بلغ المأزق في اليمن ذروة صراع الإرادات وتنافس القدرات. وإذا استمر إخفاق النظام والمعارضة في الاتفاق على خطة نقلٍ سلمي للسلطة، فإن البديل عند النظام هو الحل الأمني الذي هدد به، خصوصاً أنه بات مسلحاً بقانون الطوارئ. ولا يزال هذا النظام يتمتع بتأييد أمريكي وسعودي بسبب التهديد الذي يمثله تنظيم " القاعدة " المتغلغل في اليمن. أي أن علي عبد الله صالح أدخل القوى الخارجية التي يمكن أن تكون مؤثرة في إطار المعادلات الدقيقة التي لعب عليها دائماً للحفاظ على نظامه. وحتى المحافظات التي بدأت تفلت من سلطته مثل صعدا والجوف شمالاً وحضرموت جنوباً، تشكل بالنسبة إليه عناصر إضافية للذهاب بالمناورة السياسية إلى أقصاها. وهو كان قد أخرج أنصاره بكثافة إلى الشارع يوم الجمعة الماضي، لإظهار أنه لا يزال يتمتع بشعبية مليونية. ثم وضع تنحّيه عن منصبه مع شروطه لهذا التنحي على طاولة المفاوضات مع خصومه. أما هؤلاء فيرحّبون بالتنحي ويرفضون الشروط لأنها تعني عملياً تحصين الرئيس من أي محاسبة، وبالتالي بقاء النظام حتى من دون الرئيس. ولعل إعلان القبائل الرئيسية وبعض الألوية العسكرية تخليها عن علي صالح، قد عقد مهمة الوسطاء الخارجيين، ولا سيما الأمريكيين الذين يؤيدون نقلاً منظما للسلطة، مخافة حصول نزاعٍ أهلي يمكن أن يستغله تنظيم " القاعدة " إلى أقصى حد، في بلدٍ توقع له الكثيرون وضعاً مشابهاً لما كانت عليه أفغانستان خلال تسعينات القرن الماضي. والمعضلة الحالية كما يراها مراقبون محايدون تكمن في عقدتَين: أولاً سعي علي صالح لقاء ورقة التنحي إلى التحكم بعملية نقل السلطة بمختلف مراحلها. وثانياً، صعوبة الاعتماد على المعارضة لمواجهة التحديات الأمنية الصعبة، التي وإن لم يكن علي صالح قد حقق فيها إنجازاتٍ حاسمة، إلاّ أنه استطاع أن يقنع الأطراف الخارجية بأنه قادر على ضبطها. لكن المعارضة ترد على ذلك بأن معالجة مشاكل اليمن تحتاج إلى دولة مدنيّة وتنمية شاملة. أما النظام الحالي فجعل من التحديات الأمنية وسيلة للتغطية على الفساد وقمع الحريات وإخضاع كل فئات الشعب من دون أي تنمية.