مجرد القول ولو من باب الدعابة أو المزحة أن علي عبدالله صالح يفكر بالعودة إلى كرسي الحكم بعد 33 عاماً من عجنه وخبصه للوطن ومن عليه... مجرد قول كهذا يدعو للقلق وللذعر وللأرق؛ سيما إذا ما تحولت هذه المزحة إلى واقع!. لا اعتقد أن الألواح المحفوظة ل 30 مليون مواطن ومواطنة يمنية مدون فيها مثل هذا السيناريو المخيف وهو ان يُعبث بهذا الكم الهائل من البشر لفترة لا تقل عن ثلث قرن من الزمن ثم يتكرر هذا المشهد في وقت لم يعد فيه أحدٌ من هؤلاء البشر حملاً لمثل هكذا سيناريو بعد أن حلت بهم المجاعات والفقر والأمراض المعضلة والبطالة السافرة والمقنعة وفقدان الذاكرة وسوء التغذية، بحيث وصلت بهم كل هذه المعضلات إلى ما نسبته 80%. حتى علي صالح نفسه لم يعد بطاقته وحيويته ونشاطه المعهود بحيث يمكنه تنفيذ رغباته ولعب أدوار كتلك التي لعبها على امتداد عقود من حكمه، خاصة وأن كثير من أوراق اللعبة في الداخل قد تغيرت، فضلاً عن الأوراق الخارجية الإقليمية منها والدولية التي شملها هذا التغيير وهذا التبدل في المواقف وفي الاستراتيجيات. ما يدلل على تراجع الرئيس السابق في تفكيره وفي منسوب مكره ودهائه بل وفي مدى رؤيته سواء للأفق القريب أو البعيد هو في تخليه مؤخراً عن بوصلته المتمثلة بالدكتور الإرياني، هذه البوصلة التي يصعب على أي باحث أو مؤرخ للحقبة التي تربع فيها علي صالح في قمة هرم السلطة في هذا البلد أن يستحضر هذا التاريخ دون استحضار هذه البوصلة التي قادت الرئيس السابق إلى كثير من المحطات الهامة فيما ساعدته على تجنب الإنزلاق نحو أكثر من منزلق خطير ونحو أكثر من حافة هاوية. ربما من أهم هذه المحطات حرب 1994م التي كانت لدبلوماسية الدكتور الإرياني أثراً بالغاً ودوراً هاماً حال دون اعتراف دول عظمى ودول إقليمية بإعلان البيض فك الارتباط مع الشمال، بينما المحطة الثانية التي تُحسب للإرياني هي وقفته مع صالح لحظة صدمة هذا الأخير بخبر انشقاق رفيق دربه وشريكه في الحكم اللواء علي محسن وانضمامه إلى ثورة الشباب السلمية في 21 مارس 2011م. أكثر الأسئلة التي تُطرح هذه الأيام وفي أكثر من مكان سؤالٌ عن المدى الذي يبتغيه صالح بعد أن عرف الكل في الداخل وفي الخارج إسهاماته في الاحداث الجارية منذ سقوط عمران مروراً بولوج انصار الله إلى العاصمة في 21 سبتمبر 2014م وصولاً إلى تمدد هذه الحركة في كثير من محافظات الجمهورية. كثيراً ما يُغلف هذا السؤال برغبة الرئيس السابق في العودة إلى سدة الحكم من جديد من خلال الغطاء المتمدد على الأرض والمتمثل بجماعة أنصار الله. سؤالٌ كهذا يصعب على المرء الخوض فيه بُغية الوصول إلى إجابة شافية دون التمهيد للإجابة عليه من خلال العودة إلى نشأة الظاهرة الحوثية وإلى محطات الحروب الستة التي خاض بعضها السيد حسين الحوثي ليكملها من بعده شقيقه السيد عبدالملك في مواجهة الدولة التي كان يتربع على قمتها علي عبدالله صالح، هذه الحروب التي كان باعثها في الأساس رفض آل الحوثي لمشروع التوريث الذي كان يعمل على ترسيخه الرئيس السابق في واقع الدولة وفي الذاكرة اليمنية. إذا ما عُدنا إلى بواعث هذه الأحداث وما نجم عنها من كوارث ومن تضيحات ومن فضاعات سنجد أن ما لم يحققه علي عبدالله صالح وهو في أوج قوته وهيمنته مستحيلٌ عليه تحقيقه الآن بعد التغيير الذي طرأ على قواعد اللعبة السياسية والعسكرية في هذا البلد خاصة وأن من تصدى لفكرة التوريث ودفع أثماناً باهضة دون تحقيق هذا الحلم الصالحي هم الحوثيون الذين يتصدرون المشهد العسكري والشعبي الراهن في البلد. في ظل هذه المسلمات على الأرض يظل السؤال قائماً وهو: ما هو مبتغى الرئيس السابق من مشاركته ولو بصورة غير مباشرة في الأحداث الجارية التي قادت حركة أنصار الله إلى أكثر من بقعة وأكثر من مكان من مساحة هذا الوطن؟ الجواب وببساطة مبتغى الرئيس السابق هو الثأر من خصومه ممن كبروا خلال حقبة حكمه وأصبح لهم شأناً لا يقل عن شأنه كما كان حال اللواء علي محسن، إضافة إلى الشيخ القبلي حميد الأحمر والشيخ العقائدي عبدالمجيد الزنداني. هذا هو سقف الرئيس السابق الذي كان يجب عليه التوقف عنده بعد تخلصه من خصومه دون ذهابه إلى ما هو أبعد من هذه المسافة ودون تجاوزه لهذا المدى بذهابه إلى فتح جبهات أخرى لم تكن يوماً ساحات معاركه الحقيقية والتي من اخطرها ذهابه إلى مناطحة الرئيس هادي وإبداء العداء لبوصلته التاريخية الدكتور الإرياني... هذا التصرف الذي لا أجد له من تفسير غير وقوع صالح في الخطأ إن لم يكن في المحظور؛ كون خطأ كهذا سيترتب عليه اصطفافات سياسية داخلية وخارجية لصالح الرئيس هادي، فضلاً عن الاصطفاف الشعبي الذي بالتأكيد لن يخدم صالح على الإطلاق؛ طالما سيمثل خطاً فاصلاً تتحدد عنده النقطة التي يبدأ عندها العدّ التنازلي لأفول نجم صالح، في ظل رفض الغالبية الساحقة من المكون السكاني في هذا البلد لهذا الوضع المنفلت المهدد للجميع بما لا تُحمد عقباه. من يقرأ تاريخ هذا البلد جيداً سيلحظ أن كل من حكم هذا البلد ثم أزيح من موقعه صعب عليه العودة إلى هذا الموقع! إذا ما استثنينا هذه القاعدة في ظل هوس الرئيس السابق بالسلطة وفي ظل هاجس البعض بعودته إلى سدة الحكم كحالة استثنائية مسكونٌ بهاجسها هذا البعض عند هذه الحالة الموصدة عندها كل الطرق وكل الابواب وكل الحلول لا أجد من حل متبقِ لمن يصعب عليه من شرفاء هذا الوطن الاستمرار في الحياة في ظل مخاوفه من إعادة انتاج المشهد السابق بكل مأسيه وآلامه غير في اتخاذ قرار على غرار القرار الذي اتخذه أحد الحمير. يُقال أن شخصاً كان يمتلك حماراً أفنى عُمره وصحته في خدمة مالكه لدرجة قيام هذا الحمار بنقل كل متطلبات بناء منزل مالكه في سفح جبلِ شاهق حين كان يهبط ويصعد يومياً هذا الجبل ولعدة مرات لإحضار مواد البناء المتعلقة ببناء هذا المنزل. بعد أشهر ولربما سنوات اكتمل بناء هذا المنزل بحيث لم يعد من نقص فيه غير إقامة مالكه فيه... أحد المارة وقف ليسأل صاحب المنزل فيما كان الحمار يصغي للحديث: متى ستستقر في هذا المنزل؟ كانت إجابة المالك مخيبة ومحبطة لحماره حين أجاب: لقد قررت بناء طابق ثان هو الذي سأقيم فيه. بعد ان سمع الحمار هذه الإجابة تراجع خطوات إلى الخلف ثم انطلق ليهوي بنفسه من سفح الجبل إلى القاع مفضلاً الانتحار على ان يستمر في محنته مع جلاده ومستعبده هذا!!. [email protected]