كلمة حرب في حد ذاتها مُرعبة، إذ لطالما تُلحق الأذية بالسمع الذي بدوره يُلقي بهذه الأذية على الدماغ الذي يعمل على استحضار كل مشاهد الدماء والخراب والدمار والآلام التي ألحقتها الحروب بالإنسان وبالحيوان والشجر والحجر على السواء، الأمر الذي ينعكس سلباً على كل أعضاء الجسم لمجرد استحضار الذاكرة لمثل هذه الصور والمشاهد الكارثية. إذا كانت كلمة الحرب مدعاة للخوف وللرعب لمجرد لفظها، فكيف بنتائجها، من خلال ترجمتها إلى فعل، سيما إذا ما كانت هذه الحرب تندرج في إطار الحروب المنفلتة التي لا تحكمها ضوابط أو أخلاقيات. في الحروب كل شيء متوقع وكل الاحتمالات واردة باستثناء التوقع أو الاحتمال بقطع وسيلة العيش على شريحة واسعة من المجتمع تعتمد في عيشها اعتماداً كلياً على هذه الوسيلة التي تعرف بالمرتب الشهري. ربما هي سابقة في التاريخ الحديث أن يكتوي شعب بهذا السلاح القاتل والمدمر للنفسية البشرية؛ طالما طالت نيرانه وشضاياه الملايين من أبناء هذا الوطن الذي كان يعرف قبل الميلاد (باليمن السعيد). أمرٌ مؤسف أن يهوى وطننا إلى هذا القعر الموحل بكل الترسبات المؤذية للعين وللذاكرة لمجرد اشباع نزوات اشخاص أو جماعات، طالما تتلذذ بمعاناة بني جلدتها من البشر تحت ذريعة كسر شوكة الأخر وفي إطار تصفية الحسابات المزمنة ولربما الآنية. أخطر ما يتهدد فرقاء الصراع في الساحة الوطنية خاصة بعد أن أُقحكم مرتب الموظف في هذا الصراع هو منسوب الغليان الشعبي المتصاعد إزاء هذا الإقحام غير المبرر والذي يعد سابقة في تاريخ الحروب. ما ألحظه مؤخراً وبعد انتقال البنك المركزي إلى عدن ورفده بمئات المليارات من العملة الوطنية المطبوعة في روسيا، هو تزايد النقمة على حكومة الدكتور بن دغر رغم مبرر هذه الحكومة بوقف الصرف جراء عدم تحويل الموارد المالية من المناطق الواقعة خارج سيطرة هذه الحكومة إلى البنك المركزي بعدن. كثيرون يرون في هذا التجاذب الذي قد يكون مبرراً من قبل حكومة بن دغر مؤشرا لاستمرار هذه الأزمة، إذ سيظل هذا التجاذب يمثل عقبة في طريق حل المعضلة المعيشية لشريحة واسعة من المكون السكاني، هذه المعضلة التي ستفاقم من ظاهرة المجاعات التي كشرت عن أنيابها في طول هذا الوطن وعرضه، لا سيما في ظل المعلومات الصادرة عن الأممالمتحدة عن وقوع 17 مليون في دائرة هذه المجاعات، ناهيك عن 7 مليون مواطن يمني لا تتوفر لهم لقمة العيش اليومية. إيقاف المرتب وانعكاساته على شريحة واسعة من المكون السكاني لا يتوقف على المجاعات وسوء التغذية وتفشي الأمراض في ظل عدم القدرة على معالجتها، وإنما يتعدى كل ذلك إلى أمور هي الأخطر؛ طالما تخدش كرامة الإنسان وتنخر في أخلاقياته وقيمه وسلوكياته، هذه الأخطار التي لا تعالج فيما بعد بتوفر المادة وإنما بجهود مضنية وشاقة قد تصل إلى التأسيس لمجتمع جديد، قد يمتد لفترات طويلة يكون المجتمع خلالها قد دفع أثماناً باهضة من عمره ونفسيته في محاولة لتجاوزها والتخلص منها كحالات دخيلة على أخلاقياته وسلوكياته. كل المؤشرات في الساحة الوطنية تُنبئ بما لا يحمد عقباه في حال ما استمر التجاذب بين فرقاء الصراع بقوت الموظف الغلبان على أمره على هذا النحو من اللا مسئولية وعدم الشعور بالمأساة، فمن يدرينا أن تكون هذه المعضلة بمثابة القشة التي ستقصم ظهر البعير... أيا كان موقعه وأيا كانت قوته ونفوذه. المساس بحياة المواطن من خلال استهدافه في لقمة عيشه خطٌ أحمر يجب أن يتنبه إليه كل فرقاء الصراع، سيما بعد أن ترك هذا المواطن لهؤلاء الفرقاء كل ساحات الوطن يتعاركون فيها كيفما يشاءون في مقابل أن يبقى هذا المواطن على قيد الحياة من خلال الإبقاء على راتبه الشهري الذي لا يفي بمتطلبات الحياة الكريمة، إذ تبقى مهمته (أي المرتب) محدودة في إطار الإبقاء على حياة هذا المواطن وحياة من يعول انتظاراً للحظة التي تنقشع فيها غمة البلد وتنجلي فيها كل السحب الداكنة الحاجبة للضوء وللدفء ولربما للحياة برمتها. لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet