تتذكر آمنة يومها الأول لدى مخدوميها. ولا تنسَ المعاملة الحسنة التي عاملوها بها، مقارنة بالأوضاع التي كانت تعيشها في بيت أهلها في أثيوبيا، وما كانت تعانيه من زوجة أبيها. ولكنها لم تستطع البقاء مع مخدوميها أكثر من ثلاثة أشهر حين قرروا الاستغناء عنها لانفصال الزوجين. آمنة وصلت إلى اليمن من طريق البحر «تهريباً»، وظلت فترات طويلة تعمل خادمة بالأجر اليومي، في أحد المراكز الصحية. وطالما عانت الأمرين هناك لأنها تقوم بكل أعمال التنظيف، مقابل مبلغ لا يزيد على 500 ريال (2.5 دولار) يومياً، ومن ضمنه بدل المواصلات. لذا كان حصولها على عمل في أحد المنازل وبراتب شهري لا يقل عن 100 دولار، بمثابة حلم يتحقق. وحصلت آمنة، كما تروي، على وظيفتها تلك، عبر أحد الموظفين كان يشفق عليها. وهو من أوصلها إلى منزل أصدقائه «الأغنياء» لتعمل لديهم. وبالفعل لم يمسوها بسوء لذا قدمت لهم كل ما تستطيع، بيد أن انفصالهما بسبب مشاكل أسرية أدى إلى فقدانها وظيفتها. ولأنها لم توظف من طريق مكتب العمل، لم توقع عقداً مع العائلة: «قال لي صاحب البيت إني ما أجي مرة ثانية، لأن زوجته تركت البيت وأخذت العيال، وأعطاني الله يكثر خيره، راتب الشهر وكان الشهر ما انتهى». هذه الحادثة وقعت قبل ثلاثة أسابيع، ومذ ذاك وآمنة (38 سنة) تبحث عن فرصة عمل جديدة، لكنها لم توفق حتى اليوم وتخشى أن ينتهي ما لديها من مال، وهي تعيل طفليها، بعد وفاة زوجها الذي كانت التقته في اليمن، وتتحمل مصاريف المعيشة. معظم خادمات المنازل اللاتي يعملن في اليمن لا يملكن عقود عمل، لذا فإن بقاءهن في الخدمة أو عدمه، يعتمد على إنسانية المخدومين. وتلك الإنسانية هي التي تتحكم في الراتب والمعاملة وعلاقتها كخادمة بأهل البيت. تقول عائشة وهي صومالية الجنسية: «اشتغل عند ناس، منذ سنة، ولكنهم يعاملوني باليومية». وقدمت الشابة الثلاثينية مطلع تسعينيات القرن الماضي، مع أمها إلى اليمن عن طريق التهريب بحراً، وتزوجت أحد بني جلدتها (صومالي)، وظنت أنها ستريح أمها بالزواج من هذا الشخص، من الخدمة في البيوت، «لأنها بهدلة», كما تقول. لكن زوجها فقد وظيفته في الشركة، ما جعلها تتحرك للعمل كخادمة، في أحد البيوت لمجابهة الغلاء والحياة الصعبة. وتستمر عائشة على مضض في خدمة مخدوميها. تغادر منزلها في الصباح الباكر (عند السابعة)، وتعود في المساء، ب500 ريال. وهذا مقابل كل المهمات، من كنس وتنظيم المنزل الكبير، ومسح البلاط وغسل الثياب والكي... وأكثر ما ينغص عيشتها هو عدد أبناء عائلة مخدوميها، وأنها يوم الخميس، تضطر إلى البقاء عندهم، حتى بعد المغرب، لأن العائلة تغادر المنزل إلى بيت الجد كل خميس. وعليها أن ترتب الفوضى التي يخلفها الأطفال بعد خروجهم من المنزل. ويبقى الحارس يراقبها طيلة دوامها المديد. تقول: «أعرف، هم يخافون أن أسرق شيئاً. عشان كدا يخلّوا الحارس يشرف علي، بس أنا مستحيل أسرق». وعلى أي حال، لم تطف إلى السطح في اليمن أخبار عن خادمة تعرضت للضرب أو الإهانة الجسدية. فالأسرة اليمنية التي تستقدم خادمة للعمل لديها، تكون أسرة ميسورة الحال. ومن النادر أن تظل الفتاة في بيت الأسرة طوال اليوم، أي أن تبيت. وهذا ما أكدته معظم اللاتي التقيناهن. ولهذه المسألة وجهان: الأول، أن معظم الخادمات يعمل في البيوت اليمنية من طريق معارف، لا عبر مكتب العمل. والثاني، أن الأسرة اليمنية متحفظة ولا ترضى غالباً بوجود فتاة غريبة تبيت لديهم، وتنام بين أفراد الأسرة. لكن لهذا الوضع استثناءات، فهناك خادمات، أثيوبيات في معظم الأحيان، يجئن اليمن للعمل ويحصلن على فرص لدى عائلات غنية. وبذلك، يحققن أحلامهن بالعودة إلى أفريقيا وهن محملات بالمال. والأسر تخشى من هروب هؤلاء الفتيات المفاجئ. وهذا ما يؤكده ناصر الشريف، وهو تاجر، إذ يقول: «بهروب الشغالة الحالية، تكون هذه ثالث واحدة تهرب من بيتنا». وهذا ما دفعه إلى إلغاء فكرة استقدام خادمة من أثيوبيا مرة أخرى، والاعتماد على «امرأة مسكينة»، كما وصفها، يمنية الجنسية، تزورهم مرتين في الأسبوع لتنظيف البيت وغسل الثياب... «هذه أضمن»، يقول ويضيف: «كل ما اعمله هو إبلاغ مكتب العمل عن اختفاء الشغالة وهم يقومون بالإجراءات اللازمة». ولكن الشريف بقي يجهل مصير الخادمات الثلاث السابقات، حتى اليوم. ويعيد ذلك إلى أن معظم الفتيات «الخادمات»، يفكرن في العمل في اليمن موقتاً، لجمع المال. لكن تأشيراتهن السياحية التي حصلن عليها تنتهي بعد ثلاثة أشهر. بعدها يصبح وجودهن غير شرعي. وتعرف غالبيتهن أن البقاء بشكل غير قانوني في اليمن، يرتب على الشخص غرامات باهظة عن كل يوم تأخير. لذا يفضلن الهرب من المنزل والانخراط في التجمعات السكنية للاجئين.