* رشيد الحداد في الوقت الذي تتولى تحذيرات الاقتصاديين من مغبة انضمام اليمن إلى منظمة التجارة العالمية ضاعفت الحكومة من جهودها في الآونة الأخيرة لتهيئة الجانب التشريعي بما يتوافق مع مطالب منظمة "الجات" قبل تاريخ ال28 من الشهر الجاري موعد انعقاد الاجتماع الثامن لفريق العمل الخاص بانضمام اليمن إلى المنظمة، ولكن يتضح أن خطوات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية التي بدأت قبل 14 عاما لا زالت ارتجالية غير محددة الأهداف ولا غايات لها سوى تبديد المزيد من الأموال تحت يافطة بدل سفر من وإلى جنيف وإلى الدول الأعضاء في "الجات" التي يتم التفاوض معها كاليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وأوكرانيا وهندوراس ودول اخرى، البعض منها لا تربط اليمن بها علاقات تجارية قوية ولا يشكل الاتفاق معها إلا متغيراً في معادلة الاقتصاد اليمني الذي يصنف بالاقتصاد الهش لاعتماده على مصادر غير مستقرة وافتقاره لمصادر اقتصادية ثابتة، وما يضع الاتجاه الحكومي الأخير نحو تلبية مطالب منظمة الجات في دائرة الشك هو إقرار لجنة السياسات العامة الخاصة بانضمام اليمن إلى المنظمة العالمية في اجتماعها الأخير 21 يونيو الماضي القفز على الواقع، حيث شددت اللجنة على ضرورة التسريع باستكمال التشريعات المطلوبة خلال موعد أقصاه 20 من الشهر الجاري، وفي ذات الاتجاه شكلت الحكومة منتصف الأسبوع الماضي لجنة قانونية برئاسة مستشار وزارة الشئون القانونية لإعداد حزمة التشريعات القانونية ورفعها إلى مجلس الوزراء لمناقشتها وإحالتها إلى مجلس النواب للتصويت عليها خلال موعد أقصاه 20 يوليو الجاري. ما يزيد الأمر غرابة أن عدد القوانين المطلوب إعدادها من قبل اللجنة المكلفة بالإعداد يتجاوز 13 قانوناً و13 لائحة تنفيذية يتطلب إعداد كل قانون 30 يوما كفترة إعداد من قبل اللجنة ثم فترة زمنية أخرى للفحص والتدقيق في مضمون القانون وبنوده ومدى تعارضه مع قوانين سارية وتطابقه مع مواد الدستور والاتفاقيات الدولية يضاف إلى ذلك وجود عدد آخر من مشاريع القوانين ذات صلة في إدراج لجنة التجارة والصناعة في مجلس النواب قد عفا عليها الزمن وأصبحت لا تجاري مطالب منظمة التجارة العالمية ولم تدرج في جدول أعمال المجلس منذ سنوات كقانون الجمارك الجديد وقانون التجارة الداخلية وقانون حماية الإنتاج الوطني وقانون الاستثمار الذي ادرج في جدول أعمال مجلس النواب في دورته الحالية. من جانبه أكد محمد الفسيل رئيس اللجنة المكلفة بإعداد التشريعات أن اللجنة ستنجز إعداد حزمة التشريعات القانونية خلال 10 يوليو وأشار لمصادر إعلامية إلى أن المشاريع المتعلقة بانضمام اليمن إلى منظمة الجات تتعلق بإزالة بعض النصوص التمييزية في مجال حقوق المتاجرة وتعديل الرسوم وتحويلها إلى مبالغ مقطوعة وسن القوانين المنظمة لحقوق الملكية الفكرية. الجدير ذكره أن الاتجاه الحكومي المتسارع في إعداد الجداول والالتزامات مع الدول التي يتم التفاوض معها كالولايات المتحدةالأمريكية التي تم التوقيع معها بالأحرف الأولى على اتفاقية نفاذ السلع ويسعى فريق العمل الخاص بالانضمام إلى منظمة الجات إلى التوقيع النهائي على اتفاقية نفاذ السلع مع الجانب الأمريكي أواخر الشهر الحالي إلا أنه لم يضع في الاعتبار القدرة التنافسية للسلع والمنتجات اليمنية في تلك الأسواق حيث وأن صادرات اليمن لا زالت متواضعة إلى أدنى الحدود ومعظمها خامات أولية وليست سلعاً مصنعة محليا، فحجم صادرات اليمن من السلع والخدمات لا يتجاوز ال7 مليارات دولار سنويا و99% من الصادرات مواد خام، كما أن اليمن سوق مفتوحة كونه مستورداً بنسبة 90% وبحسب التقارير الحكومية أواخر 2009م فإن معدل الاستهلاك تجاوز ال9 مليارات دولار، التقارير الرسمية أكدت ارتفاع العجز التجاري بين اليمن ودول العالم إلى 25% حيث سجلت قيمة صادرات اليمن إلى العالم انخفاضا من 1.519 ترليون ريال عام 2008م إلى 1.179 ترليون ريال العام الماضي بتراجع بلغ 340 مليار ريال عزاه اقتصاديون إلى انخفاض صادرات اليمن النفطية التي بلغت حوالى 320 مليار ريال. وفي سياق المفارقات الحكومية التي دعت إلى إعادة النظر في اتفاقية الانضمام إلى منظمة التجارة العربية الحرة الكبرى التي وافق المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لجامعة الدول العربية على برنامجها التنفيذي عام 1981م وأقرت بموجب قرار جامعة الدول العربية رقم 1317 الصادر بتاريخ 17 فبراير 1997م وصادق عليها اليمن في 97م وتم إطلاق منظمة التجارة الحرة العربية في بداية عام 2005م والتزمت بخفض الرسوم الجمركية تدريجيا وتقليص الضرائب بنسبة 58% حسب الاتفاقية العربية. ورغم التراجع المضطرد للتبادل التجاري بين اليمن والدول العربية إلا أن الآثار المترتبة على الانضمام إلى اتفاقية التجارة الحرة العربية كان لها انعكاس سلبي على الخزينة العامة للدولة نتيجة التخفيض التدريجي لرسوم الجمارك والضرائب والتي بلغت 135.5 مليار دولار عام 2008م حسب تقرير وزارة الصناعة والتجارة. وهنا يضع السؤال نفسه إذا كانت اليمن بلداً غير مصدر ومواردها محدودة وكان الأثر الإيرادي لاتفاقية منطقة التجارة العربية الحرة قد أثر سلبا على تنمية الإيرادات الجمركية من جانب وعلى المنتجات الوطنية الصناعية التي كشفت عن تواضع قدراتها التنافسية في الأسواق العربية، ماذا سيترتب على انضمام اليمن إلى منظمة التجارة العالمية؟ قد تتلقى اليمن المزيد من الدعم حال انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية ولكن قد لا تتناسب مع حجم التنازلات التي ستقدمها مقابل الانضمام خصوصا تخفيض الرسوم الجمركية إلى أدنى الحدود أو إلغائها، كما لن تحقق اليمن أدنى الأهداف إن وجدت في السنوات القادمة حال انضمامها أواخر العام الحالي وهو أمر مستبعد كون تكييف النظام التجاري لا زال في أدنى الحدود، فالشركات الخاصة والعامة لم تطبق نظام الحوكمة ولم يتم استكمال متطلبات إنشاء سوق أوراق مالية يضاف إلى أن السوق اليمني يغلب عليه احتكار القلة من جانب والعشوائية المفرطة وغياب أخلاقيات حرية السوق، وما كان يجب أن يكون هو توفير بيئة منافسة لتسريع عملية النمو الاقتصادي وإصلاح الاختلالات الهيكلية للاقتصاد الوطني وتعزيز دور القطاع الإنتاجي غير النفطي ووضع استراتيجية شاملة للقطاع الصناعي والعمل على إزالة الصعوبات التي يواجهها لكي يتجاوز مرحلة الركود لا القفز على الواقع.