كتب/نبيل خالد ميسري في ظل واقعنا اليوم نلاحظ صراعاً ظاهره مصلحة الوطن وباطنه مصالح متناقضة فالسلطة والحزب الحاكم لديهما قناعة بتبني حكم الفرد والأسرة كقائد لحكمهما المستمر والمعارضة الموحدة ظاهريا والمتناقضة في جوهرها لديها قناعة متفاوتة تعتمد على أمنيات تغيير الحاكم لصالحها أو مشاركة تلبي الحد الأدنى من مطالبها تحت شعارات بعيدة عن أماني وطموحات الغالبية من أبناء شريكي الوحدة. فالصراعات السابقة التي تؤمن بإلغاء شراكة الآخرين أو التحالفات ذات المصالح الضيقة أفضت إلى فقدان الوطن لأبنائه الضحايا في تلك الصراعات والتحالفات ناهيك عن ضياع ثروة الوطن في أيدي نخبة كانت معدمة فأصبحت في عداد أغنياء العالم، وساهم ذلك في تمزيق أواصر المحبة والأخوة وأدى إلى شرخ يتسع يوما بعد يوم في وحدته الوطنية وأورث الأجيال القادمة ثقافة الكراهية وحملها ديوناً ثقيلة عليها سدادها على حساب قوتها وتعليمها وصحتها وفي كل مجالات الحياة. واليوم الصورة لا تختلف، فالحاكم وسلطته وحزبه وموالوه لم يستوعبوا دروس الآخرين والمعارضة لا زالت تفكر بنفس المنوال وجميعهم يعتقدون أن الغالبية من الشعب معهم في حين أن الحقيقة عكس ذلك، فالشعب قد استوعب خلال خمسة عقود منذ قيام الجمهورية أن أهدافه وأحلامه لا زالت بعيدة. ولعل الرؤى المطروحة اليوم سواء من السلطة بتوسع حكمها المحلي غير الملبي لمصالح الغالبية أو من المعارضة ولا سيما المشترك وشركائه المتبنين لثلاث بدائل أهمها الفيدرالية غير الواضحة بعدد أقاليمها وغير الملبية لمطالب الجنوبيين شركاء الوحدة وكذلك رؤية الحراك السلمي الجنوبي المتبني لفك الارتباط غير الحاصل على إجماع، خاصة وأن البعض يطرح فيدرالية الشطرين. ومع تمسك كل طرف برؤيته ورفض الاعتراف بالآخر فإن المرجعية الطبيعية والقانونية لهذه الرؤى وغيرها هي الاتفاق على العودة إلى الدستور الذي حدد بأن الشعب هو صاحب الحق في اختيار ما يحقق طموحاته وأحلامه. وقبل ذلك لا بد من الإقرار بأن النظامين الشطريين والنظام الاندماجي لم تحقق أهداف الثورة ولا حلم الدولة المنشودة وكذا الإقرار بأهمية العودة إلى أبناء الشمال وأبناء الجنوب على اعتبار أنهما شريكا حلم دولة الوحدة وطرح الرؤى المختلفة للاستفتاء عليها ويمكن وضع البدائل المطروحة من كافة القوى سلطة ومعارضة وحراكاً سلمياً جنوبياً وهي حكم محلي واسع الصلاحية، فيدرالية أكثر من إقليمين وليكن ثلاثة أقاليم شمال ووسط وجنوب وفيدرالية ثنائية شمالا وجنوبا وأخيرا فك الارتباط. ومن خلال نتائج الاستفتاء يمكن قراءة المصلحة الحقيقية لأبناء الشعب اليمني بشماله وجنوبه وعلى ضوئها يؤسس الحوار الذي يهدف للحفاظ على أواصر الأخوة وتحقيق العدالة في الشراكة المتساوية في السلطة والثروة. إن الإصرار على المضي وفقا لرؤية طرف ما دون مراعاة حقوق الآخرين إنما يؤكد النظرة الضيقة التي يصر عليها ذلك الطرف ويتحمل تبعات الصد لمشروعه الذاتي أياً كانت مرجعيته حزبية أو قبلية أو فردية، كذلك الحال بالنسبة لتحالف طرفين أو أكثر لمصالح ضيقة خارج المصلحة الوطنية إنما يؤكد زيف الادعاء للشعارات المتناقضة مع الأفعال وبالتالي تتحمل تبعات أنانيتها التي ستجعلها تدفع الضريبة مرتين وربما تكون نهايتها. وفي نفس الوقت فإن عدم إشراك أصحاب الحقوق المشروعة بكل فئاتها وشرائحها في إطار شريكي الوحدة إنما يمثل قفزة على الواقع يمكن أن تطيح بأصحابها مهما كانت عدالة قضيتهم نظرا لتهميش وإلغاء الآخرين. تصريحات السلطة وبيان المعارضة نحو جر البلاد إلى صدام بين مواطني المنطقة والمديرية والمحافظة على مشروعين لم يمثلا المخرج لأمن واستقرار الوطن والمنطقة عموما ولذا فإن الحفاظ على الإنسان وثروات الوطن أغلى من الحفاظ على هذا الطرف أو ذاك وقبل أن يبدأ أحدهما أو كلاهما بإشعال النار في واقع خصب مليء بالمتفجرات، ساعتها لا يمكن إخمادها خاصة وأن هناك قوى عديدة لديها رؤى وأهداف ومصالح لايمكن أن تبقى بعيدة عن ذلك ناهيك عن مصالح وأهداف إقليمية ودولية تعمل منذ وقت وتنتظر ساعة الصفر لتحقيق مآربها. فالحكمة لن تأتي من الحاكم فحسب ولا من المعارض وإنما ستفرض نفسها على الجميع حفاظا على ما هو أهم منهما ولا شك أن صبر المواطنين على هذه القوى قد فاض ووصل إلى مستوى يمكن أن يطيح بهما ويفرز أدوات جديدة تتناسب وحجم التحديات ولعل ما نراه اليوم في بعض دول المغرب العربي مثالا لغضب الشارع وانتفاضته دون تخطيط مسبق. إن الفرصة السانحة هذه الأيام ربما تكون الأخيرة إذا ما استوعب الجميع نتائج ومترتبات الحرب الأهلية إذا ما وقعت، ولأجل الحفاظ على الجميع لا بد أن تتبنى السلطة أو المعارضة الإعلان بالعودة إلى الشعب ليس على أساس فرض رؤاهم وإنما للاستفتاء على بدائل النظام السياسي الحالي الأربع والتي أشرنا إليها أعلاه وتشكيل لجنة وطنية متفق عليها من خارج هذه القوى أو بمشاركتها للتهيئة والإعداد للاستفتاء وتحليل نتائجه التي تعكس رغبات أبنائه في شمال الوطن وجنوبه وتسعى لوضع هدف الوحدة الاندماجية كهدف نهائي يمر بمراحله الطبيعية التي تؤسس لبناء دولة نظام وقانون للجميع. إن إعفاء أو مشاركة هذه القوى السياسية في هذه المرحلة الانتقالية ليس إهمالا أو تقليلا من مكانتها ولكن لصعوبة التوافق ومخاطر التحالف المصلحي الذي لا يخدم المصلحة العليا للوطن، وللحفاظ عليها للقيام بدورها ضمن النظام السياسي الجديد المستفتى عليه شعبيا والمتفق عليه بين أبناء شريكي الوحدة. إن العالم المتحضر يراهن على أن الديمقراطية الحقيقية والتداول السلمي للسلطة والحريات هي المخرج الواقعي لتقدم شعوب العالم الثالث وينظر إلى ما يدور في العديد من الدول العربية في هذه المرحلة باعتبارها مرحلة مخاض، فإما يولد جنينا سليما إذا ما استوعبت كافة قواه السياسية والاجتماعية والاقتصادية مصالحها المشتركة التي تلبي مصالح الغالبية ما لم فإن النتيجة جنين مشوه لا يدوم طويلا. ولهذا فإن العالم بأسره سيدعم القوى التي تتبنى الاستفتاء على الرؤى المختلفة مهما كانت مرارتها لهذا الطرف أو ذاك. وبقراءة سريعة لما يجول في خاطر أبناء شريكي الوحدة فإن الحكم المحلي واسع الصلاحيات لن يلقى دعما وسيكون في آخر سلم الاستفتاء، في حين أن فك الارتباط في الشطر الجنوبي سيكون في تنافس شديد مع الفيدرالية الثنائية شمالا وجنوبا ولن يكون للبدائل الأخرى نسبة تذكر أما في الشطر الشمالي فإن الفيدرالية الثلاثية ستكون الغالب لابنائها وسيحظى الحكم المحلي واسع الصلاحيات بأدنى نسبة منها متجاوزا الفيدرالية الثنائية وفك الارتباط التي لن تجد لها قبولا. وإذا ما كانت النتيجة كما تم قراءتها أعلاه فإن الحفاظ على الوطن وأهله يفرض على الجميع الحوار حول آليات تحقيق نتائج الاستفتاء دون القفز عليها والبحث عن نظام سياسي يلبي ذلك ويحقق الشراكة المتساوية بين أبناء الشطرين والشراكة في السلطة والثروة في إطار كل منها. إن السياسات المتبعة من الحاكم اليوم وبالأمس قد ساهمت في الوضع الحالي وإذا لم تعترف كافة القوى بذلك فإن الصورة التي نشاهدها في السودان وربما أسوأ لن تكون بعيدة، وإذا ما تصادمت السلطة والمعارضة فإن الصومال مثالا أمامها وإذا ما تحالفت وفقا لمصالح ضيقة لا تلبي المصلحة الوطنية فإن المشهد اللبناني خير مثال على ذلك. أما إذا تحققت أهداف إقليمية ودولية تجاه اليمين فإن للعراق الشقيق تجربة قاسية عاد به إلى عقود غابرة من الزمن، وبهذا فالتجارب واضحة والبدائل مطروحة وعلى العقلاء من كل طرف تعزيز وترسيخ المصلحة العليا التي تعترف بحقائق الشراكة أولا وتوزيع السلطة والثروة على أبنائها. أصدقاء اليمن ينتظرون قبل اجتماع مارس المقبل بالرياض أن يقبل اليمنيون بعضهم بعض وأن يتفقوا على كيفية بناء وطنهم وخلق الأمن والاستقرار في المنطقة ما لم فإنهم جميعا على قناعة تامة بعدم ترك الأمور أكثر مما قد وصلت إليه وعندها سيكون الحل خارجيا ومفروضا وفقا لمصالحها. فهل يستوعب الجميع أن القوة لله وأن عجلة التطور والتغيير لن تعود أو تتوقف وأن مصلحة الجميع هي استعادة الحقوق لأصحابها الحقيقيين من خلال الاستفتاء الشعبي لشريكي الوحدة.