اتجه المؤتمر الشعبي العام وتكتل اللقاء المشترك نحو إعادة إنتاج خلافاتهما الممجوجة التي تعطل كالعادة كل اتفاقاتهما للحوار ، وهو ما يبدو واضحاً منذ التوقيع على اتفاق 17 يوليو، حيث عاد الطرفان لحرب البيانات واتهامات التفخيخ وهما لا زالا في إطار الخلافات حول البدء في التحضير للتهيئة للحوار والذي يظهر أشبه بحقل مملوء بالألغام. التقارب الذي كان تم بين الحاكم والمشترك بفعل ضغوط الخارج اصطدم بالرغبة المتناقضة للطرفين من وراء ذلك التقارب ، خاصة أن السلطة وحزبها الحاكم لم يقصدا به سوى التمكن من إجراء الانتخابات في موعدها في حين يظهر المشترك لأنصاره ومؤيديه أن حواره مع السلطة سيكون حول كافة القضايا وفي مقدمتها قضايا الإصلاح السياسي وصعدة والجنوب. وفي إطار تصاعد حدة الجدل الدائر حول "شرعية" اللجنة العليا للانتخابات لتكون بذلك عقبة تقوض الحوار بين الجانبين الذي يجري التحضير له ، عبر مصدر مسئول في الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام عن أسفه لما أسماها أعمالاً تقوم بها أحزاب اللقاء المشترك وتسيء للحوار الوطني. وأضاف المصدر في تصريح نشره موقع الحزب الحاكم "لقد فوجئنا في المؤتمر الشعبي العام أكثر من مرة بعدم جدية أحزاب اللقاء المشترك في الحوار ومحاولة تفخيخه، حيث أن المؤتمر الشعبي العام وحلفاءه كانوا وما يزالون جادون في إجراء حوار وطني بنّاء وهادف على عكس ما فضحته نوايا وتصرفات بعض قيادات المشترك بأساليبها الملتوية وغير الدستورية اللامسئولة". هذا التصعيد المؤتمري هدفه دفع المشترك إلى الانسحاب من الحوار بطريقة غير مباشرة، وهو ما سيلتقطه الأول كفرصة لتحميل معارضيه مسئولية تعثر الحوار . بل إنه قد باشر اتهاماته في هذا الشأن للمشترك قبل أن يقدم الأخير على هذه الخطوة ، معبراً عن أسفه لقيامه " بمحاولة تعطيل الانتخابات مرة أخرى وهي تدرك بأن الانتخابات حق للناخبين وليست للأحزاب".. وبالموازاة، تتعزز الخطوة المؤتمرية بالضغوط التي يواجهها المشترك ممن يعتبرهم حلفاء له كالحراك الجنوبي الذي يرفض الاشتراك في الحوار، ويرى فيه مؤامرة على القضية الجنوبية ، وهذا الأمر قد يرسخ قناعة المشترك بعدم جدوى الحوار وفق صيغته المتفق عليها حاليا. وطال الهجوم المؤتمري الرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك الدكتور محمد عبدالملك المتوكل ليصفه ب"الحاقد والإمامي المعادي للوطن ونظامه الجمهوري". وجاء في تصريح المسئول المؤتمري قوله "لقد كنا نتمنى من الإخوان في المشترك الذين يؤكدون التزامهم بالحوار أن يحسنوا اختيار رسلهم أو من يتحدثون باسمهم، ذلك أن المؤتمر وحلفاءه يربأون بأنفسهم في مجاراة تلك العناصر الإمامية في تصرفاتها الحاقدة والمعادية للوطن ونظامه الجمهوري وللحوار أمثال محمد عبده متوكل الذي أسمى نفسه رئيساً للمشترك ويمارس تطاوله على قامات وهامات وطنية الوصول إليها عصي على أمثاله ولن يسمحوا لأنفسهم بالجلوس مع تلك العناصر الإمامية الحالمة بعودة النظام الإمامي البائد". وقال المسئول المؤتمري "إن ما أعلنته أحزاب المشترك من موقف إزاء اللجنة العليا للانتخابات أمر يثير الاستغراب فهو مفتقد الكياسة ويعكس عدم الفهم ولا يستند على أي أساس دستوري او قانوني. ويأتي هذا الجدل بعدما أعلنت اللجنة العليا للإنتخابات إقرارها الجدول الزمني لمرحلة تصحيح جداول الناخبين، وتوجيه دعوة لأحزاب المشترك بموافاتها بأسماء ممثليها في اللجان وهو الأمر الذي أعاد إشعال حرب البيانات بين الطرفين من جديد ، حيث اعتبره المشترك خرقاً لاتفاق فبراير الذي بموجبه أصبحت لجنة الإنتخابات غير شرعية، مشيراً إلى أن دعوة لجنة الانتخابات تعد محاولة من قبل السلطة وحزبها لتأزيم الحياة السياسية ومناكفة شركائها وتسميم الأجواء وتفخيخ العلاقات بين القوى السياسية. وفيما وصف اللجنة العليا للانتخابات بأنها ولدت ميتة عندما شكلت بطريقة مخالفة للدستور والقانون ولائحة مجلس النواب وخارج التوافق السياسي فقد حمل بيان المشترك من أسماهم المقتاتين على صناعة الأزمات وتجار الحروب السبب في استدعاء ما وصفوه بالجثمان الذي اشبع موتا المسماة لجنة الانتخابات بغرض قتل الحوار في مهده وجر البلاد إلى فوضى شاملة وانهيار كامل لكن، وعلى العكس من ذلك، قال المؤتمر الشعبي العام إن ما اتخذته اللجنة من إجراءات هي من صميم مسؤولياتها وواجباتها طبقاً للقانون ، مؤكداً إلتزامه بإجراءاتها في التحضير للإنتخابات. وكان المشترك قد وجه الأسبوع الفائت رسالة للرئيس علي عبدالله صالح طالبه فيها بإلغاء اللجنة العليا للانتخابات والكف عن إرسال المزيد من الرسائل السلبية التي لا تثمر إلا مزيداً من التأزيم لأوضاع سياسية واقتصادية وأمنية على شفير الهاوية". وقد أثارت هذه الرسالة غضبا مؤتمريا حيث اعتبروها غير لائقة وتصب في تعكير الأجواء بسبب اللهجة التي كتبت بها ومخاطبة رئيس الدولة ب"رئيس المؤتمر الشعبي". وفي ذات السياق جاء موقف اللجنة العليا للانتخابات متسقاً مع التصعيد المؤتمري تجاه نفي المشترك شرعية الأولى، حيث حملت اللجنة الأحزاب مسئولية عدم الالتزام بانجاز ما توافقت عليه في اتفاق فبراير من نقاط حوارية وتعديلات دستورية وانتخابية وعدم تمريرها عبر المؤسسات والسلطات الدستورية لتصبح لازمة وملزمة لإيقاف "اللجنة العليا" عن الإعداد والتحضير للعملية الانتخابية. وقالت اللجنة في بيان لها إنها كهيئة دستورية محايدة ومستقلة هي الجهة المسئولة عن إدارة العملية الانتخابية طبقا لما هو مخول لها من السلطات والصلاحيات الدستورية والقانونية النافذة " ، مؤكدة انها لازالت تتمتع بكافة مقومات الشرعية وليس أمامها من خيار سوى الإعداد والتحضير للانتخابات النيابية القادمة بما يجنب الوطن والمواطن مغبة الدخول في الدوامة الفوضوية العنيفة للفراغات الدستورية .. وقال البيان ان عدم مراجعة وتعديل جداول الناخبين في موعدها دليل على عدم وجود النية في أجراء الانتخابات في موعدها الدستوري والقانوني في وقت لم يعد بمقدور نواب الشعب التمديد لأنفسهم لمرة ثانية بانتظار حوار لازال في علم الغيب لا بداية له ولا نهاية محددة ومعرفة في الزمان . وبالنظر إلى التطورات التي أعقبت أولى جلسات اللجنة المشتركة التحضيرية للحوار يتضح أن المؤتمر كان ينتظر التئام اللجنة بفارغ الصبر، لاعتقاده أن ذلك كان ممراً مغلقاً نحو الانتخابات وقد فتح أمامه، وهو ما يفسر اهتمام الإعلام الرسمي بالجلسة لتأكيد التزامه بالاستحقاق الدستوري. لقد أراد المؤتمر إيصال رسالة للخارج وخلق انطباع داخلي بانفراج الأزمة السياسية وأن أجواء الانتخابات أصبحت ممهدة، وجرياً وراء هذا الهدف لم ينتظر إلا أياماً قليلة حتى أعلن عبر اللجنة العليا للإنتخابات التي يتحكم بها استكمال الإجراءات للإنتخابات النيابية القادمة. ويذكر هذا الإجراء بتصريح نائب رئيس المؤتمر عبدالكريم الإرياني عقب التوقيع على الاتفاق التنفيذي لآليات الحوار في 17 يوليو الفائت والذي بدأ بإشعال أولى نقاط الخلاف بقوله إن الاتفاق مقصور على الحوار الوطني وللانتخابات مسارها المستقل. وكلا الخطوتين تكشفان عن لهفة الحزب الحاكم لحسم مسألة الانتخابات بأي ثمن وكيفية. وبالمقابل، تدفع هذه الإجراءات المؤتمرية المشترك نحو أسوأ الإحتمالات ملبياً رغبة الأول وفيما سيعرضه هذا الخيار لتأنيب المجتمع الدولي، حيث سيكون في الصورة هو المتسبب بتعثر الحوار ، لكنه قد يجد لكيانه نوعاً من الرضا في أوساط الحراك الجنوبي. ويتعاظم حرج المشترك إزاء القضية الجنوبية مع ازدياد الانتقادات الموجهة له والتي وصلت إلى رفض فروعه في المحافظات الجنوبية لحواره مع السلطة وكان آخرها المطالبة الصادرة من فرعه في حضرموت بعدم الانجرار وراء حوارات مجتزءة حول ملف الانتخابات ، بمعزل عن بقية الملفات الساخنة. وقال إن الانجرار وراء ملف الانتخابات يسيئ لأحزاب المشترك ومواقفها الوطنية ، بل ويضعف من مصداقيتهم مع أعضائهم وأنصارهم. مشيراً إلى رفض أي حوار لا يبحث في ملفات البلاد الساخنة وفي مقدمتها القضية الجنوبية. وكان قبله مجلس التنسيق لمنظمات الحزب الاشتراكي اليمني في المحافظات الجنوبية أكد في لقاء تشاوري على وقوفه الكامل إلى جانب الحراك الجنوبي رافضاً أي حوار لا تمثل ركيزته الأساسية القضية الجنوبية وأبناءها . وجاء في البيان الختامي للقاء "إن أي حوارات تتصل بالقضية الجنوبية لن تأتي بثمارها الإيجابية إلا بالاعتراف بالقضية الجنوبية كقضية سياسية وطنية استوجبتها الظروف التي نشأت بعد القضاء على وحدة الشراكة والاتحاد الطوعي بين دولتي الجنوب والشمال في حرب صيف 94م واجتياح وغزو الجنوب عسكريا واستبدالها بوحدة الحرب والقوة في7/7/1994م التي وصلت إلى طريق مسدود", مشددا على ضرورة أن يكون "الحوار بين طرفي المعادلة السياسية في الوحدة (الشمال والجنوب) وتعبيراتهما السياسية والاجتماعية", على "أن يستند على قاعدة قرارات الشرعية الدولية المتمثلة بقراري مجلس الأمن الدولي رقم (924) و (931) المتعلقة بحرب صيف 94م وبرعاية وإشراف من أطراف إقليمية ودولية". هذا الأمر يوضح مدى خطورة البون الحاصل بين الأطراف السياسية في المركز مع فروعها في المحافظات الجنوبية والتجاهل المتعمد له وهو لا يتعلق بأحزاب المشترك لوحدها ، إذ أن قيادات مؤتمرية جنوبية بدأت التحدث عن ضرورة تشكيل كيان مؤتمري جنوبي مستقل عن حزب المؤتمر الشعبي العام(الحاكم). إلى ذلك أعلن حزب رابطة أبناء اليمن "رأي" رفضه المشاركة في الحوار الجاري بين حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأحزاب اللقاء المشترك وشركائه، مشترطاً مشاركة ممثلين لجماعة الحوثي وقوى الحراك الجنوبي ومعارضة الخارج. وبحسب بيان صادر عن الحزب، فإن الدكتور الإرياني أبلغ قيادة حزب الرابطة بأنه مكلف بالتواصل معهم لاستيعاب القوى غير المشاركة في القائمتين، عارضاً أن يكون الحزب ضمن قائمة المؤتمر الشعبي إن هو تخلى عن مشروعه الداعي للفيدرالية في اليمن، أو أن يكون ضمن القائمة الأخرى إن ظل متمسكاً بالفيدرالية، مبرراً ذلك بأن المؤتمر لن يطرح الفيدرالية ضمن رؤاه في الحوار.مشيراً إلى أن الجفري أكد موقف حزبه الداعي لحوار شامل لا يستثني أحداً، يقف على كل قضايا مستقبل الوطن وحاضره دون سقوف أو قيود مسبقة. وقال "إن طرفي الحوار تقاسما البلد في قائمتين، وإن على الآخرين أن يكونوا في إحداها، وحددا قضايا الحوار وآلياته، وحصراها في اتفاق فبراير، كما أنهما يقومان بالتحضير لكل شيء ليضعا غيرهما من القوى الوطنية أمام أمر واقع، وقضايا محسومة من قبلهما متصلة باتفاق فبراير غير الدستوري" الذي اعتبره غير ملزم لحزب (رأي) ولا يعنيه باعتباره موقعاً بين طرفين.