تشهد ساحات التغيير والحرية في معظم محافظات الجمهورية دورات تدريبية عملية في مختلف مناحي الحياة في اليمن، لا توازيها أية معاهد تدريبية أو منتديات تعليمية..كما برزت العديد من المواهب المختلفة... في كثير من الجوانب. الجانب السياسي ففي الجانب السياسي مثلاً هناك المنتديات السياسية المختلفة التي تعمل في المخيمات على التوعية والتنمية السياسية للمتواجدين في الساحات بمختلف شرائحهم الاجتماعية ومشاربهم الفكرية، في منافسة محمومة بين المكونات السياسية للوصول إلى أكثر شريحة من المرابطين في الساحات لتغذية المرابطين بأفكار كل مكون على حدة. كما يوجد المنتدى السياسي المنتظم بين المغرب والعشاء على المنصة الذي يستضيف كل ليلة ضيفاً جديداً محاضراً في قضية من القضايا. كانت هذه التوعية السياسية تعمل على تعريف المعتصمين مثلاً الفرق بين الدولة المدنية والعسكرية، كما رفعت من مستوى الوعي السياسي للقبائل وتقبل العمل الجماعي المدني والحزبي والتنظيمي للممارسة السياسية في العمل المعارض وغيره..ولأول مرة يقف الحوثي إلى جانب القبيلي والمثقف المدني ومع الحزبي والمستقل والأستاذ الجامعي. الجانب الثقافي: في الجانب الثقافي الوطني تعلم كل مرابطي الساحات لأول مرة في حياتهم وبشكل تلقائي ذاتي كيفية الوقوف احتراماً للنشيد الوطني الذي كان النظام قد أفقده معناه وتعدى احترامه.. بل إن الثورة اليمنية استطاعت إيجاد مزيج ثقافي منقطع النظير وحالة انسجام وتعايش عجز الحاكم على مدى 33 عاماً عن خلق مثلها، فعلى امتداد ساحة التغيير في صنعاء مثلاً يقف القبيلي لأول مرة جنباً إلى جنب مع شاب مثقف وجامعي احتراماً للنشيد الوطني والخروج من خيمهم أثناء المقيل في نشيد افتتاح فعاليات الفترة المسائية وهم يضعون أكفهم على صدورهم أثناء عزف النشيد تعبيراً عن التحية وهم يرددون كلماته وألحانه ويظلون واقفين حتى انقضائه ويصفقون في نهايته ابتهاجاً، في حين يتوقف الجنود المشاركون عن السير ويؤدون التحية المعتادة..ولأول مرة أيضاً يكون للكلمات الوطنية في النشيد الوطني أو الأناشيد الأخرى مذاقها وطربها الخاص. كما تشهد المنصة التفنن في إلقاء الكلمات المعبرة والتنوع الفني ما بين الأغاني الوطنية وكذلك الأناشيد الثورية الحماسية، إلى جانب التباري في إلقاء القصائد الشعرية بمشاربها وأنواعها المختلفة من عمودية فصيحة وتفعيلة ونثرية وشعبية..كما ظهرت العيد من الفنون الإبداعية في الرسوم المعبرة والرموز الفنية التصويرية المختلفة والكاريكاتورية. وعلى الصعيد الشعبي والموروث الثقافي، برزت الزوامل الشعبية على تنوع ثقافات المحافظات المختلفة..فالزوامل الشعبية تراث يمني أصيل يبرز في المناسبات والوقائع والأحداث، كما هو موروث ثقافي تعبوي ومعنوي يستحضر في الحروب والسلام والتنافس القبلي والصلح بين ذات البين وفي المناسبات الوطنية والأعراس والتجمعات الثقافية المختلفة..فالزامل في اليمن يقترن جنباً إلى جنب مع طبول الحروب في ثقافات الدول الأخرى وإلى جانب "الطبل والطاسة" اليمنيين اللتين تتميز بهما عن بقية الثقافات العربية الأخرى. يقول عبدالواحد الشهاري من محافظة عمران: "هذا الزامل عادة أصيلة عندنا ونظهر به عند القبايل الثانيات وأحيان يعتبر وجهك عندهم وهو من زمان مش من اليوم أو من قريب"، كما يقول محمد الظهاري من محافظة إب: "هذه الزوامل تحشد الناس من قبايلهم وبها تفجع الذي يعتدي عليك وهي ترفع الحماسة لو كان فيه حروب مثلاً"، ويضيف: "كان زمان إذا سمعت ضربة الطاسة والطبل وقرحة الزوامل تدري إن معك غارة أو ما شابه".. ففي ليلة الثلاثاء 15/3/2011 قبل جمعة الكرامة تحدثت معلومات عن أن نظام صالح وبلاطجته يجهزون لشن هجوم على مخيم الاعتصام، فعملت العديد من القبائل والفعاليات على إحياء ليلهم بالزوامل المختلفة فقد كانت ليلة طارئة وتحدٍ بكل ما تحمله الكلمتان من معنى، فكانت الزوامل الرافع المعنوي للمعتصمين تصدح بها حناجرهم وتخيف البلاطجة من حوالي الساحة من الساعة العاشرة ليلاً وحتى السابعة صباحاً؛ فهذا اللون بنكهته اليمنية الخالصة من أهم مميزات الثورة اليمنية عن بقية الثورات العربية..تتبارى القبائل المتواجدة في كتابة كلمات الزوامل وألحانها وأدائها بشكل جماعي، وبرغم تنوعها وكثرتها إلا أن أهم كلمات وأداء وألحان كان زامل قبائل عمران ليلة ارتكاب مجزرة جمعة الكرامة، والتي تقول كلماتها: بلغ السفاح وكل البلاطج من يريد الموت يهجم علينا من دخل والله ما هو بخارج نحرقه بالنار قد هو عشانا والتفت شرائح المخيم كلها حول هذه الكلمات ومنهم الأساتذة الجامعيون يرددون خلف القبائل. فرص عمل: كان للتواجد الكثيف للمعتصمين في ساحة التغيير الدور الأهم في إيجاد فرص عمل عديدة للشباب العاطلين عن العمل؛ فانتعش العمل في المطاعم والكافتيريات المجاورة، وتوجه الكثير من الشباب بعربات متنقلة متنوعة السلع والحاجيات، وكذلك بائعي القات والاكسسوارات المختلفة..كما انتعش العمل في المكتبات القرطاسية ومحلات الكمبيوتر لطبع المستندات والأبحاث وكذلك محلات الإنترنت ومحلات الاتصالات، وحتى محلات مواد البناء والأخشاب، وكذلك البقالات..يقول محمد الشرعبي صاحب بقالة ومخبز جوار الساحة: "تضاعفت مبيعاتنا إلى حوالي خمسة أضعاف؛ ديانا تنزل وديانا تطلع، ورغم مضاعفاتنا للعمال والعمل إلا أننا لا نجد وقتاً للراحة، فنحن نعمل طيلة 24 ساعة لا نتوقف، أتمنى أن تستمر الاعتصامات إلى ما لا نهاية"..حتى من تضرر عمله كالمهندسين الميكانيكيين وورش السمكرة عمل على قلب متجره لبيع المياه المعدنية وبعض السلع الأخرى فكسب أفضل من عمله السابق.
وسائل المواصلات: كما انتعش عمل وسائل المواصلات من حافلات وسيارات أجرة وأهمها الدراجات النارية التي باتت وسيلة مثلى وأكثر الوسائل استخداماً ونجاعة في الظروف العصيبة التي يواجهها المعتصمون، يقول علي الزبيدي (صاحب دراجة نارية) "هذه الأيام نطلب الله تمام أكثر من غيرها من الأيام، لكن هناك مخاطر أثناء الهجوم على المعتصمين فنضطر للهروب". الدراجات النارية كانت أفضل وسيلة للسرعة أثناء هجوم قوات علي صالح وبلاطجته على المعتصمين؛ إذ لم تكن هناك سيارات إسعاف كافية وتساقط الجرحى بالآلاف، فكانت الدراجات النارية تعمل على إسعاف المصابين بسرعة ونظراً لتزاحم الخيم، بل لقد فاقت سيارات الإسعاف نفعاً في معظم الأحيان ..لقد بذل أصحاب الدراجات النارية جهوداً كبيرة في التضحية ونقل المصابين من جولة كنتاكي إلى المستشفى الميداني والعيادات الطبية الميدانية الأخرى..غير أن لهذه الدراجات أيضاً مخاطر جمة ووجهاً آخر قبيحاً وهم المرتبطون بالأجهزة الأمنية (الأمن القومي، والأمن السياسي، والأمن المركزي وحتى البلاطجة)؛ فقد لعب هذا الصنف من الناس دوراً كبيراً في خطف المصابين من ساحات الاعتداءات وإيصالهم إلى الجهات الأمنية ومن ثم تغييبهم وخطفهم عن الأنظار وإيصالهم إلى الأمن المركزي..فقد قال شهود عيان من المصابين ومن بعض بلاطجة القاع إنهم شاهدوا دراجات نارية تخطف المصابين من جوار جولة كنتاكي والجامعة القديمة ليل السبت 10 أبريل والهروب بهم عبر الشوارع الفرعية وإيصالهم إلى بلاطجة مسلحة في القاع الذين كانوا يوسعون الجرحى ضرباً بالهراوات والإجهاز على بعضهم طعناً بالجنابي مما أدى إلى فقدان كثير من الشباب وجثث الشهداء الذين سقطوا. أمان كما تجلت في ساحة التغيير أخلاق اليمنيين، وذلك بعدم أي تحرش بالنساء أو محاولة الاختلاط بهن، ولم تظهر أية بادرة من ذلك كما لم نسمع أن امرأة اشتكت من أية مضايقات لا أخلاقية؛ بل إن لجان النظام تعمل يومياً على سياج أمني وفاصل من الطرابيل بين النساء والرجال. النظافة الميدانية: كما تشاهد لأول مرة التزاماً من مختلف الشرائح المتواجدة في ساحة الاعتصام بالسلوك الحسن للنظافة وأنت ترى ذلك القبيلي يضع مخلفات القمامة في الأماكن المخصصة لها دون أن يرميها في الشارع بل ويعقب على أحدهم إن هو رمى علبة الماء في الشارع أنه سلوك غير ثوري ولا حضاري..يقول علي مصلح من أبناء محافظة عمران: "تعلمنا هنا كل شيء والنظافة شيء ممتاز بين الناس هنا". وحين يتنفس الصباح تجد ما يشبه خلايا النحل من النشاط، كل خيمة أمامها شاب ينظف ساحتها ويضع تلك المخلفات في أكياس القمامة المخصصة، ينتظر هذا الأخ حافلة القمامة حتى تمر فيضع ذلك الكيس في الحافلة ليعود إلى خيمته يكمل نومه