ربما نجح الحوثيون في اقتناص الفرصة، فاليمن في حالة فراغ كامل من أي قوى سياسة واعية ومخلصة في آن واحد, أما الحكومة ففسادها وعجزها يزكم الأنوف. غالبية الشعب من الفقراء تدكهم رحى الجوع و يبحثون عمن يتبنى معاناتهم ولو بالكلمة. فجأة وبلا مقدمات جائهم المنقذ على صهوة دبابة مقدسة يتبنى نظرية الحق الالهي في الحكم يدك في طريقه كل من يعترضه من صعدة حتى تخوم صنعاء. غايته واحدة لكن وسائله متعددة ففي كل منطقة له اسباب مختلفة للغزو فهو يقاتل التكفيريين, القلتة, الخونة, العملاء... ومع ذلك فطقوس الانتصار موحدة ما بين تفجير للمنازل ودك للمساجد ونسف لدور العلم . ولا نغفل تطعيمه لنشوة الانتصار ببعض حالات اعدام بلا محاكمة "للقتلة". هذا المنقذ الذي ينطلق من موروثاته التاريخية الوهمية يستخدم معانة الناس فقط من أجل السيطرة. يدعي انه يحمل هم ومعانة المواطن وهو من يحاصر اكثر من 3 مليون مواطن في صنعاء. يتجاهل ان ما وصلنا اليه من وضع بائس لم يكن سوى نتيجة لتصرفات غيره الذين لم يصلوا بأي حال من الأحوال الى مستوى ما وصل اليه من قتل وتدمير ومصادرة للرأي وفرض سياسة الأمر الواقع ورجعية الفكر وفوق كل ذلك ادعاء الحق الالهي في الحكم. انه يستخدم ركام المعاناة بصورة باطلة مدعيا أنه يحمل هم و معاناة المواطن وما أغراه في ذلك الا وعود باطلة من قوى خارجية قدَمت ومازالت تقدم الدعم اللوجيستي, و ضعف الدولة المترنحة التي ساهم كثيرا في ايصالها لما هي عليه اليوم وكثرة المتأمرين على الوطن من ابناءه الذين فقدوا سلطتهم فوحدت بينهم المصلحة اضف إلى ذلك غياب الوعي عند الكثيرين بسبب الجهل والجوع . لايمكن الادعاء اننا نريد بناء الوطن ونتجاهل كل معاول البناء الحضارية والنظال المشروع لتحيقيق هذه الغاية السامية. لكن كل مافعله الحوثي هو أن "أمهل" الدولة ايام معدودة للتخلي عن قرار الجرعة مستخدما لغة التهديد و الوعيد و استعراض عضلات التخلف وحاصر صنعاء من كل منافذها بجموع من القبائل المسحوقين ماديا وفكريا. هل هذه لغة من يريد البناء؟ هل كل هذا الحشد والسلاح فقط من أجل تخلي الحكومة عن قرار رفع اسعار المشتقات النفطية؟ مع العلم ان لا احد راض عن هذه الجرعة بشكلها الراهن. حتى عندما يحشد البسطاء ليخرجوا معه في مسيرة لدعم غزة ورفض الجرعة والتدخل الأجنبي في شؤون اليمن نكاد لا نرى علم اليمن او شخصياته التاريخية بل اعلام ايران وصور الخميني والصرخة المشبوهة!! اين ذهبت هموم الوطن وآلامه؟ كيف ضاعت غزة بين صور الخميني؟ قد لا يجتاح الحوثي صنعاء كما يتوقع البعض لكنه على أية حال لن ينخرط في العملية السياسة ولن يتماهى في حزب سياسي او مكون في المجتمع يشارك المشاركة العادلة في السلطة لأن هذه المشاركة لن تحقق اهدافه ولن تؤمن مصالح ايران في اليمن والمنطقة. وما حزب الله علينا ببعيد, فهو يرفض المشاركة في العملية السياسية لكنه يدير الأمور فعليا ومن خلاله تفرض ايران سياستها في لبنان. حتى قرار الحرب والسلم يأتي من طهران بحسب المصلحة وليس للمبادئ والعقيدة مكان, وما موقف الحزب العملي مما يجري اليوم في غزة الا خير دليل وشاهد لا سيما ونحن نستحضر مشهد الأحداث عام 2006. لذا فإن ما يجري اليوم من حصار لصنعاء ليس محاولة لاسقاط الجمهورية, بل هي محاولة لاسقاط اليمن. فالحوثي يهدف إلى الحكم والاستحواذ على سلطة القرار الكامل من خلال من يراه هو مناسبا لهذا الدور. وبالتالي تمرير سياسات الخارج واجنداتهم باسم الغير, سيفرض قرار الحرب والسلم باسم الغير, ولو وصلنا لهذا المستوى فستكون ايران هي من يحكم اليمن من خلف الستار بعد حصول امريكا وبعض دول الاستعمار القديم على نصيبهم من الكعكة اليمنية ايضا باسم الغير والحوثي هم من سيوجد هذا "الغير" ليكون في الواجهة ولا يستبعد أن يمتلك الجرأة و ان يتصدر الموقف ويعلن نفسه إماما لليمن ويقحم البلاد في اتون حرب لا يعلم نهايتها.