ورث علي الإمامة عن أبيه، لكنه لقب نفسه بالمنصور، معجباً بجد والده، متلافاً للمال مثله. وأراد أن (يتخلق بأخلاقه في الكرم، والرجل غير الرجل). أسس جده الفوضى، لكنه أستطاع أن يتعامل معها، وأخذ منه الفوضى فهل أن يستطيع أن يتعامل معها؟. سؤال سألته لنفسي، وسألته ليمن. أجابتني، ما تبادر إلى ذهني. لا يكفي أن يكون كريماً.(الرجل غير الرجل، والزمان غير الزمان. زمن تضعضعت فيه المملكة). وفردوس معه. حكت ليمن، تخجل من أن تحكي لي، ولم تخجل أن تحكي لي يمن. ينام عليها، إذا انتهى يأمرها أن تدفعه، لا يفعل بنفسه. يستريح قليلاً، ممدداً على ظهره، ثم يأمرها أن تقوم عليه، فإذا انتهى يدفعها. يستريح قليلاً، ثم يقفز فوقها. أبدت غضبها مرة. أجهش بالبكاء، ثم قال: أريد، أن أكون فوق وتحت. ماذا ينتظره في زمن مثل هذا، ورجل غير ذاك؟. (ينفق من المدخر، ومواد البلاد انقطعت. الجند يهجمون عليه، ويتسلطون في المطالب).كادت فردوس أن تجهش بالبكاء، كانت تقول:(لم تعد له يد عليهم). زارتنا فاطمة، لم تستطع أن تخفي شماتتها. قالت (في وجه فردوس، جمعتهما الصدفة): -لا يصلح للحكم. أُحرجت يمن، أبنتها فاطمة، فردوس حفيدة أخيها، تحبها مثل فاطمة، وتشفق عليها. لم يضعف فردوس قول فاطمة..ردت: - وهل يصلح زوجك؟..ردت (متكبرة): - الأيام بيننا. الاثنتان. كأن كل واحدة، أخفت سراً. سألت يمن، إن كانت تعرف. رمقتني للحظات، ثم أطرقت.كانت ذات مغزى، أعرفها. أدركت بأنها تعرف. ألحيت، رميت آخر ما عندي..قلت: - قولي، حتى لا تغضب منك رشا. قالت لها رشا ذات يوم: إذا كنت تحبينني، فلا تخفي على والدك سراً، أو خبراً..قالت (أخيراً) : - رحم الله أمي..سوف أقول، وأعرف بأنك لن تقول الآن..أخبرتني فاطمة بأنه قد تم مبايعة زوجها عبد الله حسن سراً بالإمامة. - وسر فردوس. - هذا ما لا أعرفه. ولم يرحم والي مصر المنصور، ما أعطاه استعاده. عادت قواته إلى تهامة، بمختلف موانيها. عادت معززة، فانقطعت مواردها. والسماء قحط وجفاف. والوباء. (الجنائز لا تنفك ساعة من كل باب، والنساء تخرج الجنائز إلى مغتسل باب اليمن مع ضعف قوة الرجال). الوباء لا يرحم غنيا وفقيرا. ليلنا، لم يعد ليل. لا نكاد نغمض أعيننا، حتى يفتحها صراخ المنكوبين. ومثله نهارنا. إذا أتى الصباح لا نصدق، وإذا كان الليل رفعنا أيدينا إلى السماء، أن يبقينا إلى الصباح. والخارج عليه: قاسم بن منصور، غادر إلى تعز، وأجابته أكثر الناس. دفعهم الطمع. وأعادهم عنه، قلة ما في يده. تركوه. هانت عليه نفسه، فأراد أن يهين المنصور. استدعاهم من تهامة، عساكر محمد علي. دخلت تعز. ملكوا البلاد. (فتحوا باب الدراهم، تهافتوا عليهم تهافت الذباب، وهم منهم أحذر من الغراب). قرأت الجملة الأخيرة على يمن، ردت (ضاحكة): - هكذا تصف أبناء جلدتنا، ذباب. - هكذا حالنا، جبناء أذلة أمام المال. - وهكذا تصفهم وأنت هنا، بعيداً عنهم. - خيال الكاتب. - أم أنهم قد تركوا القاسم. - الاثنان وجهان لعملة واحدة، الطمع دفع قاسم، وأتى بعسكر محمد علي. وبالفوضى، والفساد. - ولو، إذا وصفت فكن منصفاً. - لا أستطيع أن أكون أحياناً منصفاً، عندما تهزم عاطفتي عقلي. وقاسم مثلهم. سلم تعز بعشرة ألاف ريال. وصفتهم بخيال الكاتب، وهو كما كان. وبرط، وآخرون من أرحب. احتلوا حصن عطان. القريب من صنعاء. أخافوا المنطقة. كعادتهم، ولم يرد الخوف أن يكون عادة. لم يستسلم علي المنصور. أرادوا كعادتهم أن يساوموا. أستدعى قبائل خولان. وصلوا متأخرين. لم يستلم الجند مخصصاتهم. وألقى الأشرار في أنفسهم الرعب: سوف يستبدلكم بخولان. ولم يكن له عليهم يد، كانت يد أميرهم، وكان قد عزله. سادت الفوضى بين الجند. أسرعوا في التآمر عليه. ترك الحبل على الغارب. خلعوه. كان البديل موجوداً عبد الله حسن. لم تجهش فردوس بالبكاء، كأنها خافت أن تتشفى منها فاطمة. كم هو عقيم المُلك..قالت: - لم يحضروا الإمام الجديد إلا بعد أن نهبوا ما في الدار من مال ونفائس وأثاث. أطرقت، تداري حزنها. مسكينة، أتت هاربة من القبائل، تركتهم وراءها مقتولين، وأتت هاربة من الإمام الجديد، وزوجها، الإمام المخلوع في السجن، وعمه محمد..واصلت قائلة: - سنة وثلاثة أشهر في قصر الإمامة..كانت كلها خوف ورعب.. ولو..سوف يعود: الفوضى التي خلعته، هي الفوضى التي ستعيده..أقصى ما صعد ونزل من فوقي خمس مرات..صمتت، كانت تنظر إلى عيني دهشة، للحظات، تناثرت على وجهها بقع حمراء، ثم تركتنا مسرعة. * * * * لم تخرج الإمامة عن أحفاد المنصور. عبد الله بن حسن من أحفاده. كأنهم لن يتركوها إلا فوضى، كما هي، لكنها من نوع جديد. سوف يكون لكل فوضى إمام. لقب علي نفسه بالمنصور، لم ينصره أحد. كلهم وقفوا ضده، حتى السماء. ولقب عبد الله نفسه بالناصر، ذلك كان منصوراً وهُزم، فلماذا لا يكون ناصراً فينتصر. استبشر الناس خيراً بالناصر. عرفوه عالماً وإمام جامع (يرد إليه السؤال، يجيب عليه بأجوبة دالة على غزارة علمه). ويدعو إلى الإصلاح وإزالة الفساد، (ولما مضى عليهم من الشدة والمرض والخوف والجوع). فإذا كان على العرش، (أطلق أصحابه للمصادرة والاستيلاء على أموال الناس). أراد أن يشفي غليله. تركه المنصور فقيراً معسراً. كان جلساؤه من كانوا معه. فقهاء لا عقول لهم. طبعه كطباعهم. وتطبعت فاطمة بطبعه. لم تظهر ليمن حاجتها وأظهرت لها حقدها. تهمس في إذنها: لماذا تتركين زوجة المخلوع عندك؟. ترفض أن تبادلها السلام، تشيح وجهها عنها. نفذ صبر يمن..قالت لها (غاضبة): - إلى هذا الحد بلغ بك الحقد، كأنك لست ابنتي التي عرفتها، ثم ما ذنب فردوس..وقالت لفردوس: - الصبر يا بنتي، عندما تشبع ويشبع زوجها الحاقد، وأصحابه، سوف يحسن ظنهم بالناس..ليتها أخبرتني كنت أشبعتها وزوجها. * * * * لقب نفسه بالناصر، وأحتل عرش الإمامة. صالح القبائل المرابطة بحصن (عطان). ما لم يفعله المنصور، فعله هو. وأدخلهم صنعاء. أراد أن يكسر شوكة الجند. من أوصلوه إلى الإمامة. (حسبوا أنفسهم، بيدهم الحل والعقد. هم من أخذوا المال العام لأنفسهم). صَالحَ، ثم عالج أطماع العسكر. أخرج أول عملة باسمه. كان المنصور قد أعدها، لم ينقصها إلا الاسم، كانت من نصيب الناصر. حتى العملة كانت ضده وقبائل ذي محمد، نصرت الناصر. كانت قادمة من اليمن الأسفل. تحمل المال والغذاء. حطت قرب صنعاء. أراد تأديبهم، ما حملوه نهبوه من رعاياه المسئول عنهم. واختبار ولاء قبائل ذي حسين، من كانوا مرابطين في عطان. أمر عساكره. حاصروهم. أستسلم عقالهم. أدخلهم السجن رهائن، ومن رحلوا، أخذ فدية عنهم. بداية، أرادها أن تقول: الناصر أقدر من المنصور وبداية أراد بها أن يستعيد تهامة. لن يستعيدها إلا إذا قضى على الفوضى. فوضى اليمن الأسفل، يريم وتحت، ويستعيد تعز. غادر صنعاء. لم يكتف بقواته النظامية، ضم إليها قبائل من حاشد وبكيل. مادامت دامت الفوضى. والسجينين: علي وعمه محمد. خاف أن يتركهما بصنعاء، ولو بالسجن. أقام بذمار. أودع سجينيه السجن، سجن ذمار. بعيدة عن صنعاء، بعهدة عاملها الجديد، محمد بن علي الإرياني، شقيق يحيى علي الإرياني. التقيت يحي في صنعاء صدفة. عالم وذكي. قرأت في عينيه علامات الشجاعة. اجتمعت فيه الصفات كلها. أتوقع أن يلمع نجمه، إذا لمع سوف أسميه الإرياني. من قرية غرب يريم، اسمها إريان، يطل عليها حصن أسمه حصن إريان، وعلى قرية نجد ريمان، وعلى اليمن الأسفل كله، إذا حجبته الجبال، لن تحجبه البصيرة. يسكن الحصن شقيقه الأكبر عبد الله. الإرياني، أشقاؤه الآخرون لم يبرحوا إريان. أحبوا إريان والناس، وأحب عبد الله العزلة. كما سمعت من الإرياني، والناس، وأنا أروي التاريخ. لعل الفرق بيننا، والحيوان، بأن لنا تاريخاً. الكتابة حفظت لنا تاريخنا. غادر الناصر ذمار، أقام في يريم، غادرها، بعد أن أخرج بكيل، من كانوا منهم في جبل رياب، وبني مسلم. توجه إلى المخادر، في طريقه لاستعادة تعز. بعده جيشه الجرار، وإجراءات قمعية، وأحكام نافذة. رسالة إلى المتعاونين مع قوات محمد علي، المصريين. الناصر قادم. وتوجه إلى إب، امتحانه الأكبر، أقترب من الهدف، تعز. قبل تعز بكيل – بكيل الحاضرة في كل مكان-، من كانوا منهم، لهم مراكزا وحصون. دافعت عنها. بدأت تستقر، بالحرب تارة، وبالمال تارة أخرى. صدّق قاسم، (ابن الشيخ حسن، رئيس القبائل في تعز، المتعاون مع المصريين): أكد له الوفاء، ضد المصريين. سنفتح لك أبواب المدينة. لم يعد قاسم لوحده إلى تعز، كانت معه قوات الناصر. لم تفتح الأبواب، خرجت القوات المصرية، معها قوات الشيخ حسن. (انهزم العسكر الناصري) هزيمة ثقيلة. قتلى كبار. حسين العنسي، كبير برط، علي الحميري، مثنى الأعوج، من رجال نهم. عرفت الإرياني قبل أن يكون وزيراً، ولم اكتب عنه، إلا بعد أن اصبح وزيرا للناصر، ومرافقاً له. ذكرته، يخونني السرد أحياناً، أو أنسى، فأخرج عنه. أغرى النصر القوات المصرية، خان الأمانة عامل العدين. (فتح لهم المدينة، أظهروا القوة والزينة، واستولوا على البلاد). وخيبت الهزيمة ظنه، أنتقل الناصر إلى ذي جبلة. ابتعد عنهم. أراد أن تكون جبلة مركزاً للهجوم عليهم. خاب ظنه، كان انتقالاً لم يحسب عواقبه. هُزمت القوات التي أرسلها من جبلة، عاد إلى إب مخذولاً. لم يكن أحمدُ. واجه القبائل المنهزمة في تعز. الناصر أسد جريح. استعادت قبائل ذي محمد حصونها. وقبائل أخرى، خضعت له، قبل أسابيع، عادت، أرادت رهائنها. مصريون، وقبائل. حصار، ما بعده حصار، قرر الهروب. (كل واحد من أصحابه يريد نهب الآخر. ما وصل إلى المخادر إلا بشق الأنفس. لم يزل الخوف والفساد وراءه حتى وصل صنعاء بخفي حنين). يتبع