يستند بعض الخبراء الى اشارات و اخبار توحي بان تنظيم القاعدة يمر بأزمة مالية، منها عمليات سطو على مصارف وما يمر بين الحين والآخر على موقعه الالكتروني من ربط بين التمويل وتحسن الأداء، ألا أن ذلك في رأي البعض لن يؤثر كثيرا في بنيته و قدراته كونه ينتشر فكرياً و ليس تنظيمياً. تبرز في الآونة الأخيرة عمليات تنسب لتنظيم القاعدة وهي تستهدف بنوكا ومؤسسات مالية وهو مايشير إلى ما يشبه "ضائقة مالية" يمر بها التنظيم. ألقي القبض بالأمس في اليمن على شخص اتهم باستيلائه على 100 مليون ريال يمني (قرابة 450 ألف دولار) وهو الشخص الذي نفذ هجوم السبت الماضي على مقر المخابرات وأوقع 12 قتيلا، لكنه كان في البداية طلب بتهمة سرقة أحد البنوك في وقت سابق. وهذا الأمر لم يقتصر على اليمن إذ وقع الأمر نفسه في العراق قبل أيام حين استولى مسلحين على أحد البنوك. حول موضوع تمويل تنظيم القاعدة يتحدث ل "إيلاف" الباحث والخبير في الجماعات الإسلامية وتنظيم القاعدة سعيد عبيد، فأشار إلى أن القاعدة تمر بوضع مادي صعب منذ أصبح أسامة بن لادن محاصرا، وبعد الحملة الأميركية على ما يسمى الإرهاب بعد 11 سبتمبر، حيث تم الاستيلاء على جميع مصادر تمويل بن لادن لاسيما التي وضعها في السودان. ويضيف: "بن لادن كان يشكل كل شيء، ومصدر التمويل الأول أما بقية الأعضاء ربما كانوا يستفيدون منه، أعتقد أن التمويل المالي أصبح يعتمد على الأعضاء الفاعلين وهم الذين يستطيعون أن يأتوا بالأموال من خلال جمع الزكوات والتبرعات، التي تم التشديد عليها ايضا، اذ كان مصدرها الأول دول الخليج من المتعاطفين حيث يوجد أكبر قدر من السلفيين الذين يميلون إلى الفكر السلفي الجهادي". وأورد إن "خطاب القاعدة كان أكثر قدرة على استمالة القلوب، من خلال الحديث عن أنهم يدافعون عن الأعراض والأوطان والمقدسات وأنهم الطائفة المنصورة ومن هذه الألفاظ التي تميل القلوب –الرقيقة إن صح التعبير- نحوها". شكوى مريرة ويرى سعيد عبيد إن الوضع المادي أثر على أداء القاعدة بالتأكيد مشيرا إلى أنه "لو لاحظنا في اليمن مثلا، وقلبنا صفحات إصداراتهم ومجلتهم الإلكترونية "صدى الملاحم" فإنهم يشكون كثيرا من التمويل، قد لايصرحون بالأمر لكن القاريء الجيد يلحظ بين السطور شكوى مريرة من ضعف التمويل حتى إنهم يربطون تفوقهم بالتمويل ويوردون بعض العبارات، ويقولون مثلا في العدد الثالث عشر إنه "إذا تم تمويلنا والإمداد استمر فستتحسن أساليب الأداء وسنحسن عملياتنا، وسنحسن من وسائل التفجير"، ربطوا نجاح العمليات بالتمويل". وحول ما إذا كانت القاعدة ستهاجم بنوكا، فإنه يعتقد إن القاعدة ذات فكر سلفي متشدد وتشددها ليس على غيرها فحسب ولكن على نفسها أيضا، من خلال الملابس وغيرها، لذلك لن يتجاوزوا النصوص التي يعملون بها، وبالتالي هذا المظهر من مظاهر التشدد يدل على أنهم لن يعتدوا على أموال المسلمين ولكن هناك طائفة التي تشكلت منها "الجبهة العالمية الاسلامية لمقاتلة اليهود والنصارى" بعد تحالف الظواهري وبن لادن في 1998 وهو أول لقاء وأول نبتة للقاعدة قبل أن تعلن بهذا الاسم". ويشير إلى أن هذه الطائفة عناصرها من المصريين الجهاديين الذين لديهم أفكار جهادية صافية، عكس ماهو عليه بن لادن وهو حقيقة لم يكن يميل للأفكار الجهادية التكفيرية وربما يكون المصريين هم من جروه إلى هذا الواقع، وهو كان غير محتاج ماديا وبالتالي كان لا يجوز تحليل أموال المسلمين بالنسبة له. أما الجهاديين التكفيريين المصريين فهم كانوا يعتدون على بنوك وغيرها قبلهم في الثمانينات، ويستبيحون الأموال على اعتبار أنها أموال المسلمين وأن لهم حق في هذا المال. أما عن ملاحقة المنظمات الداعمة التي لاحقتها الولاياتالمتحدة تحدث عبيد واصفا الولاياتالمتحدة والأنظمة الأوروبية بأنها أصبحت ك "حطاب ليل" حيث جمعوا في الأمر الأبرياء وغيرهم، مشيرا إلى أن هناك جمعيات خيرية ليست لها إلا أن تعول أبرياء وترعى يتامى وتساعد الأرامل. وقال إن "الأميركيين والغرب لم يفهموا العرب والمسلمين إلا بشكل متأخر، هم لم يفهموا الاسلام على حقيقته، ولم يفهوا الثقافة العربية على حقيقتها، كانوا ينظرون لنا بنظرة المال السايب الذي يمكن السيطرة عليه في أي وقت، فبرزت لهم القاعدة وأجبرتهم على تعلم ثقافتنا حتى أجبرتهم على تعلم لغتنا". سر محير من جانبه يرى الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية نبيل البكيري إن "تمويل القاعدة هو السر المحير الذي لازال يعجز أجهزة المخابرات العالمية، بحكم إن الغموض الكثير الذي يلف هذا التنظيم كامن في قضية التمويل، مرجعا ذلك "بشكل أساسي إلى الجذور الجنينية التي نشأ منها التنظيم وهي نشأة غير طبيعية وبالتالي انسحبت هذه النشأة غير الطبيعية على كل شيء ومنها قضية مصادر التمويل التي جزء كبير جدا منها لازالت سرا". وقال إن ما قامت به الأممالمتحدة ومجلس الأمن من خلال وضع قائمة بالممولين وضمت تجارا وجمعيات وغيرها، وكانت هذه القائمة -حسب اعتقاده- تخمينات أكثر مما هي حقائق، معتبرا أن هناك خلط لكثير من الأوراق أدى إلى عدم الدقة في تحديد الجهات التي تمول القاعدة لدرجة إن أجهزة المخابرات الأجنبية ربطت قضية الأفيون والمخدرات في أفغانستان بهذا الأمر، وهو لم يكن تحديد دقيق لأنه من أهم الأدلة التي تنفي هذه الفرضية هي زراعة الأفيون والمخدرات قلت بشكل كبير عندما سيطرت طالبان والقاعدة على النظام. وأضاف: " أكبر دليل على عدم التساق هذه الفرضية في قضية التمويل هو إنه على بعد مايقرب من مرور 10 سنوات على أحداث 11 سبتمبر التي أدت إلى استخدام كافة الإجراءات القانونية وغير القانونية إلا أن التنظيم لم يتأثر بهذا الأمر ولم تصدق نظرية الجمعيات الخيرية الإسلامية ولا حتى الأفيون ولا فرضية العسل في اليمن ولا أي شيء". وأشار إلى أن "قضية العسل التي اتهمت فيها المحلات في اليمن بأنها تمول القاعدة بها فإن تلك الفرضية كانت مقاربة دينية أكثر مما هي مقاربة معلوماتية استخباراتية بحيث أن يعتقد أنه على شكل واسع بحكم أن القاعدة منظمة دينية لاتسعى بشكل واسع إلى موضوع غسل الأموال فإن أقرب الجوانب لتمويلها هي تجارة العسل بحكم إن شريحة كبيرة من المتدينين تقف وراء هذه التجارة بشكل كبير ولكن مع كثرة التحقيقات وانخراط مخابرات الدول المتعاونة في مكافحة الإرهاب فاكتشف إن القضية ليست بهذه البساطة وليست بهذه المقاربة". أنهكت القاعدة بالتشتت ويرى البكيري إن القاعدة تأثرت ماديا "لكن ليس بالإجراءات التي اتخذت ضدها، بقدر إنهاك التنظيم في عمليات خارج حدود ماكان مرسوم لها مسبقا حيث كان يركز جهوده في البداية في أفغانستان لكن امتدت العمليات لتشمل عمليات متشعبة وواسعة أدت إلى خلط الأوراق على التنظيم وفقدان شيء من السيطرة، لكن أعتقد إن التنظيم تجاوز هذه العملية بقضية الانتشار الفكري غير التنظيمي في قضية الصراع مع الولاياتالمتحدة والغرب". وتابع: "أعتقد ان قضية التمويل لا تقف عائقا كبيرا عند القاعدة بحكم إنها ترتكز على مسلمات دينية واضحة وبسيطة تدغدغ بها المشاعر وتحرك بها خلاياها وبالتالي التمويل لايشكل لها قلقا حتى الآن، برغم إنه في أحد رسائله الصوتية تكلم الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري إن هناك الكثير من العوائق والصعوبات والتي ذهب البعض إلى تفسير ذلك بأنه كان يقصد عوائق مادية. لكن أعتقد إن القاعدة لاتقف الأموال عائقا أمامها إلى حد الآن برغم إنه في الآونة الأخيرة سجلت عمليات نجاح نسبي لأجهزة المخابرات الدولية في قتل عدد من قياداتها مثل أبو عمر البغدادي ونائبه وبعض القيادات استهدفت في اليمن والسعودية. وأنهى البكيري حديثه بأنه و"بالنظر إلى الإجراءات المصرفية الصارمة على مدى عشر سنوات ومراقبة كل دولار أين يذهب على مستوى العالم خصوصا المبالغ التي تتجه من وإلى العالم الإسلامي، خلال هذه الفترة أصبح من الصعب جدا الحديث عن انهيار القاعدة ماليا، ومع كثافة الحصار ازداد انتشارها وهو الانتشار الفكري فالقاعدة تنتشر فكريا وليس تنظيميا". وتبقى الصورة غامضة غموض المصادر لتمويل العمليات التفجيرية لكن الأيام تظهر كل يوم جديد على المستوى الفكري للقاعدة وغيرها من الجماعات وكذلك على المستوى المادي ومدى القدرة على الاستمرارية وعلى الصمود أمام الخنق المتواصل لكل تحركات هذه التنظيمات.