الجزء الثاني من المشهد الرابع الحشد : نحن الشعب . المقه : (ساخرة) أنتم شعب من ماذا؟.. حسناً..فهل تحسمون..تقطعون ؟ الحشد : نقطع ماذا ؟ المقه : ديمانوس، أم عامر..شرعية التوريث ، أم شرعية الثورة . الحشد : (متعجبين) شرعية الثورة !! المقه : شرعية الثورة..جملة قالها عامر في مجلس الملك سيف، جملة سبقت أوانها مئات السنين، أرادها أن تكون له إرثاً من بعد أبيه، وكأنه أراد أن يحتال على التوريث بالثورة، وهما بعد مئات السنين وجهان لدرهم واحد..الاستبداد . عامر : لا تريد المقه من هذا الهراء إلا الهروب من الإجابة على سؤالي، وأما أنا فلست محتالاً، فذلك حقي، وحتى أنقذ الشعب من استبداد المحتل، واستبداد المقيم . ديمانوس : (منفعلاً) من تعني بالمقيم ؟ عامر : ومن غيرك يا حفيد المستبد ؟..انتهى 16 لميس : ( بعد أن نفذ صبرها) تقول يا عامر، وفي داخلك مستبد، أنا زوجته وأعرف الناس به . عامر : (منفعلاً) هكذا تقولين عن زوجك، كأنك لا تخافين أن أعيدك من حيث أتيت فتصبحين المرأة المنبوذة . لميس : أن أكون المرأة المنبوذة، خير لي من أن أظل المرأة المقهورة..الذليلة (تخاطب الحشد)..فمتى تسقطون الخوف عن أنفسكم، فتسقطون عنها الاستبداد (يخرج من بين الحشد رجل في مقتبل العمر) الرجل : يسقط الخوف عندما تكون الشرعية، شرعية الشعب. المقه : تقول يا هذا قولاً قبل أوانه، فمن أنت؟ الرجل : أنا سعد الحالم، بل كنت الحالم، أما الآن فسعد الخائب. المقه : فهل تعرف يا سعد، ماذا تعني شرعية الشعب؟ سعد : لا أعرف، ولكني سمعت عن شرعية الثورة، وشرعية التوريث، فقلت قياسا عليهما شرعية الشعب. المقه : شرعية الشعب أن يختار الشعب ملكه، والمستقبل المنظور يقول لي، بأنها لم تكن لنا بعد، فهي للشعب الحر والمستقبل المنظور يقول لي، بأننا لم نكن أحرارا بعد، فإن لم يكن المحتل المستبد، فهو المستبد المقيم، وإن لم يكن المحتل المستبد كما الآن، فهو بصورة أخرى المحتل المستبد (يخرج من بين الحشد ثلاثة رجال في منتصف العمر). الأول : أنا عمر موفد قريش للتعزية في موت الملك سيف الثاني : وأنا عوف موفد الحيرة للتعزية . الثالث : وأنا مالك موفد الغساسنة لتقديم التعزية في موت الملك سيف . المقه : مرحباً بالعرب، من عدنان وقحطان، لم تقصروا وقد تحملتم عناء السفر، وما بيننا وبينكم صحاري وأمصار. عمر : ذلك واجب علينا، كما كان واجباً علينا عندما قدم كبيرنا عبد المطلب لتقديم التهنئة للملك سيف. عوف : وهو كذلك واجب علينا، أو لسنا منكم وإليكم مالك : لن أكرر ما قاله عوف. عمر : لقد شدني ما قالته أم أسعد أطال الله عمرها وعصم قلبها بالصبر، فماذا يعني المستقبل المنظور؟ المقه : ما استطعت أن أنظر إليه؟ عوف : أي إليه؟ المقه : كأنك لم تسمعني، ولم تسمع سؤال عمر؟ عوف : بل سمعت . المقه : فهو المستقبل..غداً. عوف : أي مستقبل، أي غد..هل بعد يوم..يومان، سنة، سنتان؟ المقه : بل مئات السنين، وربما ألف، أو ألفان وتزيد. عمر : ولن تكونوا أحراراً حينذاك. المقه : بل لن نكون. مالك : (متعجباً) لن تكونوا، المقه : بل لن نكون، وكما أنتم خاضعون لهيمنة روما . عوف : (متعجباً) لن تكونوا . المقه : بل لن نكون جميعاً يا عوف، أم أنك نسيت فارس؟ عمر : أما نحن فأحرار . عامر : لو كنتم أحرارا، كنتم قدمتم العون لسيف عندما قدم إليكم. المقه : ما هكذا يخاطب من قدم لتقديم العزاء. عامر : بالأمس القريب كان عبد المطلب هنا لتقديم التهنئة، واليوم موفده لتقديم العزاء..يا للمفارقة..التهنئة لسيف لأنه استقدم الفرس لتحرير اليمن من الأحباش، والعزاء لمن يا عمر؟ عمر : العزاء لأهله، ولك فأنت زوج أخته، ولليمن . عامر : ولماذا لا تكون تهنئة ثانية، فهي لسيف بالظاهر، وبالباطن لهم، حتى تكون الثانية بالظاهر لهم ووهرز ملكاً على اليمن. لميس : حق يراد به باطل، هو عامر الذي أعرفه، وقد عجز وعجز أبوه أن يفعلا ما فعله سيف. عمر : رحم الله الملك سيف، فقد كان رأس العرب الذي به تغضب. عامر : (ساخراً) وأي رأس ستغضب به العرب بعده..عرب، تجيد الكلام، وتقديم التهاني والعزاء، وإلا فأين كنتم يوم كان يريدكم لتقديم العون..لتقديم الدعم؟ سعد : كانوا يشجبون وينددون . المقه : سعد الحالم..كأنك تستشرف المستقبل . سعد : من وحي اللحظة، وإلا فماذا كان بوسعهم وهم العاجزون والمستبدون بشعوبهم. المقه : هل انتهيت يا سعد. سعد : لم انته بعد. المقه : وماذا بعد؟ سعد : ويزايدون على شعوبهم. الحشد : يزايدون!..لم نسمع بهذه الكلمة. المقه : كأنه يستشرف المستقبل، يكفي يا سعد فهم ضيوفنا . عامر : بل بين أهلهم وذويهم، فهم ونحن وجهان لعملة واحدة..العرب، أكمل يا سعد..كيف يزايدون على شعوبهم؟ المقه : قلت يكفي... الحشد : (مقاطعاً) بل أكمل يا سعد. المقه : (بفرح مكتوم) عذراً يا ضيوفنا الكرام..أكمل يا سعد استجابة لطلب الناس. سعد : يجمعون الناس، ويلقون على مسامعهم الخطب والكلمات، والناس تهتف بعدهم، إما سذجا مصدقين، أو تابعين، وهم عملاء تابعون، أو طامحون أن يكونوا عملاء تابعين. الحشد : من هم؟، والطامحون. سعد : هم، والطامحون . الحشد : قلنا من هم، والطامحون. سعد : (تجول عينه على الضيوف الثلاثة، وعامر، وديمانوس والحارث للحظات، ثم يواصل قائلاً متجاهلاً). سعد : هم..هم، والطامحون، وشعوب مستبدة وذليلة، ويلبسون مما لا يصنعون، ويأكلون مما لا يزرعون، ويقاتلون بسيوف ليست من صنعهم..هم، والطامحون يزايدون، وقبل أن يزايدوا، لم يفكروا، ويدرسوا، يخطئون، فترتد أخطاؤهم عليهم، هم المستبدون. المقه : كأنك والمقه نستشرف المستقبل، ومِنهم سيقول في المستقبل البعيد البعيد(ويل لشعب يلبس مما لا يصنع، ويأكل مما لا يزرع). سعد : والمقه بأني أقول من وحي اللحظة، وأنا من كنت حالماً وأصبحت خائباً. المقه : بل تظل حالماً، إن فقدت الحلم فقدت الأمل، وإذا فقدت الأمل ضاقت بك الحياة، وإذا ضاقت فقدت المستقبل، وإن كان اليوم المحتل المستبد، أم المقيم المستبد فغدا المقيم العادل والشعب الحر. عامر : (ساخراً)..غداً..غداً، كنت أريده، وأراده سيف للمحتل المستبد، فأي رأس ستغضب به العرب بعد سيف يا عمر؟ يتبع