كلما تقارب فرقاء السياسة في هذا البلد، وكلما آثروا إفشاء السلام في ما بينهم وإحلال المودة والمحبة والصفاء محل المواجهات المسلحة ومحل الدماء المهرقة ومحل تعميق الجراح والأحقاد والثارات الجاهلية.... كلما تداعت بعض الانظمة المجاورة إلى وئد مثل هذا الإيثار! وإلى تعطيل مثل هذا التوجه من خلال التلويح بوقف المساعدات وكأن هذه المساعدات الشحيحة في الأساس هي رهن لاستمرار الاقتتال بين ابناء الوطن الواحد. أكثر من 50 عاماً من الاقتتال ومن الاغتيالات السياسية ومن المؤامرات القذرة والرخيصة التي عطلت كثير من المحطات ومن المشاريع الثورية ومن لي الأذرع ووضع العراقيل أمام تقدم هذا البلد ولو لخطوة واحدة، فضلاً عن إحكام الخناق حول عنق هذا الوطن وأعناق أبناءه من خلال مضاعفة حالات الفقر والبطالة والمجاعات.... رغم كل هذا العذاب وكل هذه الآلام وكل هذه المصائب والكوارث والأهوال لازلنا من وجهة نظر بعض الأشقاء لم نستوفِ عذاباتنا وآلامنا وأوجاعنا ربما من منطلق النظرة إلى هذا البلد وأهله أنهما ما وجدا على الطبيعة إلا لكي يُمرغ أنفهما في وحل هذه الأنظمة المتآمرة. هذا التآمر الذي وصل حداً من المجاهرة ومن المكاشفة تجسد في تهديدات بعض هذه الانظمة بوقف مساعداتها لنا على إثر الأحداث التي شهدها الوطن في 21 سبتمبر 2014م، وفي ضوء بعض التحولات الإيجابية التي طفت على سطح الحياة العامة بعد هذا التاريخ والتي من أبرزها تشكيل حكومة الكفاءات ومداهمة أوكار الفساد ووضع اليد على أكثر من مركز من مراكز القوى النافذة والتي ما كان لها ان تختفي من المشهد السياسي والعسكري والديني في هذا البلد، لولا هذا التاريخ الذي حفره أنصار الله في الذاكرة اليمنية بل وفي ذاكرة التاريخ ذاته. إذا ما انتفض الشعب كل الشعب على فاسديه وعلى لصوصه ومتأمريه ممن يحيكون له المؤامرات داخلياً واقليمياً ودولياً على امتداد عقود من الزمن، عند هذا الحدث المفترض وعند هذه الثورة الداعمة لثورة سبتمبر 2014م التي دشنت مشوارها الثوري بمناطحة الفساد ووضع يدها على عينات من الفاسدين والعابثين وبرد المظالم من خلال أخذ الحق للضعيف من القوي وللفقير من الغني وللعربي من الهاشمي – إذا جاز لي هذا التعبير- وللمواطن الغلبان من المشيخ المتسلط أياً كان حجمه وموقعه وإعرابه. عند هذا الحدث المرتقب وعند هذه الجولة بالذات من الثورات لا اعتقد أن هنالك من يمكنه من اللصوص ومن القراصنة ركوب موجة هذه الثورة، كما لا أعتقد أن لبعض شوائب وأدران هذا البلد القدرة في أن تعلق مرة آخرى بجسد الثورة أو بأجساد الثوار إذا ما اجتاح شوارع المدن وازقتها وساحاتها في طول هذا الوطن وعرضه طوفان جارف لا يُبقي ولا يذر على شيء مما علق بالوطن وبثوراته من هذه الشوائب والأدران. لا أعتقد أن هنالك من سيجرؤ من القوى المتطفلة على ثورة فبراير 2011م تكرار لعبته القذرة التي لعبها في مارس من العام ذاته يوم أن تدثر بعباءة الثورة وتمسح بقدسيتها كي يخفي جرائمه التي ارتكبها بحق الشعب وبحق الوطن على امتداد عقود من الزمن خاصةً بعد أن تكشف للشعب صور الكثير من المجرمين ممن امتطوا صهوة الثورة في غفلة من شبابها ومن ثوارها ولربما من التاريخ نفسه. جراء ما اقترفناه من أخطاء قاتلة خلال تلك الثورة يوم أن سلمنا مجاديفها لقراصنة لا علاقة لهم بالثورات أو حركات التحرر والتغيير.... هانحن اليوم وعلى امتداد ما يقارب ال4 سنوات ندفع ثمن هذه الأخطاء من دمائنا ومن آمننا ومن أرزاقنا بل ومن سنوات أعمارنا. حتى اللحظة كلنا مهددون بالأخطار وبأكثر من مصير مجهول طالما ظل العامل الكفيل بدرء هذه الأخطار مغيب عن ساحة المواجهة، هذا العامل المؤثر والقادر على الحسم هو نحن ممن يطلق علينا بالشعب، كوننا من يمتلك قرار الحسم وقرار المواجهة وقرار اجتثاث الفساد وتجفيف منابعه وقرار إحداث التغيير الحقيقي، الذي بات ينشده كل المكون السكاني في هذا البلد بما فيهم من لزموا الصمت خلال ثورة فبراير 2011م. صحيح أن اغلبنا في هذا البلد قلبه على الوطن وعلى ما حل به من مأس ومن محن ومن نكبات وكوارث وأهوال بفعل قلة من اللصوص ومن ناهبي ثرواته وأحلام أبناءه لكن ما ينقص هذه الأغلبية الساحقة في خانة المكون السكاني الذي يصل إلى 30 مليون نسمة هو ترجمة هذه المشاعر والأحاسيس تجاه هذا الوطن إلى فعل على الأرض. ما يجدر بنا إدراكه وفهمه عن ظهر قلب هو أن كل القوى المتصارعة في العالم على مواقع النفوذ في إطار المعادلة الإستراتيجية أو في إطار الصراع الأيدلوجي والعقائدي جميعها وجدت في هذا المرتع الخصب المسمى باليمن ضالتها وواحتها المفتوحة على مصراعيها لتصفية الحسابات في ما بينها ولإفراغ سمومها وأحقادها على بعضها إنما على هذه الأرض التي لم تكن يوماً أرضها وفي مقابل تضحيات ودماء هي ليست تضحياتها أو دمائها وإنما هي تضحياتنا نحن ودماؤنا نحن أبناء هذه الأرض المستباحة. علينا أن نتوقف ولو للحظة عند حقيقة دامغة لا لبس فيها أو جدال وهي أن الحل في ما يتعلق بالخروج بهذا الوطن مما هو فيه من محن ومن تعقيدات ومن أخطار هو في يدنا لا في يد غيرنا...... الاتكال على غيرنا في حل مشاكلنا ومعضلاتنا وفي مساعدتنا وسد عجز ميزانيتنا لا يعني غير الانتقاص من سيادتنا ومن كرامتنا في مقابل وضع حاضرنا ومستقبلنا ومستقبل أجيالنا رهن ما يتفضل به علينا من مكرمات ولربما صدقات هذا القريب أو ذاك البعيد. ما يجدر بنا ادراكه هو أننا نمتلك من الطاقات البشرية ما تفتقر إليها دول الجوار في حين نمتلك من الموارد الذاتية ومن الثروات الطبيعية المتعددة والمتنوعة ما يمكننا بها النهوض بالوطن والتحليق به نحو مصاف النجوم... فقط ما نحتاجه كي نوظف كل هذه الثروات وكل هذه الطاقات في أماكنها الصحيحة هو لأمن واستقرار ولأرضية خالية من الفساد والإفساد يتقدم كل هذا وذاك عشقنا اللا منتاهي لشيء مقدس اسمه الوطن فضلاً عن قناعتنا المطلقة بأن حل مشاكلنا ومعضلاتنا هو في يدنا لا في يد غيرنا من الأنظمة القريبة والبعيدة على السواء. [email protected]