خلال العقود الأربعة الماضية حدث ما يشبه حالة من التجريف والتخريب المتعمّد في الوظيفة العامة وفي المناصب الُعليا للدولة اليمنية شمالاً وجنوباً ،بات لدينا هيمنة مُطلقة على تلك المناصب المرتبطة بجسم الدولة اليمنية المقدّر بسبعة الآف منصب ووظيفة عُليا ، المحاصصة المناطقية وذوي القربى وأصحاب النفوذ هي المقياس والترمومتر الذي حًكم وتحكّم بالقرار فتمت عمليات إبعاد وإحلال على نطاق واسع في كافة المناصب العُليا للدولة ،وتم إستبعاد ذوي الكفاءآت والقدرات الخلاقة من جسم الدولة الذي أضحى في ضوء تلك التعييينات أشبه بدائرة نفعية للسلطة الحاكمة ، تلك الحالة من العبثية أنتجت لنا حالة أشبه بالعدمية ، قادت في نهاية المطاف إلى سقوط الدولة وإبتلاعها من الميلشيات الإنقلابية وبالتالي إلى سقوطها وإنهيارها ، لم يكن خلال العقود الأربعة الماضية بالإمكان بناء دولة المؤسسات والنظام والقانون والعدالة الإجتماعية وفق تلك الحالة من الإعورار والفوضى الإدارية السائدة ، والتي إنعكست سلباً على الصحة والتعليم والاقتصاد والسياسات الداخلية والخارجية ، عملية إقصاء الكفاءآت تمت وفق منهجية جرى الإشتغال عليها كما لوكانت من المسلمات والبديهيات عندما جرى تحييد العقل اليمني وإبعاده عن مفاصل الدولة ، مناطق كانت لها الحضوة بالرغم من ندرة الكادر الوظيفي وأخرى جرى تطويعها لصالح القلة ، أينما وُجِد شيخ قوي كان لجغرافية وديمغرافية منطقته حضورها القوي وبنسبة عالية في المناصب العُليا للدولة ، وفي حالة عدم وجود تلك الشخصية المشيخية القوية فإن حضور المنطقة يكون مُنعدماً كما هو الحال في محافظة مثل الحديدة يزيد عدد السكان فيها على الثلاثة ملايين إنسان لم تكن تحضى في جسم الدولة في فترة حكم علي عبدالله صالح بأكثر من سبعة أفراد من مجموع 7200 منصب وهو حالة لم تحدث حتى في الفترة الكونيالية والإحتلال الأجنبي ، السمة الرئيسية التي غلبت على سياسات الإقصاء هي أن مُعظم من جرى إقصاءهم في مرحلة حكم علي عبدالله صالح ظلوا مقصيين ومُبعدين عن الجسم السياسي حتى وقتنا الراهن ، والفئة التي حلت في المراكز القيادية للدولة تم إختيارها وفق محاصصات مناطقية وحزبية ضيقة الأفق ، وأقول ضيقّت الأفق لسبب لكون المحاصصة أخذت الكادر الإنتهازي المناطقي والحزبي وليس الكادر الكفؤ القادر على تقديم الحلول والمبادرات التي تقوي جسم الدولة وتفتح آفاقً جديدة للتطور في هذا الظرف التاريخي الخطير الذي تمر به البلاد مع رفضنا الدائم لكافة أشكال المحاصصة ، إستمرار حالة الإقصاء سيقودنا حتماً إلى مزيد من التخبط والإنهيارات وسيجعل من بناء الدولة اليمنية في مرحلة ما بعد الحرب ضرباً من المستحيل ، ومن منطلق الحرص على الوطن وحتى لا نُتهم بالسكوت والتواطئ نقدم النصح لفخامة الرئيس عبدربه منصور هادي بكل تجرّد نقول لفخامته عليك يافخامة الرئيس أن تبدأ بالتأسيس للمرحلة القادمة من اللحظة الراهنة فمعظم القرارات التي صدرت خلال السنوات الأربع من عُمر الحرب كانت وفق مقترحات قدمتها الدائرة الضيقة المحيطة بكم يافخامة الرئيس وهي مجموعة مصلحية كانت جزءً لايتجزء من الدائرة المصلحية لنظام صالح أي أنها أعادت إنتاج نفسها وتموضعها السياسي من جديد وبما يتواكب مع المرحلة ، وتم إستغلال ثقتكم بصورة مستفزة لشرفاء وخبراء الوطن الجريح وهذا ما لا أعتقد أنه مقنعا لكم ، التخلص من تلك الدائرة النفعية هو المقدمة الفعلية لبناء الدولة اليمنية الحديثة كونكم في المرحلة القادمة بحاجة ماسة إلى رجال دولة وليس إلى مجاميع من الأفاقين كما هو الحال الآن ، عملية التطهير تبدأ بإقالات على نطاق واسع في تلك الدائرة الفاسدة ، وهم أضعف مما تتصور يافخامة الرئيس وليس لديهم القدرة في إتخاذ أي موقف قوي ضد فخامتكم بل العكس إقالتهم وإبعادهم سيخلق حالة من الإلتفاف الشعبي الجماهيري حول قيادتكم وسيعيد للشرعية السياسية آلقها ،إقالة فورية أو تدريجية لعدد 33 شخصية فاسدة من المدنيين والعسكريين والشخصيات الدبلوماسية سيعيد للقيادة السياسية شعبيتها التي تأكلت خلال السنوات الماضية ، في المقابل إذا ما إستمر الحال على ماهو عليه سيتم توسيع الهوة بين القيادة والشعب اليمني وبين المثقف الوطني والقيادة الأمر سيعزز من مشاريع التقسيم المطروحة ، اليمن بحاجة إلى حاضن سياسي قوي يستطيع قراءة المتغيرات العالمية ، وفي حالة عدم تحريك المشروع الوطني المناهض للفساد وللقوى النفعية لن يتوانى الغيورين في هذا الوطن من إبتكار وسائل لتحجيمه وتقزيمه تكون بمثابة ردود فعل إعتراضية على ما هو قائم حكومة ظل وطنية إحدى الخيارات الملحة التي باتت مطروحة بقوة . رئيس المركز الدوليب للإعلام والعلاقات العامة [email protected]