستهلك الكثير من المال والجهد والوقت، ثم تكون المفاجأة في كثير من الأحيان أن المشاركين على المنصة أكثر من الجمهور الذي يداهمه النوم فيخلد إليه بعيدا عن ضوضاء الميكرفون وأضواء المنصة.
هؤلاء الشباب في مختلف شواطئ الجرح العربي وجدوا أنفسهم هنا في هذه التجمعات إبداعا وحرية وقيما وإنسانية، بعد أن أرهقهم البحث وأضناهم الانتظار، فاندفعوا طوفانا يغسل الوجه العربي، ويعيد إليه ليس اليقين بعظمة رسالته فقط، بل واليقين بقدرته على حمل هذه الرسالة، وهو مفهوم شرد عنا كثيرا.. كثيرا..
إذن .. أليس هؤلاء هم المثقفون الكبار؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.