كتب/علي محسن حميد هاهي ثورة شارع عربي ثالث تؤتي أكلها في اليمن وتنجز أول مرحلة في انتصارها بعد انطلاق أول مطالبه بتغيير النظام في 15 يناير أمام سفارة تونس احتفاء بسقوط بن علي ونجاح ثورة شباب تونس. والشارع العربي عبارة تتكرر في وسائل الإعلام الغربية على وجه الخصوص منذ أكثر من عشر سنوات من قبل محليين غربيين على القوى الشابة غير المنظمة سياسيا والتي نعاني البطالة والتهميش وتعارضه بصمت الأنظمة الرسمية العربية على اختلاف تسمياتها بعد تفجيرات 11/9 في نيويورك للتدليل على غياب مؤسسات دستورية و انسداد الحياة السياسية في أنظمة يسميها الغربيون نظم الاستبداد العربي المزمن التي تحتقر شعوبها وتحرمهم من المشاركة السياسية وتوظف الدين والعصبية والمال والفساد في خدمة أهل النظام . كل ذلك لخصه تقرير التنمية البشرية الصادر عام 2003 بثلاث كلمات "العجز الديمقراطي العربي " .وكان بعض هؤلاء ومنهم معارضون للحرب على العراق بوجه خاص يحذرون من غضبة الشارع العربي التي قد تسقط أنظمة حليفة للغرب وتضر بمصالحه الاقتصادية والاستراتيجية الكبرى في دولها. عما حدث في 3 يونيو في مسجد دار الرئاسة أقول اللهم لاشماتة وكما حزنا لفقدان شباب في عمر الزهور على يد عسكر النظام وقناصيه وبلاطجته ومرتزقته نحزن بقدر متساو للقتل في المسجد . وإذا كانت يد العدالة السماوية لاتغيب فمن لم تهتز له شعرة في 18 مارس وما لحقها من مذابح وبررها رغم إعلانه الحداد ولكن بعد يومين، ولم يجر تحقيق حتى الأن اهتزت كل شعراته وخلجاته وسقط ضحية عمل يديه الملطختين بالدم وعناده المعجون بغرور السلطة. سيسطر التاريخ بالدم وليس بالحبر وحده يوم 4 يونيو ، يوم مغادرة الرئيس للعلاج من جروحه وشظايا الانفجار كبداية لنهاية عهد فاشل في كل مناحي الحياة وبداية عهد جديد في وطن ينام أكثر من نصف سكانه جوعى ولم يذق مواطنوه طعم الحرية ولذة العيش الكريم ومعنى الجمهورية وثمرة الوحدة سوى لفترة قصيرة أشبه بتعسيلة أو غفوة أو حلم عقب قيام الوحدة التي مسخ أحدمؤسسيها كل معانيها وأزهق روحها قصدا وعمدا منذ اللحظة الأولى . ذلك هو علي صالح وزمرته الباغية،الذين سلبوا إرادتنا وخيبوا آمالنا وسرقوا أحلامنا وعاثوا في الوطن فسادا ولم يقدموا للوطن شيئا يدعو للفخر أو المباهاة .4 يونيو بداية النهاية لحكم العسكر والأسرة والعصابة والكذب والاغتيالات ونهب المال العام والفساد والمحسوبية والمناطقية وتهميش الجنوب وإذلال أهله وتدمير صعدة وإفقار المواطن. صندوق التنمية الاجتماعية تحدث قبل أيام فقط عن وجود أكثر من عشرة ملايين يمني يحتاجون لمساعدات، أي نصف السكان. أين منجزاتك ياصاح أو ياصالح؟ أخاطبك وأنت في مشفاك خارج الوطن الذي حرمته من مقومات التداوي. ولو كان لك منجز حقيقي كما تدعي لما دأبت على تلقي العلاج خارج اليمن . حتى بداية سبعينيات القرن الماضي كان يوجد في صنعاء مستشفى لانظير له في السعودية وكل الخليج والأن قل لنا أين اليمن وأين السعودية؟ . 4 يونيو بداية حكم الشعب وطهارة اليد وتغليب المصالح العامة على الخاصة. 4 يونيو يوم من الدهر لم تصنع أشعته شمس الضحى بل صنعه الشباب بدمائهم وبصبرهم وبإيمانهم وبمعاناتهم جوعا وعطشا، وسلمية ثورتهم التي تتلقى إعجاب كل الشعوب ، وبشعرهم وبأغانيهم- رددي أيتها الدنيا نشيدي - وبرقصهم وبتفانيهم وبعدالة ومشروعية انتفاضتهم الشعبية وصدورهم المفتوحة لتلقي رصاصات جنودك العمياء. 4 يونيو صنعه مواطنو الجعاشن الذين كانوا أول من خيم في العاصمة قبل سنوات طلبا للعدالة من شيخ غشوم ساندت السلطة ظلمه وبشاعة علاقته مع "رعيته"!. الشيخ عرض قبل أسابيع طبقا لصحيفة الجارديان 750 الف دولار للجعاشنيين استرضاء وخوفا من كير الثورة والعدالة التي غابت وغيبها نظام صالح. هل كان يتصور أحد منا أن صالح الأتي من أسرة فقيرة والذي لم يسد رمقه ويشبع جوعه سوى التحاقه بالجيش في عهد الإمام سينحاز ضد فقراء وفلاحين مثله إلى جانب شخص يمثل إقطاعيي القرون الوسطى . أحمد سيف حاشد ومتوكل كرمان وقفا مع مظلومي الجعاشن نيابة عنك لأنك تكره العدل وتنحاز للظلم والجور. 4 يونيو أعاد لنا جميعا فرحة 22 مايو التي اغتالها صالح كما اغتال جسديا عددا من الوحدويين عقبها وقبلها . في مطلع يوليو 1990 سألني البروفسور مايكل هدسون في منزل الدكتور عبد الكريم الإرياني عن رأيي في الوحدة فرديت أني ولدت في هذا اليوم وكانت ملاحظة الدكتور أني عانيت كثيرا. قبل ذلك بأيام كنت و هدسون والبروفسورروبرت بوروز صاحب مقال الحكام اللصوص نهتف ثلاثتنا في بحر عدن وحدة، وحدة، لاشمال ولاجنوب . من يجرؤ اليوم في عدن أن يررد هذه الكلمات بصوت عال؟ لاأحد. المعاناة استمرت بعد فرحة اغتالها صالح . 4 يونيو نهاية حكم العسكر وبداية مرحلة تحترم فيها الوظيفة العسكرية ولاتهان أو تكون جزءاً من منظومة الفساد والقمع.يروي الأستاذ محسن العيني أنه تحدث مع الرئيس قائلا له إن الدور الأساسي للجيش هو حماية الحدود والبقاء في الثكنات وليس الوثوب إلى كراسي السلطة والقيام بانقلابات لانهاية لها من قبل ضبا ط طامحين يرى كل منهم أنه الأحق بالحكم وبالتالي يفكر بما يفكر فيه من سبقه أي القيام بانقلاب وهكذا يجلس الضباط في غير مقاعدهم الطبيعية ويعرضون أنفسهم للقتل جراء الانقلابات المتتالية وضرب لمحدثه ،الرئيس، الذي لم يتوقع سماع ماسمعه ولم يتقبل بسهولة هذا القول، مثلا بالعسكرية الغربية وتقاليدها التي تبعد الجيش عن السياسة وبالتالي يوفر الضابط رأسه ويقضي حياته العملية مع أسرته وما بقي منها في تقاعد مريح وكريم في نواد عسكرية تقدم تسهيلات تليق بخدمتهم الوطنية وبعض هؤلاء يكتبون مذكرات تجعلهم يعيشون في الذاكرة الوطنية كمواطنين صالحين أويعملون خبراء الخ. لم يعجب الرئيس السابق هذا الكلام وغضب من العيني ربما لأنه رأى حينها وهو يرتب للتوريث أو لتصفير العداد بعبارة أخرى،أن حكمه حق إلهي لاينازع ، أما سلامته فهو كفيل بها بالاحتياطات الأمنية الشديدة التي تنزع الثقة من أقرب المقربين وكبار المسئولين. ما عاناه اليمن من تدخل العسكر في السياسة مهما كانت نواياهم درس لايجب أن يتكرر وفصل في تاريخه سينتهى بلا رجعة وصفحة ستطوى إلى الأبد لأن موقعهم الطبيعي هو الثكنات والمواقع وليس كراسي الحكم. وهنا أكرر ماكتبته في صحيفة يمن تايمز عام 1994 بأن يتولى وزارات الدفاع والداخلية والأمن شخصيات مدنية. وضع الجيش لوحده بحاجة إلى تغيير جذري للتطهر من الفساد الذي مارسه قلة قليلة من عناصره في عهد كان كله فاسدا بل ويشجع على ارتكاب جريمة الفساد. وحسنا أدرك ثوار التغيير من الشباب ضرورة وجود فصل بين السياسة وبين دور الجيش شبيه بالفصل بين السلطات الثلاث وبدون ذلك لاثورة ولايحزنون. ونفس الأمر ينطبق على المشايخ فدورهم الاجتماعي في مناطقهم وليس خارجها . وكذلك مشايخ الدين أو العلماء ودورهم في المساجد ومن أراد من الشريحتين ممارسة السياسة فعن طريق الأحزاب وبالشروط الحزبية التي تقوم على المواطنة المتساوية. الرئيس لم يرد الخروج من السلطة سالما غانما حياته ولكن كما دخلها بالدم وبالعنف.وهاهو يغادر للعلاج في السعودية محروم من الصورة التي عشقها وكان في بداية حكمه يهتم باستمرار ظهورها في التليفزيون ويستقطب المصورين للعمل في الرئاسة تحت وهم أن الصورة لاتكذب ولكن العهد المليئ بالإخفاقات لاتجمله صوره ولا أناقته. ونعرف أن الأستاذ علي الجمرة مدير التليفزيون الأسبق طلب منه تخفيف بث صورالمرحوم القاضي عبد الكريم العرشي. فقط في النوات الأخيرة تعودنا على رؤية صور بعض المسئولين في الصفحة الأولى من الصحف الرسمية. الرئيس لم يكن يتحرك إلا والكاميرا وراءه وخلفه حتى طائرته التي تقله في رحلاته الخارجية كانت تصور الطائرة في الجو قبل هبوطها. لقد ملأت صوره كل الشوارع وكل مكتب والبعض وصل به الخوف حد وضع صوره في البيت لئلا يقال إن ولاءه للنظام غير كامل .كان صالح يختلق المناسبات لنشاهد صوره في التليفزيون وكان بث صدور القرارات والقوانين في التليفزيون ينظم بحيث يسد الفراغ في حالة عدم وجود نشاط لامعنى له للرئيس لكي نشاهد صورته في تليفزيون طلقه المشاهد منذ سنواتة طويلة ومع هذا زعم استطلاع لوزارة الإعلام بأن المشاهد اليمني يحب مشاهدة النشرة الطويلة وقد كانت طويلة ومملة لأن أخبار الرئيس هي ما يجعلها طويلة( وصل وقت بعض نشاطات الرئيس 50 دقيقة ) وفي إحدى المرات وجه الرئيس بأن يعمل التلفزيون على أن تكون وقت الصور أطول. بعد سقوط نظام صدام حسين قال الرئيس قولته الشهيرة نحلق قبل مايحلقوا لنا وأنزل صوره من الشوارع ولكن كانت تلك فترة قصيرة ثم عاد إلى سيرته الأولى وبكثافة. سئلت في قناة الجزيرة في 2005 عما يقصده الرئيس بمقولته هذه فأجبت بأن الأفعال أهم من الأقوال فقامت قيامته واتهمني بعدها بأني ملكي ولم يقبل دفع عبد الملك المخلافي بأن ذلك غير صحيح لأنه يعرف مالايعرفه كل الناس. ونحن الآن نعيش فرحتنا بنهاية حكم الطغيان والتخلف يظل الماضي مشتبكا معنا ولايتركنا لأن صالح نجح في جعل نفسه محور كل شيء وجعل اليمن دولة فاشلة ومتسولة تتعدد فيها مراكز القوى وتغيب فيها هيبة الدولة ودورها التنموي وتسقط في بئر سحيق نزاهة موظفيها إلى حد أن مواطني كثير من المحافظات لايريدون هؤلاء الموظفين الذين لاهم لهم إلا نهبهم وهتك كراماتهم وسرقة الميزانيات المخصصة لخدمات بائسة يخجل أي نظام يحترم نفسه من اعتبارها انجازات. اليمن في الغد أجمل بدون صالح غير الصالح الذي أفسد عن قصد كل شيء.