استطلاع/ رشيد الحداد مسيك أحد الأحياء السكنية الأكثر ازدحاما بالسكان، يقع بين مديريتي آزال وشعوب ويقطنه قرابة 40 ألف مواطن، يتسم حي مسيك بعدد من الخصائص الاستثنائية التي قلما توجد في أحياء أخرى في أمانة العاصمة، من خصائصه تفاعل الفقر الشديد والإرهاب بكافة مستويات خطورته، فالسواد الأعظم من ساكنيه يعانون من فقر مدقع وبطالة سافرة وأطلق اسم مسيك على الحي نسبة إلى الصحابي الجليل فروة بن مسيك المرادي حيث تم تسمية حي آخر باسم فروة وحي مسيك الأول يتبع مديرية شعوب حسب التقسيم الإداري الأخير وحي مسيك يقع في إطار مديرية آزال وتشير المصادر التاريخية إلى أن الصحابي فروة بن مسيك كان شاعرا أيضا ويقع قبره في جامع مسيك.. علاقة الارتباط بين الدور التاريخي في الفتوحات الإسلامية للصحابي فروة بن مسيك شكل دافعا رئيسا لاختراق حي مسيك الفقير من قبل الجماعات الجهادية وتنظيم القاعدة، حيث وجدوا في حي مسيك ملاذا آمنا لنشاطهم وعملية إعداد وتأهيل شباب قاعديين بسبب ارتفاع مستويات الفقر والبطالة.. إلى التفاصيل. مسيك ومظاهر الإهمال خلال نزولنا الميداني إلى حي مسيك لاحظنا مظاهر الإهمال لأزقة الحي أو شوارعها الداخلية أو الحديقة الوحيدة أو المجسم الجمالي التابع للحي، فقبل أن تطأ قدم الزائر حي مسيك تلاحظ تجاهل الحي المزدحم بالسكان من قبل السلطات المحلية، وتحديدا الإدارة المحلية التي لا تهتم سوى بجباية رسوم المياه والكهرباء بأي وضع وبإضافة مبالغ مالية لصالح الإدارة المحلية كموارد من مواردها.. فحسب ما قيل لنا إن الفواتير تأتي أواخر كل شهر حتى لو لم تكن هناك مياه، فكل شيء محسوب على مجتمع الفقراء، وفي حي مسيك التقينا الأستاذ/ عبدالمنعم الحبابي وحاولنا معرفة أوضاع الحي فكان الجواب أن الأوضاع في غاية الصعوبة وغاية الإهمال وأفاد الحبابي أن حديقة المشهد وهي الوحيدة التي تتبع حي مسيك لها ما يقارب 4 سنوات محفرة ومهملة وفي كل عام تدرج في الموازنة المحلية وفي الأخير لم يتم تأهيلها، وأشار إلى أن المواطنين طالبوا أكثر من مرة السلطة المحلية بإعادة تأهيلها ولكنها تبرر عدم تأهيل الحديقة بأن عملية التأهيل تعود إلى إدارة الحدائق بأمانة العاصمة ومرة أخرى تبرر بأن عملية إعادة التأهيل من مهام الصندوق الاجتماعي للتنمية والمبرر الثالث أن ذلك يقع على عاتق المديرية، وأكد الحبابي أن الإدارة المحلية عملت على ترميم مقبرة في داخل مسيك لكن مواطنين آخرين اعتقد أن عملية الترميم لمقبرة قديمة لم يكن من قبل الأوقاف أو بسبب الاهتمام بها وإنما الأرضية تجعل الكثيرين يهتمون بها سيما وأن حديقة المشهد المهملة كانت قبلُ مقبرة ونبشت، وحول حالات الضمان الاجتماعي قال إن هناك مواطنين مسجلين لديهم وآخرين لم يسجلوا إلا أنه أكد أن حي مسيك من أفقر أحياء أمانة العاصمة على الإطلاق، لكنه أفاد بأن هناك قلة هم الأثرياء. نسق الفقر والإرهاب فاقة الفقر دفعت بالعشرات -إن لم نقل المئات- إلى أحضان الجماعات الجهادية المتشددة التي استغلت ضآلة المادة لدى الأطفال والشباب من أبناء الحي او الساكنين من المحافظات الأخرى ومن خلال لقائنا بعدد من شباب الحي والذين تحدثوا بدون تحفظ عن أوضاع مسيك، حيث أفادوا بأن مسيك فيها الجهاديون والقاعديون وفيها انتشرت مظاهر الانحراف ويعزون عدم استقرار حيهم إلى تفشي الفقر والبطالة وغياب الاهتمام الحكومي بأهالي الحارة خصوصا من الشباب الذين يتحولون إلى قنابل موقوتة دون أن تعرف أسرهم ذلك، وانقسم الشباب بين مؤيد لمن ينتقل إلى العراق للجهاد مع الجماعات الجهادية كون ذلك الجهاد الحقيقي وبين رافض للفكرة من الأساس كون معظم الشباب الذين فروا من أسرهم إلى العراق للجهاد أسرهم بأمس الحاجة إليهم واعتبر هذا الفريق الجهاد على النفس وعلى لقمة العيش من أعلى مراتب الجهاد، وأجمع كل الشباب الذين استقصينا آراءهم في حي مسيك على أن العمل الإرهابي داخل البلد إجرام وتخريب للوطن وسمعته، وأبدوا تذمرا من الشباب الذين تم استقطابهم من قبل تنظيم القاعدة الذين أساءوا لأبناء مسيك حد قولهم، وجعلوا جميع شباب مسيك تحت المراقبة الأمنية. اختفاء الشباب اختفى العشرات من شباب مسيك خلال السنوات السبع الماضية منهم من بلغ أسرته حال وصوله الحدود العراقية السورية متجها إلى الأراضي العراقية للجهاد ضد الاحتلال الأمريكي وآخرون لم يبلغ أسرته إلا بعد سنوات من الاختفاء وقيل لنا إن البعض اتصل لمرة واحدة قبل أن ينفذ عملية انتحارية في بغداد أو ديالى أبلغ أسرته أنه موجود في العراق وسيقوم بتنفيذ عملية انتحارية وأن اتصاله ذاك يعد الأخير ويطلب منهم الدعاء له والمسامحة كونه أصبح ميتا والبعض منهم أوكل إلى حركة الجهاد بالاتصال بأسرته عقب العملية ليبارك لأسرته بنجاح العملية وأن ابنهم المختفي قد أصبح شهيدا في سبيل الله أما البعض ممن اختفوا فقد وقعوا في أيدي حرس الحدود السوري والبعض منهم تم إلقاء القبض عليهم في العاصمة السورية دمشق وتم تسليمهم إلى جهاز الأمن السياسي اليمني وظلوا سنوات في السجن ولم تعلم أسرهم إلا بعد مضي سنوات من سجنهم أنهم أحياء يعيشون في سجون الامن السياسي، أما فريق ثالث فقد كشف نواياه لأسرته قبل رحيله إلى العراق وتم إفشال مخطط الهروب من قبل الأسرة. شباب في شراك الأمن والقاعدة يتحدث محمد وطارق وإبراهيم من أبناء حي مسيك -وجميعهم شباب على إدراك كامل بما يجري في الحي من استقطاب الحركات الجهادية وكذلك خلايا تنظيم القاعدة النائمة التي تتولى مهمة الاستقطاب والإعداد- حيث ذكروا عدة أسماء من شباب غررت تلك الجماعات بهم وحولتهم إلى قنابل موقوتة، منهم هاني الحارثي الذي نجح الجهاديون في تهريبه إلى العراق قبل عامين للالتحاق بجماعات جهادية وهناك قام هاني بتفجير نفسه في عملية انتحارية ذهب ضحيتها وكل ما قامت به الحركة ليس سوى اتصال هاتفي لتبلغ أسرته بأن دم ابنها ليس رخيصا وإنما غال وقد قام بتنفيذ عملية انتحارية ضد الأمريكان وهي عادة الحركات المتشددة التي تبارك أسرة من يقوم بتنفيذ عملية انتحارية، وإلى جانب هاني الشاب كمال بادر 25 سنة والذي توفي هو الآخر بعملية انتحارية في العراق وكذلك أمير الدين الورثي الذي تم إلقاء القبض عليه في نقم وهو من أعضاء تنظيم القاعدة وينتمي إلى حارة مسيك يضاف إلى أولئك معاذ الزرود أحد أبناء الحي والذي تم إلقاء القبض عليه في سوريا وتسليمه إلى الأمن السياسي وأسماء أخرى ك نبيل عوضة وعلي الديلمي ومحمد الحرازي وسليم الديلمي الذي عاد من العراق بعد أن فقد أحد أطراف جسمه السفلي (فخذه) نتيجة انفجار قنبلة في اشتباك بين المجاهدين والقوات الأمريكية في بغداد وعاد بعد ذلك إلى اليمن ليبدأ حياته الجديدة، كما أشار الشباب الذين التقيناهم إلى أن هناك عدداً من أعضاء تنظيم القاعدة يترددن على حي مسيك لوجود عدة ارتباطات لهم في الحي، فعدد من أسماء أعضاء تنظيم القاعدة البارزين في اليمن بدت مألوفة لعدد من الشباب، حيث ردد البعض منهم اسم قاسم الريمي وناصر الوحيشي وحمزة الضياني كما تحدثوا عن عدد أعضاء خلية مسيك الإرهابية التي ألقت الأجهزة الامنية القبض عليها في سبتمبر عام 2006م والتي تباينت الأحكام على أربعة متهمين منهم بالسجن ما بين 3 أعوام وعامين ونصف بتهمة التخطيط للقيام بأعمال إرهابية واستهداف السياح الأجانب بواسطة الأحزمة الناسفة. مأساة الحاجة فتحية بعد عدة محاولات نجحنا في إقناع الحاجة فتحية أم أحد المجاهدين الذين فروا إلى العراق بالحديث عن ابنها نبيل الذي قالت إنه لا زال حيا ولم يمت، من خلال لقائنا بها بدت عليها ملامح الحسرة والندم على ابنها الذي تركها وهي في ظروف صحية صعبة، حيث كانت في المستشفى وقررت لها عملية جراحية وهي في فراش المرض خرج نبيل عوضة الطالب في الصف الثاني الثانوي ليشتري لها عسل ولكنه قال إنه سيذهب إلى منطقة دمت لشراء العسل ويعود، ولكنه خرج ولم يعد تقول أم نبيل بعد عدة أيام من اختفائه اتصل بنا من العراق، قال: أنا في العراق ذهبت للجهاد لا تركنوش على عسل.. وتتابع أم نبيل حديثها والدموع تنهمر من عينيها لا زال نبيل ولدي حي لأنهم ما اتصلوش بنا (تقصد حركة الجهاد) وأضافت: كان آخر اتصال له بنا في عيد الأضحى، المسنة فتحية التي تعيش ظروفاً معيشية قاسية وبأمس الحاجة لعودة ابنها إلى الجهاد الحقيقي على النفس وكفالة الأهل بدلا من الموت انتحارا إرضاء لنزوات التشدد الديني ولذلك تتمنى الحاجة فتحية أن يعود ابنها نبيل عوضة إليها سالما. مخاوف من جيل ثالث أجمع جل من التقيناهم من شباب وآباء في حي مسيك على أن أمواج الإرهاب والفقر يتلاطم بمستقبل عشرات الأطفال والشباب الذين يتم استقطابهم من حين لآخر، حيث كشفت مصادر مؤكدة من أبناء حي مسيك أن لقاءات سرية تجري في الحي بين فترة وأخرى من قبل من يعتقد أنهم خلايا نائمة من تنظيم القاعدة، حيث أفادت المصادر أن تنظيم القاعدة يقوم بإعداد جيل ثالث من أبناء مسيك الفقراء للالتحاق بتنظيم القاعدة حيث يتم استقطابهم من مدارس تحفيظ القرآن الكريم في مسيك وبالتحديد في جامع المشهد وجامع مسيك ويجتمعون في المنازل، وأكدت المصادر أن هناك عدداً من صغار السن تم استقطابهم خلال الأشهر الماضية ويتم تدريبهم حاليا، وطالبت الأهالي بالقيام بمراقبة الشباب والأطفال وقيام كل أسرة بواجبها لكي لا يقعوا في شباك القاعدة كما وقع عشرات الشباب. استراتيجية الاستقطاب استراتيجية الاستقطاب وكيف يتم استقطاب الشباب في حي مسيك من قبل الإسلام المتشدد؟ سؤال تباينت الإجابة عليه، فهناك من قال إن الفقر السبب وآخر قال إن الأسرة السبب، ولكن حاولت الوسط على انتزاع الإجابة من (زكريا 16 سنة) والذي كان من ضمن مجموعة تتكون من 15 فردا في مرحلة الإعداد والصناعة يقول زكريا تم استقطابي إلى الجامع أولا من قبل زميل لي في الحي، حيث علمت أن عددا من الذين يروحون الجامع يحصلون على فلوس يوميا يتم تنظيم رحلات أسبوعية لهم فالتحقت بهم إلى الجامع للصلاة والعبادة وجلست فترة معهم كانوا يعتبرونها مرحلة تعارف الجماعة فيما بينها.. وأضاف: كنا نجلس نصف ساعة بعد كل صلاة وكانت الجماعة تقوم كل يوم خميس وجمعة بتنظيم زيارات لنا إلى أرحب ومناطق أخرى خارج صنعاء ويأخذونا بسيارات ويوفرون كل ما نحتاج بسخاء على حسابهم، فكانوا يشترون لنا القات بمبالغ كبيرة والاكل يقدمونه من أغلى أنواع الأكل، وبعد فترة كان واحد يأتي إلى عندي وبعد السلام يقول لي يا أخي حلمت أنك مع الرسول، وتابع قائلا: هذا الكلام كان بعد فترة ولكن ترددت العبارة أكثر من مرة خلال فترة قصيرة حيث قال لي شخص آخر حلمت أنك حشرت مع الأنبياء والصالحين وأنك دخلت الجنة، وأضاف بعد هذه الفترة كانوا يسلمون لي مصروفاً يومياً، وأكثر الأيام يقدمون لنا الأكل، وحول ما إذا كانت الجماعة تذكر الجهاد في الاحاديث التي تقدمها قال كنا نتناقش بعد صلاة العشاء والفجر في الدين والفكر ولم يكونوا يذكروا الجهاد ولكن بعد فترة بدأ الترغيب فيه بعد شهر من استقطابي وحول أسباب الخروج من شباك إعداد الجيل الثالث من ضحايا التشدد الديني في حي مسيك الواقع في قلب العاصمة، أكد زكريا أن الأمن السياسي راقبه وأبلغ والده وعندما علم والده وتأكد من وجود اسمه في كشف يتبع الأمن السياسي قام والده بضربه ومنعه من المشي مع الجماعة.. وأضاف زكريا: جلست أسبوعاً مع الجماعة وكنت مرتاحاً من حيث الفلوس والراحة فهم يتركون الباب مفتوحاً ويقدمون كل شيء ولكن قلت لماذا أضيع حياتي ودراستي وأعمل لي مشاكل مع أسرتي وخرجت منهم وبعد ذلك (بطلت أروح الجامع بالمرة) وحول متى كان ذلك وهل لا زالوا متواجدين؟ قال زكريا كان ذلك قبل 4 أشهر ولم أعد أشاهدهم في الحي إلا نادرا خصوصا وأني تخليت عن الجهاديين، ونصح زكريا الشباب في حي مسيك بعدم الانخراط مع تلك الجماعات والسعي إلى العمل بدلا من إغراءات القاعديين المالية التي يقدمونها للناس الغلابى حسب قوله فهم يسعون إلى استقطاب الشباب الفقراء وعمل غسيل مخ لهم. القاعدة والمنزل المهجور في نطاق حي مسيك يوجد منزل يحمل ملامح مواجهات عسكرية استخدم فيها أسلحة متوسطة قيل لنا إنه منزل الشيخ مجاهد القهالي رئيس تنظيم التصحيح الناصري الذي أعلن اندماجه في إطار المؤتمر الشعبي العام عام 2007م، كما علمنا أن المظهر العام للمنزل الذي تبدو عليه علامات الرصاص الناتجة عن الهجوم الذي قامت به قوات عسكرية والتي اقتحمت منزل القهالي خلال أحداث 94م نظرا لميوله الاشتراكي حيث كانت هناك حملة موجهة ضد القهالي ومنازله في أمانة العاصمة وعدن، ذلك المنزل المهجور من ساكنيه قصده عدد من أعضاء تنظيم القاعدة المطلوبين أمنيا، منهم حمزة الضياني الذي سكن فيه عدة أشهر وعدة مرات خلال السنوات الماضية، وأفاد المواطنون أن القوات الأمنية تفتش المنزل المهجور بين فترة وأخرى تحسبا لوجود عناصر قاعدية فيه.