"لقد سب الله ومزق المصحف الشريف أمام أعين الناس ولم يحرك الأمن ساكنا فاضطررنا إلى هدم بيته" قال هكذا أحد المواطنين الذين كانوا يشرفون على تهديم منزل المواطن عبد الملك المنصور في الجزء الشمالي من العاصمة صنعاء. كان الجيل الجديد من اليمنيين لا يعرف الكثير عن ثقافة هدم البيوت سوى ماقرأة في مقررات المدارس عن قيام النظام الذي يسمى رسميا ب العهد البائد الذي كان يهدم بعض بيوت المنشقين عن النظام الذين أصبحنا نسميهم بالثوار ومنذ أن انتهت الحرب الأهلية التي تلت قيام الثورة اليمنية 62 واستمرت حتى نهاية 67 لم تسهد اليمن حوادث تهديم بيوت في صنعاء وخصوصا وفي بقية أنحائها سوى حوادث طفيفة في النصف الثاني من عقد الثمانينات في مناطق حرب الجبهة بين نظام صنعاء ومخربين مدعومين من نظام الجنوب سابقا حيث كان هدم البيوت يتم عن طريق التفجير بطرق انتقامية، لكن ثقافة هدم البيوت كنوع من العقاب على تبني رأي عادت لتطل برأسها من جديد في اليمن عبر هذه الحادثة التي نفذها مواطنون لا يعرفون أنهم يضعون أحجار الأساس لمرحلة قادمة من الفوضى . وصلنا إلى موقع الحدث في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر من يوم الأربعاء 15/4/2009م وكان التهديم جاريا على قدم وساق وجرافة أيضا، أكثر من خمسمائة مواطن من مختلف الأعمار مجتمعون أمام مسجد العنقاء أو بالأصح أمام منزل يتم تهديمه بجوار مسجد العنقاء، في وسط الشارع ركام من أحجار وقوالب بناء مهدمة تراكمها جرافة ضخمة فوق أنقاض حريق لعفش منزل كان أنيقا نوعا ما قبل أن يتم إحراقه في الصباح مع سيارة هايلوكس موديل 2007م وكان الحريق لازال يشتعل في الجزء السفلي من كوم محتويات المنزل التي يقول عنها طفل صغير "لعنة الله عليكن وعلى صاحبكن .. شوف على نجاسة!" حاولت أن أبحث عن النجاسة التي يراها الطفل لكنني رأيت جمعا هائلا من الناس كلهم يشارك الطفل ذات اللعنة. واجهت شابا ظريفا على وجهة علامات التأثر لما يحدث لأنه لم يشاهد نصرة لله ورسوله طيلة عمره كما يحدث الآن، هكذا قال لي، وعلى مقربة منه شاب أكثر وسامة قال لنا ليس من اللائق التصوير لأن التصوير ربما يصل إلى عند الكفار فيستفيد هذا الخبيث أي صاحب المنزل الذي يتم تهديمه الآن .. قال له صديقي دعنا نصور وننشر ليكون عبرة لمن لا يعتبر فأجاب بلباقة العبرة قد حصلت أمام هؤلاء الناس أما الذين في الخارج فهم لا يعرفون إلا حقوق الإنسان . ليس هناك حقيقة في القضية يمكنني اجزم بها كشهادة سوى مايلي: رأيت جمعا من الناس لا تختلف أشكالهم عن بقية سكان هذه البلاد وهم متجمعون حول ركام منزل وفي الوسط جرافة تقوم بتهديم منزل أرى منه طابقين ولا أدري إن كان الطابق الثالث قد اكتمل بناؤه/ هدمه أم لا وأرى أطفالا وطفلات ونساء فقيرات يقتنصن لحظات تراجع الجرافة ليقمن بالقفز إلى وسط الركام للبحث عن الأخشاب أو أي شيء وكل الناس هنا يقولون أن صاحب المنزل سب الله ومزق المصحف وهم بالمئات لكن اثنين فقط اكدا لي أنهم رأوا الرجل وهو يمزق المصحف أحدهما قال لي أنه مزق المصحف في الجامع والآخر قال أنه رآه يمزقه في باب منزله وإذا لم نفترض تعدد الحوادث فإن أحدهما كاذب إن لم يكونا كذلك معا . كانت تلك هي اليقينيات لكن لا بد لمثل هذا الحادث أن ينال قسطا وافرا من لوك الألسن التي لا بد أن أنقل عنها لكن من المهم أن أذكر رأي المحامي والناشط الحقوقي عبد الرحمن برمان الذي قال ليست عواطف الناس فقط هي المسئولة عن ماحدث .. إن الجهات الأمنية تتحمل جانبا كبيرا من المسئولية ولم يستبعد أن يكون الأمن متواطئا لغرض ما كتحميل عبء ماحدث معنويا على حزب معين أو جهة ما مثلا واتهامه بالتحريض وقال برمان أن مسئولية الأمن هي تنفيذ القانون الذي ينظم العلاقات بين الناس وحمايتهم من بعضهم البعض وقال في هذه الحادثة هناك تقصير واضح ومتعمد من قبل الأمن مضيفا لن أقبل التبرير الذي يقول أن عناصر الشرطة لم يكن عددها كافيا للسيطرة على الوضع متسائلا فأين دور الأمن المركزي والأمن العام وقوات مكافحة الشغب وغيرها ؟ خاصة وأن عملية الهدم استمرت منذ الصباح حتى المساء ؟ . يتناقل الصحفيون وسائقوا السيارات وكل من يمكنه أن يتحدث اخبارا من نوع أن هذا هو بيت دعارة وأنهم وجدوا أفلام إباحية تصور ضابط أمن في وضع مخل مع فتاة(هي فوضى؟) كما أن إمام الجامع المجاور قال أنهم وجدوا قبرين في المنزل المهدم يعتقد أنهما لفتاتين استخدمتهما الأم في الدعارة ثم قتلتهما خاصة أن هناك من يتحدث عن اتهام الإبن سابقا بقتل فتاة في تفاصيل غامضة جدا . قال لي صديق في محكمة شمال الأمانة أن والدة الرجل هي صاحبة البيت وأنها سيئة السمعة، بينما قال لي آخر أن اسمها هو مكية النهمي وأنها تسكن في البيت منذ فترة طويلة، وقال لي ثالث أن مكية النهمي كانت مسئولة عن نشاط القطاع النسوي في الحزب الحاكم أثناء انتخابات 2003م في منطقة نهم وأنها ظهرت هناك فجأة ثم اختفت فجأة . يقول بعض الأهالي أنهم تضايقوا من أنشطة غير شريفة لهذه الأسرة لكني لا أتحمل مسئولية هذا الإدعاء بقدر ما أستعرضه من باب عرض رأي من "يفجر في العداوة" وإذا صحت معلومة تقول أن هذه الأسرة تسكن في المنزل منذ عام 1985م فإنني لن ألوم سائق التاكسي وهو يسألني : لماذا لم يتضايق أحد منهم سوى اليوم وهم جيران طيلة 24 عاما ؟ أجاب على هذا أحد الجيران الذي أكد بأنه كان قد حصلت بينه وبينهم عداوات واشتكى بهم أكثر من مرة إلى قسم الشرطة "لكنهم كانوا "مدعومين" وكان العقاب يرجع فوقنا" ، ويفسر أحد المارة الأمر بأن هذه الأسرة كانت مضايقة للسكان وأنهم وجدوا هذه فرصة للتخلص منهم .. لا أدري لماذا اعتبرها فرصة؟ وحين سألنا المشرف على عملية الهدم من أين جاءوا بإيجار الجرافة قال لنا بنشوة عارمة "جابوها أهل الخير .. أهل الخير كثير" المتجمهرون من أهل الخير كثر لكن أغلبهم لا يعرفون شيء عن مايحدث سو ى مايرون ويسمعون من متناقضات وبصعوبة يمكنك أن تجد واحدا من سكان الحي في وسط هذا الزحام، قال بعض السكان أنهم ذهبوا في الليل إلى قسم الشرطة ليشتكوا لهم من قيام عبد الملك بإهانة الإسلام وجاء معهم مندوب البحث الجنائي وطلبوا من عبد الملك الخروج لكنه رفض الخروج وحين قرر جيرانه اقتحام المنزل وإخراجه منعهم ضابط البحث وقال لهم ليس لدينا إذن من النيابة باقتحام المنزل .. وعدهم باستخراج الإذن في الصباح ومن ثم إحضار عبد الملك لكن مجموعة من الشباب المتدين وزعوا أنفسهم في صلاة الفجر على المساجد المجاورة وحرضوا المصلين للانتقام لكرامة الدين بعد أن عجزت عن ذلك أجهزة الدولة وتوافد الناس منذ صلاة الفجر بغرض قتل عبد الملك باعتباره كافرا ومرتدا ! حضرت قوات أمنية في الصباح وأنقذت المنصور من جموع المؤمنين الغاضبة، لكنها لم تنقذ عفش البيت من الإحراق ولا السيارتين التي رأيت واحدة منهما ولم أر الأخرى وبقيت عناصر الأمن تشاهد عملية الهدم ثم غادرت المكان، وأكد لي مصدر موثوق أن قضية إهانة الدين وتمزيق المصحف قد تحويلها من نيابة شمال الأمانة إلى المحكمة الجزائية المتخصصة ، بينما هناك إشاعة تقول أن عناصر الأمن القت القبض لاحقا على عدد من المحرضين على عملية الهدم .