بغض النظر عن المشروعية القانونية والدستورية والوطنية، التي يستند إليها كلا من الطرفين -طرف الإنقلابيين الحوثيين وصالح وطرف الشرعية بجيشها الوطني ومقاومتها الشعبية- في السيطرة على يسيطر عليه من الجغرافيا اليمنية، ومشروعيته في فرض سلطته وحكمه فيها.. بغض النظر عن ذلك، دعونا ننظر للنموذج الذي قدمه كل طرف، من الطرفين، في حكم وإدارة ما يقع تحت سيطرته من المناطق والمحافظات، ونجري مقارنة سريعة بين النموذجين، حتى نتعرف على مدى نجاح أو فشل كل طرف في هذا الجانب المهم، مع التركيز في المقارنة على الجوانب الأبرز والأكثر وضوحا. لنقارن، بداية، بين وضعي التعليم. في المناطق المحررة شهد هذا الجانب نجاح كبير حققته الحكومة الشرعية، أستطاعت تحريك العملية التعليمية وفتحت المدارس أمام الطلاب، وهناك إقبال كبير على التعليم في ظل الإهتمام الكبير الذي توليه الحكومة الشرعية لهذا الملف، وتمكنت من توفير الإمكانيات والمناهج الدراسية والمعلمين، وتهيئة المناخ لتحريك العملية التعليمية، وعلى الرغم من الدمار الدمار الكبير الذي لحق بالمرافق التعليمية جراء الحرب التي شنها الحوثي على تلك المحافظات والمناطق، بل بدأت، الحكومة، بإصلاح وترميم العديد من المدارس، وفوق هذا هناك مشاريع تبت الحكومة حاليا في تنفيذها، مشاريع إنشاء مدارس وجامعات والبدء في تنفيذ مشاريع كبيرة في مجال التعليم. أما في المناطق التي تحت سيطرة الإنقلابيين؛ فقد شهد ملف التعليم أكبر عملية إهمال، متعمد غالبا، على يد المليشيات الإنقلابية، وتوقف التعليم بشكل كامل، تقريبا، في المناطق الريفية والقرى، وبقي ينازع في المدن الرئيسية، مهددا بالموت في أي لحظة، وهكذا يعمد الحوثيين إلى قتل وإهمال التعليم، ليصبح الطالب/الطفل اليمني خارج المرفق التعليمي، ليتسنى لهم، بالتالي، إستقطابه إلى صفوفهم وتجنيده في مليشياتهم، ومن ثم الزج به إلى معارك القتال التي يخوضونها ضد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية. وإذا أنتقلنا، في المقارنة، إلى الملف الصحي؛ سنجد نفس المعادلة السابقة؛ ففي الوقت الذي تحقق الشرعية نجاح كبير في هذا الصعيد، فقد سجل الإنقلابيين إخفاق كبير فيه، بمناطق سيطرتهم، بل تسببوا في تردي الخدمات الصحية والطبية التي تقدمها المرافق الطبية الحكومية والخاصة للمواطنين، وسادت اللامبالاة على دورهم تجاه هذا الصدد، بل أنهم قد سخروا إمكانيات المرافق الطبية الحكومية لما يخدم حربهم الشعواء على اليمنيين. وإذا عرجنا على المجال الإنساني. في المحافظات المحررة يعيش السكان أوضاع معيشية أفضل بكثير من سكان المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الإنقلاب؛ إذ لا يزال الكثير من المواطنين يزاولون أعمالهم التي يقتاتون منها، المزارعين، عمال البناء، الموظفين، التجار، ...إلخ، بعكس ما عليه الحال في مناطق الإنقلابيين؛ حيث تسببوا في تعطيل حياة الناس ووضعهم في مربع البطالة الشاملة؛ الأمر الذي أنعكس بشكل كبير على الوضع الإنساني لأغلب المواطنين. ليس هذا فحسب بل تسبب الإنقلابيين في ظهور مجاعة شديدة في المناطق التي يخضعونها لسيطرتهم، وما ما ظهر في تهامة، من هياكل عظمية وآدميين بلا لحم، إلا غيض من فيض الكارثة والنكبة الإنسانية التي خلقها أولئك الإنقلابيون بلا وازع من ضمير ولا ذرة من مسؤولية. على الأقل يتمكن المواطنون في المناطق المحررة من الحصول على ما يأتي لهم من مساعدات إنسانية وإغاثية، ليساهم في تحسين ظروفهم المعيشية؛ بينما لا يتمكن المواطنون، من سكان المحافظات الواقعة تحت سيطرة الإنقلابيين، من ذلك؛ لأن مليشيات الإنقلابيين تقوم بمصادرتها للمخازنها ومعسكراتها، ولم تكتفي بإنها قد تسببت في تلك الكارثة الإنسانية. للإيضاح أكثر في هذه المقارنة، أنظر إلى المشهد الأمني. المناطق الخاضعة لسيطرة الإنقلابيين تشهد إنفلات أمني غير مسبوق، عصابات نهب وإبتزاز في صنعاء وغيرها، خطف وقتل، سطو على أراضي ومحلات ذهب ومجوهرات من قبل مشرفين ونافذين مقربين من قيادات عليا في مليشيات الأنقلابيين. كذلك إقتحامات منازل ومساجد، حظر التجوال الليلي في بعض المدن كصنعاء وإب، بين كل فترة وأخرى، وغير ذلك من صور الإنفلات الأمني الكبير، في ظل إزدواجية المسؤولية الأمنية بين ما تبقى من أجهزة الأمن الرسمية وبين ما يسمى "اللجان الشعبية"، وضاعت بين العناصر التابعة ل(المشرف الأمني) "أبو زعطان" وبين العناصر التابعة ل(المشرف الأمني) "أبو فلتان". وهكذا بات الملف الأمني في تلك المناطق، الواقعة تحت سيطرتهم، بيد أشخاص وعصابات لا يعرف عنها إلا إنها "مع ربي"!، أو إنها "من المؤمنين"!، وهلم جر يا تبادل للتهم، وتراشق بإلقاء المسؤوليات بين تلك العصابات والمجاميع المنفلتة عند وقوع أي حادث أمني، ويبقى المواطن المسكين هو الضحية، وهو وحده من يدفع ثمن ذلك في أمنه وسكينته وطمأنينته. والخطير أن المشهد الأمني، في مناطق سيطرة الإنقلابيين،بات في تدهور مستمر، مع مرور الوقت. غير إنه ينبغي الإشارة إلى إن ذلك جرى ويجري في ظل تظليل إعلامي رهيب من قبل وسائل إعلام الإنقلابيين، وبعيدا عن متناول وسائل الإعلام الأخرى/المناهضة، لأسباب يعرفها الجميع. على الضفة الأخرى أنظر للمشهد الأمني في المناطق المحررة، إستتباب للأمن، وتواجد فاعل للأجهزة الأمنية الرسمية، وعلى الأقل لا وجود للإزدواجية في تحمل المسؤولية الأمنية، كما هو الحال في مناطق سيطرة الإنقلابيين -وقد أشرت إلى ذلك سلفا-. هذا مع الإعتراف بوجود شيء من التفاوت في درجات الإستقرار الأمني بين محافظة وأخرى، في المحافظات المحررة. يستثنى من ذلك الأعمال الإرهابية التي تحصل، أحيانا، في المحافظات الجنوبية، والتي هي، أصلا، من صناعة الشبكات الإرهابية المرتبطة بالمخلوع صالح والحوثيين، وهذا ما كشفته بعض الخلايا التي تمكنت الأجهزة من ضبطها وقد أعترفت بصلتها بالإنقلابيين. وحتى لو أفترضنا إن لا علاقة للإنقلابيين بالأعمال الإرهابية التي حصلت في عدن وغيرها؛ فإنها -وكأقل ما يمكن وصفها- من مخلفات غزوهم وحربهم التي شنوها على تلك المحافظات، وهي من آثار إنقلابهم المشئوم، وبالتالي فمن الطبيعي حصول هكذا أعمال. ولكن، وعلى كل حال، فإن هناك إجراءات جادة تقوم بها السلطات الشرعية في هذا الصعيد، وقد لوحظ تحسن كبير فيه. ولكي نبسط هذه المقارنة أكثر، خذ أمامك صنعاءومأرب ثم قارن. صنعاء، حاضرة اليمن وعاصمته باتت كقرية مهجورة، تعطلت فيها الحياة بشكل شبه كامل، أغلقت أغلب مدارسها ومستشفياتها، وأضحى سكانها يعيشون أوضاعا إنسانية مأساوية صعبة، لا مياه ولا كهرباء ولا خدمات ولا تنمية، وحولها الإنقلابيون إلى "مثلث برمودا" آخر على الصعيد الدولي والدبلوماسي وفي ما يتعلق بالعلاقات والإتصال بالعالم الخارجي، وهكذا أراد الإنقلابيين أن يكون كل اليمن. أما مأرب، المدينة الصحراوية المتواضعة؛ باتت اليوم قبلة كل اليمنيين، وتتوفر فيها كل مقومات الحياة الكريمة، ويعيش سكانها في أوضاع إنسانية مستقرة، كهرباء ومياه وصحة وتعليم وزراعة وتنمية، وهناك العديد من المشاريع التنموية والخدمية الكبيرة بدأت الشرعية بتنفيذها، وأصبحت مأرب تشهد نقلة نوعية كبيرة في مختلف المجالات نحو الأفضل. إذن؛ نحن أمام نموذجين مختلفين تماما. نموذج فاشل وكارثي ومرعب قدمه الإنقلابيون في مناطق سيطرتهم يكشف لنا المآل القبيح الذي أرادته المليشيات الإنقلابية لكل اليمن. ونموذج ناجح وجيد وأفضل قدمته الشرعية في المناطق المحررة؛ لتصبح، بالتالي، الكرة في مرمى المواطن اليمني ليختار أي من النموذجين. لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet