خلال فترة الازمة التي تفجرت بين شركاء الوحدة الرئيسين وهما الرئيس علي عبد الله صالح عن المؤتمر الشعبي العام ونائبه الأستاذ علي سالم البيض عن الحزب الاشتراكي اليمني شهدت البلاد وكناج للمكايدات السياسية والحزبية حالة انسداد للأفق السياسي وحالة استقطاب مريعة في أوساط الفعاليات السياسية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والتعليمية وحتى في مفاصل مؤسسات الدولة والحكومة الخدمية منها والسيادية .. ومن ديوان " دار الحكمة " في حي حدة الراقي بالعاصمة صنعاء انطلقت حالة الاستقطاب بعد أن استطاع الحزب الاشتراكي اليمني أن يستقطب إليه قوى سياسية عريقة وفاعلة ممن تملك حضورا تاريخيا ونخبويا , فيما راح المؤتمر الشعبي العام بدوره يستقطب مجموعة من الفعاليات السياسية والحزبية وكان أبرز من أنظم لحلف المؤتمر هو التجمع اليمني للإصلاح بزعامة شيخ قبيلة " حاشد " عبد الله بن حسين الأحمر إضافة إلى أحزاب أخرى حديثة العهد وقامت بعد إعلان 22 مايو 1990م , وفي تلك الفترة شهدت الساحة الحزبية حالة انشقاقات وتفريخ حزبي وتسابق بين حزبي المؤتمر والاشتراكي على كسب أكثر الفعاليات السياسية وغالبها لم يكن نفوذها يتعدى صفحات الصحف والمطبوعات فيما ليس له على أرض الواقع نفوذا أو حضورا يذكر ..!! هذا الانقسام ترافق مع حالة انفلات أمني وتعرض العديد من كوادر الحزب الاشتراكي للتصفية والاغتيال دون أن يكون هناك بالمقابل رادع أمني من قبل الاجهزة المعنية , بل لم يتمكن المواطن اليمني من معرفة " الجناة" أو الجهات التي وقفت خلفهم , وكذا الأسباب الدافعة لقتل وتصفية تلك الكوادر , فيما الخطاب الإعلامي الذي كان يدار من قبل المؤتمر وخصوم الاشتراكي كان بدوره يبرر تلك الجرائم والاغتيالات بانها نتاج تصفية حسابات داخلية في الحزب الاشتراكي ..!! كان ثمة مؤشرات توحي للمراقب _ حينها _ وكأن هناك توافق بين مراكز القوى والنفوذ القبلي والعسكري على تصفية " الحزب الاشتراكي " ورموزه , وبغطاء وأن غير معلن من محاور إقليمية ودولية , في ذات الوقت كان هناك خطاب إعلامي مسعور يقود البلاد نحو الانفجار المدمر , فتبلورت على ضوء كل هذا المعطيات فكرة " لجنة الحوار الوطني " والتي تم تشكيلها وفقا لتوافق محوري إقليمي ودولي وتحديدا توافق أو تفاهم " سعودي _ أمريكي" وتشكلت لجنة الحوار الوطني التي ضمت نخبة من الرموز الوطنية وفعلا انطلقت لجنة الحوار في اجتماعاتها التي عقدت في كل من صنعاءوعدن خلال الفترة من 22/ 11/ 1993م وحتى 18 يناير 1994م وتمخضت عن وثيقة سياسة هامة وخطيرة وهي الأولى من نوعها في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر التي حملت روى شاملة وقدمت حلولا لكل القضايا الوطنية وقد اطلق عليها مسمى " وثيقة العهد والاتفاق " طبعا وكما جرى مؤخرا خلال أزمة السلطة والمعارضة في العام 2011م لم يتم التوافق على مكان التوقيع على الاتفاقية واستعصى على جميع الأطراف التوقيع عليها في العاصمة صنعاء ولا في عدن ولا في أي محافظة يمنية ليتم أخيرا وبعد أزمة كادت أن تفجر الوضع إلى التوافق على العاصمة الأردنية "عمان" ليتم التوقيع على الوثيقة برعاية الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال ..وفعلا تم التوقيع على الاتفاقية في العاصمة الاردنية "عمان" في 18 يناير 1994م , غير أن النوايا المبيتة لدى أطراف الأزمة لم تكون سليمة وكان الشيخ الأحمر تحديدا ومعه حزبه _ حزب التجمع اليمني للإصلاح _ الذي سبق له وعارض فكرة "الوحدة " من اساسها , ثم رفض وعارض فكرة الاستفتاء على أول دستور فعلي شامل للدولة اليمنية , وأصدر علماء الإصلاح وفي مقدمتهم " الزنداني " فتاوى تكفر الدستور وتكفر من يلتزم به وتعتبر كل من يوافق على الاستفتاء ويقبل الدستور " كافرا" ..؟!! كانت حالة الاحتقان السياسي تزداد شدة وضراوة مع كل تفاؤل بالانفراج من الأزمة ,وكان الجو العام والمزاج العام يمضي باتجاه "الحسم العسكري" من جانب الطرف الأقوى في المعادلة والذي وجد في تلك الأزمة بين شركاء الوحدة ضآلته للانقضاض على صناع الوحدة ومن ثم تشكيل مسار الوحدة بالطريقة التي يريدها ويرغب وهذا ما حدث لاحقا . يتبع [email protected]