تتواصل المعارك الشرسة في صعدة وحرف سفيان بين القوات الحكومية والحوثيين مقتربة من إكمال شهرها الثاني دون أي مؤشرات لنهايتها. وبالتوازي مع القتال المحتدم الذي تقدر ضحاياه يوميا بالعشرات وتفاقم الأزمة الإنسانية يجري توسيع رقعة التدخلات الخارجية. الغموض لا يزال يلف حقيقة الأوضاع على الميدان في ظل إغلاق مناطق المواجهات من قبل طرفي الصراع اللذين يدعين منذ بدء الحرب عبر وسائلهما الإعلامية إحراز النصر وتكبيد الآخر خسائر فادحة. نية السلطة بحسم القضية عسكريا وإن طال أمدها بعد فشل مساعي الوساطة خلال السنوات الماضية تزامنا مع مساندة خليجية أمريكية للحكومة بفرض الاستقرار والأمن موقف اتخذ بعد تصاعد الاتهامات لإيران بدعم الحوثيين وفي ذات السياق بدأ أمس الثلاثاء أمين عام جامعة الدول العربية زيارته لصنعاء كما أعلنت القاهرة أن هناك تحركات مصرية وعربية مكثفة لمساعدة اليمن في الخروج من أزمته والوقوف إلى جواره في حربه ضد الحوثيين. هذا الإعلان جاء عقب زيارة وزير الخارجية المصري ومعه رئيس جهاز الاستخبارات العامة إلى صنعاء مطلع الأسبوع الحالي. وأعلن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط دعم بلاده لليمن ومعارضته أي تدخل أجنبي. وتتهم السلطة أطرافاً إيرانية وعراقية ولبنانية بدعم الحوثيين في حين يتهم هؤلاء السعودية بالتحريض عليهم والمشاركة في الحرب ضدهم بسلاحها الجوي. المصادر العسكرية والمحلية أفادت أن 28 حوثيا وأربعة جنود قتلوا في مواجهات الأحد الفائت. وقال مصدر عسكري إن ستة من المتمردين وأربعة جنود قتلوا الليلة الماضية غرب مديرية حرف سفيان. وذكر مصدر عسكري أن أربعة متمردين خطرين قتلوا أيضا بنيران الجيش أثناء تمشيطه لمنطقة بني سليمان التابعة لحرف سفيان. ونقلت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" عن مصدر عسكري قوله إن ثمانية متمردين آخرين قتلوا في المزارع القريبة من سفيان، كما قتل تسعة متمردين كانوا مختبئين في منازل مدنيين. وفي محافظة صعدة قتل أفراد من الجيش الأحد الفائت خمسة حوثيين وأصابوا آخرين واعتقلوا (16). وقال مصدر عسكري إن القوات المسلحة تمكنت من تمشيط المزارع والمباني في غرب الكمب واستطاعت -بالتعاون مع عدد من المواطنين- من طرد العناصر الإرهابية التي تسللت إلى عدد من المنازل والمزارع في المنطقة، مشيرا إلى تكبيد الحوثيين خسائر فادحة في الأرواح والمعدات في وادي عين والصمع والكضيضاء والبداء والعمشية وقرن الدم والتمثلة. واستهدفت وحدات عسكرية أخرى تجمعات للحوثيين في دماج وأحرقت إحدى سياراتهم وقال المصدر العسكري إن وحدات من الجيش تصدت في جبل القيس لمحاولة تسلل مجموعة إرهابية وقتلت ثلاثة منهم. بالمقابل عرضت جماعة الحوثيين عبر موقعها على الإنترنت "المنبر" صورا قالت إنها لحطام طائرة عسكرية من طراز ميغ 29 تابعة لسلاح الجو أسقطتها صباح الجمعة الماضية، وكانت مصادر عسكرية قد نفت ما ذكره الحوثيون وأوضحت أن الطائرة تحطمت بعد اصطدامها بقمة جبل نتيجة خلل فني وقال بيان للحوثيين إن الطائرة التي كانت تحلق على ارتفاع منخفض أسقطت فوق منطقة "شعف" عندما كانت تغير على مناطق مدنية، غير أن المصدر العسكري نفى ذلك موضحا أنها تحطمت بسبب خلل فني أدى إلى اصطدامها بقمة جبل أثناء تنفيذها عملية عسكرية على أحد أوكار التمرد في محور الملاحيظ. وكانت مصادر محلية بمحافظة صعدة أفادت أن الطيران الحكومي قصف عددا من مواقع الحوثيين في مناطق صبارة ونعامة وبني غريان. وقال مصدر عسكري إن وحدات عسكرية تصدت السبت الفائت في جبل القيس لمحاولة تسلل حوثية وقتلت ثلاثة منهم، مشيرا إلى أن أجهزة الأمن ضبطت في نقطة الزيلة ستة من الحوثيين ويجري التحقيق معهم حاليا. إضافة إلى ضبط عشرة آخرين في مدينة صعدة ومصادرة كميات من الأسلحة أثناء مداهمتها لعدد من الأوكار التابعة لعناصر الحوثي. من جانبه نفى الحوثي صحة ذلك واصفا إياها بالتناقضات التي تكشف مدى الإفلاس والتخبط لدى السلطة. وقال في بيان: إن الحكومة تحدثت حول تطهيرها لمناطق (بني معاذ وآل عقاب والمقاش والطلح) خارج مدينة صعدة وقيامها بضرب الحوثيين في مدينة صعدة بالمدفعية التي قال إن بين المدينة وهذه المناطق عشرات الكيلومترات ما يكشف عن تناقضها مع نفسها، كون المسافة بينهما تجعل ضرب مدينة صعدة بالمدفعية -حسب- السلطة ضربا من المستحيل". وفيما أكد مصدر عسكري مقتل اثنين من المواطنين وإصابة ثلاثة آخرين في قصف للمتمردين الحوثيين على مدينة صعدة، تعرض وكيل محافظة صعدة عبدالملك شويل وعدد من مسئولي وشخصيات حارات مدينة صعدة القديمة لكمين من الحوثيين أثناء انطلاقهم إلى أحد مساجد المدينة لعقد لقاء موسع بين وجهاء الحارات والمحافظة لمناقشة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها المدينة منذ بدء الحرب السادسة، فأصيب أحد أفراد حراسة شويل، أما الحوثيون فقد أكدوا أنهم أوقفوا زحفا للجيش في منطقة المقاش الواقعة في محيط مدينة صعدة وأن عشرات القتلى سقطوا في صفوفه بعدما دخلوا منازل تم تفخيخها قبل وصولهم إليها، كما أكدوا أنهم أعطبوا دبابة وعطلوا أخرى. وأكد بيان للحوثي أن مقاتليه تمكنوا من قتل العشرات من الجنود أثناء محاولة الجيش إنقاذ معسكر "الكمب" الواقع في منطقة المنزالة كما أوقفوا ثلاثة أطقم عسكرية في منطقة آل عمار أثناء محاولة الجيش إمداد المواقع المحاصرة. تزامن ذلك مع تحديد المحكمة الابتدائية الجزائية تاريخ الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر الجاري موعدا للنطق بالحكم في قضية المجموعة السادسة من أتباع الحوثي التي يحاكم أفرادها بتهمة دعم التمرد والتورط في الأحداث التي شهدتها مديرية بني حشيش صنعاء العام الماضي. وفي الجلسة التي عقدت مطلع الأسبوع الحالي تلا ممثل الادعاء العام مرافعته الختامية وطلب فيها الحكم على المتهمين بأقصى العقوبات المقرة شرعا وقانونا، موضحا خطر هذه المجموعة على أمن واستقرار البلد. ورفض المتهمون تلاوة مرافعاتهم الختامية، مدعين بأنهم غير معترفين بالمحكمة والمحاكمة جملة وتفصيلا. وكانت المحكمة نفسها قد حكمت على عدد من المتهمين من المجموعات السابقة بالإعدام وسجن آخرين ما بين سنة و15 سنة فيما لا تزال بقية المجموعات تحاكم. ويتبادل الطرفان الاتهامات بالاعتداء على المدنيين والنازحين في حين لا يكترث أي أحد منهم للوضع المأساوي الذي خلفته الحرب. حيث قال المكتب الإعلامي للحوثي إن الطيران يهدد وجود النازحين والأبرياء ويستهدف حياتهم وبمعرفة الجميع في المنطقة إن اتهامات السلطة للحوثيين ليس إلا ادعاءات لا أساس لها من الصحة. وعلى ما يبدو فإن تعاظم الشعور العربي بخطورة الحرب في صعدة، حيث بدأت مصر تحركا دبلوماسيا وميدانيا بوكالة خليجية في محاولة لاحتواء الأزمة اليمنية كون الوضع يزداد تدهورا. وبحسب المعلومات فقد تفاهمت القاهرة مع يحيى الحوثي في أوربا على قبول شروط صنعاء الخمسة لوقف إطلاق النار وهي: نزولهم من الجبال وتسليمهم للأسلحة الثقيلة التي بحوزتهم وعودتهم إلى قراهم ووقفهم لقطع الطرق وإزالة الألغام التي زرعوها في مناطق كثيرة. ولفتت مصادر متطابقة إلى تجديد الحوثيين استعدادهم للقبول بتلك الشروط شريطة الحصول على ضمانات مصرية باعتبارها راعيا إقليميا وتكون المشرفة على وقف الحرب وإعادة إعمار صعدة. وفي سياق الجهد العربي لاحتواء الأزمة في اليمن يجري أمين عام الدول العربية عمرو موسى والذي وصل صنعاء أمس الثلاثاء مشاورات مع الرئيس علي عبدالله صالح حول الأوضاع المتوترة في البلاد. وقال موسى إن هذه الزيارة تأتي في إطار التشاور من منطلق الرغبة في الحفاظ على وحدة اليمن ودعم تحرك كل الإخوة في اليمن نحو الوحدة وتحقيق الأمن والاستقرار فيه. وعلى ما يبدو فقد حققت الجهود الدبلوماسية اليمنية المكثفة بعضاً من أهدافها خارجيا فيما يتعلق بالتأييد والمساندة، حيث أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية وعدد من الدول العربية مساندتها الكاملة للحكومة في قتالها ضد الحوثيين معربة عن قلقلها من خطورة الوضع في صعدة. وفي أواخر الشهر المنصرم قال بيان صادر عن لقاء جمع في نيويورك وزير الخارجية الأمريكية مع نظرائها من السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان والعراق ومصر والأردن: إن هذه الدولة تؤكد وحدة اليمن واستقراره وأمنه. وفيما يشير البيان صراحة لتأييد الحسم العسكري فقد أعلن مساندة الدول المذكورة للجهود المبذولة من أجل حوار سلمي بين طرفي النزاع، مؤكدا على ضرورة حفظ سلامة المدنيين وتأمين وصول المساعدات لهم. لكن رئيس الجمهورية كان قبل صدور هذا البيان بيوم أكد أن الجيش لن يتراجع عن الحرب في صعدة حتى ولو استمرت سنوات واتهم الحوثيين بإهدار فرص السلام. وقال في خطاب له بمناسبة الذكرى ال47 لثورة سبتمبر: إن المتمردين والمخربين في صعدة أهدروا أكثر من فرصة لإحلال السلام وأن الدولة مضطرة للاستمرار في قتالهم" داعيا إلى اصطفاف وطني لكل القوى لمساندة الجيش وقتال الحوثيين. وفي الغضون تسري أنباء عن مواصلة وساطة محلية مساعيها لإعلان إيقاف الحرب في صعدة، بعد موافقة طرفي الصراع على اتفاق مبدئي لإيجاد آلية تضمن تنفيذ إيقاف إطلاق النار على أرض الواقع. وفيما لم يعد الحسم العسكري أمرا متوقعا قربه حتى للسلطة نفسها التي اعترفت مؤخرا أن ذلك سيستغرق وقتا طويلا وبحسب وزير الدفاع محمد ناصر أحمد فإن الدعم الذي تتلقاه جماعة الحوثيين من جهات خارجية بمنحها الصلابة وطول النفس فضلا عن اتباعها حرب العصابات في مواجهة القوى الأمنية. وقال وزير الدفاع في مقابلة لصحيفة الأهرام المصرية: إن الأثر المباشر للدعم الخارجي لمليشيات الحوثيين بدا واضحا من حيث تسلحها بالأسلحة المختلفة وكذلك مستوى تخزين الذخائر والقذائف التي تفوق قدرة وإمكانيات عصابة تخريبية مسلحة وكذلك حجم الأموال التي تنفقها". وحول تقديره للإطار الزمني الذي يمكن أن تنتهي فيه العمليات العسكرية قال ناصر: "بالنظر إلى حجم الإشكالية القائمة وكذا طبيعة الظروف الجغرافية وتضاريس المنطقة الصعبة والمعقدة جدا فإن تحديد إطار زمني لانتهاء العمليات العسكرية والقضاء النهائي على جذور ومنابع العصابات والمجاميع المسلحة المتمردة بحاجة إلى وقت". وأشار وزير الدفاع إلى أن هذه العملية بحاجة إلى تأن وإجراءات متناسقة تجمع بين العسكري والأمني والاستخباري والاجتماعي والثقافي" مذكرا بأن الظروف الجغرافية ووعورة المنطقة وكثرة الكهوف والوديان والجبال بالإضافة إلى لجوء الحوثيين لتفخيخ وتلغيم الطرقات والأراضي والمزارع يضاعف المصاعب أمام تحرك الوحدات العسكرية". وفي ظل المعارك الطاحنة بين القوات الحكومية والحوثيين بات المدنيون بمديريات محافظة صعدة وحرف سفيان بعمران أكثر من يدفع ثمنها خاصة مع انقطاع السبل لوصول المساعدات لآلاف النازحين منهم وسقوط بعضهم قتلى وجرحى بفعل قذائف ورصاص طرفي الحرب. معاناة النازحين تتفاقم من يوم لآخر كما لا يزال الكثير منهم عالقين في الشعاب والجبال بمناطق غير آمنة تحت قذائف الحرب. وبحسب تقديرات منظمة الأممالمتحدة فقد نزح حوالي 150 ألف مدني منذ بداية المواجهات، وأقرت مفوضية اللاجئين بصعوبة الوصول إلى النازحين العالقين في مناطق القتال، وناشدت مرارا وقف الحرب لإيصال المساعدات ومواد الإغاثة للنازحين من الأطفال والنساء خصوصا. وبالرغم من تباكي طرفي الصراع على أوضاع المدنيين فإنهما يصران على مواصلة الحرب والاكتفاء بإلقاء اللوم كلاً على الآخر، بل إن الحكومة أظهرت غضبها إزاء تعالي أصوات المنظمات الإنسانية. حيث هددت وعلى لسان وزير الصحة العامة والسكان بطرد منظمات دولية اتهمها بالتباكي على أوضاع مخيمات النازحين جراء الحرب الدائرة في صعدة. جاء ذلك ردا على تحذيرات منظمة أوكسفام الدولية من أن اليمن قد يشهد أزمة إنسانية خطيرة بسبب القتال المحتدم في شمال البلاد. وقال الدكتور عبدالكريم راصع: إن مندوبة منظمة أوكسفام أطلقت العديد من التصريحات الصحفية فيما هي لم تقابل اللجنة الوزارية المختصة ولا المنسق ولم تتواجد في مخيمات النازحين التي نستغرب تصريحاتها حولها. وأضاف "نرحب بأي منظمة دولية تريد المساعدة في دعم النازحين لكن أن تشغلنا المنظمة بتصريحات دون أن تتواجد في الميدان فنحن لدينا استعداد لاتخاذ قرار بطلب مغادرتها اليمن"، مشيرا إلى أن الدولة تقوم بواجبها إزاء النازحين. وكانت منظمة أوكسفام حذرت من أن اليمن قد يشهد قريبا أزمة إنسانية خطيرة، إثر تصاعد القتال في أغسطس الماضي. وقالت أوكسفام في بيان طلبت فيه المرور الآمن للاجئين في المنطقة الجبلية: "قد تثير الأزمة الطارئة التي أحدثها الصراع في اليمن أزمة إنسانية شاملة قريبا ما لم يتخذ عمل فوري لوقف القتال". إلى ذلك جددت المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة دعوتها للسعودية للسماح لها بإيصال مساعدات إنسانية موجهة إلى نحو ألفي نازح يمني، لجأوا إلى مناطق متاخمة لحدودها هربا من القتال في صعدة. وعبر مسئول المفوضية في الرياض عن أمله بسماح السعودية للمنظمة بإيصال المساعدات خلال أيام قليلة.