استطاعت مسيرة “الحياة” الراجلة أن تجذب اهتمام الشارع اليمني ووسائل الإعلام الداخلية والخارجية، وتتصدر واجهة المشهد السياسي الشعبي في البلاد، حيث رأى مراقبون أن المسيرات الراجلة مثلت نقلة نوعية في مسار الثورة اليمنية، وأسلوباً جديداً للاحتجاج مبتكراً وغير مألوف . انطلقت أول مسيرة راجلة من منطقة “النشمة” في ريف محافظة تعز، إلى ساحة الحرية بالمدينة، حيث قطع المتظاهرون 40 كيلومتراً مشياً على الأقدام، فيما انطلقت ثانية المسيرات الراجلة من منطقة “القاعدة” بمدينة إب إلى ساحة الحرية في مدينة تعز وقطعت حوالي 30 كيلومتراً . لكن “مسيرة الحياة” الراجلة تعد الكبرى من حيث حجم المشاركين فيها والمسافة التي تقطعها (250 كيلومتراً) . أعلن عن المسيرة يوم الثلاثاء الفائت، حيث خرج حوالي خمسة آلاف متظاهر بينهم 200 متظاهرة سيراً على الأقدام من مدينة تعز جنوباً باتجاه العاصمة صنعاء شمالاً، وقد واجه المتظاهرون بعض المعاناة نتيجة تغير المناخ من منطقة إلى أخرى، وأثناء صعودهم المرتفعات الجبلية، واستغرق صعودهم جبل “سمارة” الذي يرتفع 2500 كم فوق سطح البحر، نهار يوم كامل، وعند وصولهم إلى منطقة “يريم” بمحافظة ذمار، احتاج عدد من المتظاهرين إلى إسعافات أولية نتيجة الإجهاد والتعب وتعرضهم لضربات شمس نهاراً ونزلات برد مع حلول الليل، وعانى بعضهم تمزقاً في أنسجة القدم وعضلات الرجل، وفقاً لمصدر طبي . الاستقبال الشعبي زاد أهمية المسيرة وعزز رسالتها، وانضم الآلاف إلى المسيرة في المناطق التي مرت بها، وقدر عدد المشاركين الذين وصلوا إلى صنعاء بمئة ألف متظاهر . يعتبر المشاركون أن هذه المسيرة أعادت اكتشافهم لبلادهم، وبرهنت على أن الثورة وصلت إلى كل بيت يمني، كما برهنت على عراقة وحضارة الشعب الذي استقبل المتظاهرين بحفاوة وحماسة منقطعة النظير . يقول أحد المشاركين واسمه محمد سالم: “الاحتفاء بقدوم المسيرة الراجلة كان صادقاً وحقيقياً ونابعاً من القلب، لقد انهمرت دموعنا ونحن نجد كل هذا الحب وكل هذا التأييد للثورة” . وتقول الناشطة في ساحة الحرية بتعز رحمة الأغبري إن “مسيرة الحياة تؤكد استمرار الثورة وتعيد ألقها كما في الأيام الأولى لانطلاقتها” . واعتبر الكاتب والمحلل السياسي نجيب غلاب أن مسيرة الحياة هي الفعل الثوري الأكثر نضجاً وقدرة على تحرير الساحات من قيودها، ويضيف قائلاً: “إنها لغة مدنية تبشر بمستقبل مختلف، لقد اخترقت المناطق القبلية بلغتها المدنية فاستسلمت الجنابي (الخناجر التي يتمنطقها اليمنيون في مناطق القبائل) والبنادق لصوت السلام، إنها لحظة فارقة في التاريخ اليمني، شباب وشابات يقفون كفرسان يمتلكون الأمل وسلاحهم حب اليمن، كل شيء لديهم من أجل المستقبل” . ويضيف قائلاً “إن تم تحرير الساحات من الخداع فإن مسيرة الحياة ستعيد كتابة التاريخ بطريقة مختلفة” .