الرئيس العليمي: مليشيات الحوثي تواصل الهروب من استحقاق السلام ودفع روات الموظفين إلى خيار الحرب    تمييز وعنصرية.. اهتمام حوثي بالجرحى المنتمين للسلالة وترك الآخرين للموت    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    مع استمرار هجمات المليشيات.. ولي العهد السعودي يدعو لوقف أي نشاط يؤثر على سلامة الملاحة البحرية    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    موقف بطولي.. مواطنون يواجهون قياديًا حوثيًا ومسلحيه خلال محاولته نهب أرضية أحدهم.. ومشرف المليشيات يلوذ بالفرار    إصابة مواطن ونجله جراء انفجار مقذوف من مخلفات المليشيات شمال لحج    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    أسباب أزمة الخدمات في عدن... مالية أم سياسية؟؟!!    من يقتل شعب الجنوب اليوم لن يسلمه خارطة طريق غدآ    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    يوفنتوس يتوج بلقب كأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على ضوء أحداث مصر الأخيرة:
"الإسلاميون".. إلى أين يدفعون المنطقة؟
نشر في الوسط يوم 29 - 12 - 2012

تشهد مصر، وهي البلد العربي الأكبر والأهم والأكثر تطوراً، أحداثاً وتطورات ساخنة وعاصفة ومتصاعدة منذ إقدام الرئيس/ محمد مرسي على إصدار إعلان دستوري "رابع"، تسبب في تفجر احتجاجات وانتفاضات شعبية غاضبة وعارمة، منذ إصداره في 21/11/2012م، تواصلت وتصاعدت بأسلوب سلمي ومسئول، حيث نصبت عدة خيام معدودة بجوار سور قصر العروبة أو الاتحادية في اعتصام رمزي مسالم وهادئ، لتشهد تصعيداً خطيراً للغاية حين نظم "الإخوان المسلمون" وحلفاؤهم من القوى "الإسلامية" مظاهرة تضم بضعة آلاف من أتباعهم إلى محيط قصر الاتحادية، الذي هو مقر الحكم الرسمي، وقيامهم بالاعتداء الفجائي على النفر القليل المعتصمين هناك وتدمير خيامهم والاعتداء عليهم بالضرب المبرح، وتطوعهم لإزالة وتنظيف الشعارات والرسوم التي وضعها المتظاهرون الذين احتشدوا للتعبير عن رفضهم للإعلان الدستوري المثير للغضب الواسع، وزاد "الإسلاميون" من أنصار ومؤيدي الرئيس مرسي على ذلك بكسر باب أحد المحلات التي تبيع، ضمن مبيعاتها، خمورا، ونهب بضعة "زجاجات" منها وعرضها على وسائل الإعلام، وهم في حالة هياج، مضافا إليها أقراص تُستخدم في "منع الحمل"، على أنها كانت في حوزة وداخل خيام الفتية المعتصمين!! ليشكل ذلك العدوان والهجوم "المليشياوي بامتياز شرارة ردود فعل غاضبة وحاشدة من المواطنين نتج عنها أعمال عنف وقتل وسفك دماء وتدمير وإحراق بعض مقرات "جماعة" الإخوان المسلمين في العاصمة وعدد من المدن والمحافظات المصرية، وكانت للإسلاميين من قبل تظاهرات عديدة حرصوا خلالها على حشد الآلاف من مناصريهم تارة تحت شعار "حماية الرئيس" و"تأييد قراراته" و"دعم الإعلان الدستوري" ومنها من اتخذت شعار "نصرة الشريعة والشرعية" ولا تزال مظاهراتهم متواصلة دون انقطاع، بدا أن الهدف منها استعراض قوتهم وعضلاتهم، على أن أكثر التظاهرات خطورة وأبلغها دلالة، إضافة إلى المظاهرة "المليشياوية" العنيفة في الاعتداء على المعتصمين المسالمين في محيط "الاتحادية"، كانت تلك التي وجهت معادية للمحكمة الدستورية العليا ومحاصرتها حصارا لا يزال مضروبا عليها حتى هذه اللحظة وتلك التي ذهبت إلى دار القضاء العالي مطالبة كلها بتطهير القضاء حسب زعمهم، وآخرها التي توجهت مؤخرا إلى مدينة الإنتاج الإعلامي التي تضم مكاتب ومحطات كثير من القنوات المرئية، وكثير منها أهلية وليست حكومية، مطلقة شعارات بالغة الخطورة ووصفها ب"المجاري" و"البلاليع" و"دور الدعارة" وغيرها من العبارات البذيئة والمطالبة بما أسمته "تطهير الإعلام"!! ووقف ما تراه تحريضا ضد "الإسلام"!!
والواقع أن مجمل الممارسات والمواقف التي أشرنا إليها آنفا، وغيرها، تشير بوضوح تام إلى حقيقة أننا نواجه هجمة منظمة ومنسقة ومتكاملة وشرسة يقودها وينفذها التنظيم السري للإخوان المسلمين ومعه، للأسف الشديد، القوى السلفية المتحالفة والمناصرة له، من حيث كنت أعتقد، من واقع المؤشرات النظرية والخطاب السياسي والإعلامي والممارسة السياسية التي لمحتها من تجربة إقامة حزب "الرشاد اليمني" من قبل بعض القوى السلفية في اليمن، بأن التيار السلفي الغالب سيكون أكثر عقلانية وشعورا بالمسئولية، وفقا للمضامين الأكثر إيجابية والأقل غلوا التي تضمنه بيان وأدبيات تأسيس "حزب الرشاد" في اليمن، ولكن وعلى خلاف ذلك الاعتقاد ظهرت القوى والأحزاب ذات المنحى السلفي في مصر، أو قل أغلبيتها الكبيرة، بأنها قبلت بخيارات "الإخوان المسلمين" وانضوت تحت لوائها بشكل كلي فيما يتعلق بالأحداث التي عاشتها مصر مؤخرا، ولا تزال، على نحو متطابق.
إن هذه الهجمة المنظمة والمتكاملة هي ما نهدف إلى التوقف عندها لدراستها وتحليلها لمعرفة دوافعها وأبعادها وأهدافها على ضوء الخلفية التاريخية لتجربة تنظيم الإخوان من النواحي الفكرية والسياسية والتنظيمية بقدر المستطاع والحيز المتاح لنا هنا، مع عدم إغفال تجربة سائر الجماعات والقوى التي اتخذت من الدين الإسلامي مرجعية أو أساسا لها، فيما أميل أن أطلق عليها تسمية "الإسلام الحزبي"، التي أراها تسمية أكثر دقة وتعبيراً وصحة من "الإسلام السياسي" وهي التسمية التي درج على استخدامها في الغالب الأعم، وذلك انطلاقاً من إدراك حقيقة أن "القرآن الكريم" من حيث تضمنه لأحكام وشرائع يعتبر سياسياً، فكل نظرية تحتوي على أحكام وتنظيمات تتعلق بالفرد والمجتمع هي في الحقيقة نظرية سياسية، لأنها تنصرف إلى تنظيم شئون الفرد والمجتمع في قضايا الأخلاق والمعاملات والشئون الأسرية والاقتصادية والعلاقات الاجتماعية.
إن مضامين وأسلوب إصدار الرئيس محمد مرسي للإعلان الدستوري الأخير، الصادر في 21 نوفمبر 2012م، وهو الرابع في سلسلة الإعلانات الدستورية في مصر منذ الإعلان الأول الصادر في 13 فبراير 2011م، والإعلانات الأربعة كلها تعتبر نافذة وسارية المفعول! بالإضافة إلى المشكلات والأزمات التي مرت بها عملية تشكيل "الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور" فيما يتعلق بأسس ومعايير واعتبارات التمثيل فيها، والعملية المريبة والمستهجنة والغريبة التي تم بها، عقب صدور الإعلان الدستوري الأخير، السلق والإنهاء المتعجل لصياغة مشروع الدستور وتسليمه للرئيس الذي وجه دعوة الاستفتاء عليه في نفس اللحظة بعد 15 يوما من التسليم، والتغاضي التام عن الانسحابات المتعددة لممثلي جهات ومكونات أساسية من مكونات المجتمع والمفكرين والكتاب..الخ، ومن ثم غض الطرف والتجاهل المتعمد والتام للمظاهرات والاحتجاجات الشعبية الحاشدة الرافضة للإعلان والمشروع، كل ذلك، وغيره، يرسم أمامنا صورة عامة لمعالم وأبعاد وأهداف الحملة المنظمة والمتكاملة والشرسة بوضوح وجلاء كافيين وذلك على النحو التالي:
أولا: أن "الإعلان الدستوري" الأخير، والذي فجر ثورة غضب شعبي واسع، من خلال الأحكام التي تضمنها، هو أكثر سوءاً من قانون الطوارئ، سيئ الصيت، وهو يؤسس ويبني سلطة حكم أشد ديكتاتورية وأوسع من النظام السابق الذي ثار الشعب لإسقاطه في 25 يناير 2010م، فهو يمنح العصمة والحصانة لكل "الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 3 يونيو 2012م وحتى نفاد الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد" وتكون نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء، وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها أو المنظورة أمام أية جهة قضائية، وأعطى لنفسه وحده حق تعيين النائب العام دون الرجوع إلى السلطة القضائية صاحبة الحق في ذلك، ثم أضاف إلى ذلك مادة أخرى تقول: "لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها، أن يتخذ الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة هذا الخطر على النحو الذي ينظمه القانون"!! وقضى في مادة أخرى "لا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور"! كل ذلك دون الرجوع إلى أية مؤسسة من مؤسسات الدولة المدنية أو العسكرية أو الأمنية وأبقى الأمر كله متروكا لتقديرات الرئيس الشخصية.
ثانيا: إن هذا الإعلان الدستوري جرى تبريره وإعطاؤه بواعث ودوافع ظلت تتعدد وتتنوع وتتعدل منذ لحظة صدوره وحتى اللحظة تبعا للمناقشات المفندة والرافضة له، فهو لم يكن، يقينا، شفقة بالشهداء وصيانة حقوقهم ورعاية أسرهم لأن كل ذلك وزيادة كان متيسرا ومتاحا للرئيس فعله بقانون، ولا كان خوفاً على الثورة وحمايتها أو لاكتشاف السيد الرئيس مؤامرة رهيبة ضد الثورة والبلاد حرص على عدم الإفشاء بها وإبقائها طي الكتمان لا تتعداه شخصيا، ولا كان لضرب قوى ومراكز نفوذ تسعى لعرقلة أداء الدولة لمهامها ومسئولياتها وتعطيل دورها، فكل ذلك كان بمقدور الرئيس مواجهته وإزالته دون حاجة لإعلان دستوري خاص، فإن الرئيس الذي ألغى وأنهى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأقال وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس هيئة الأركان ومدير المخابرات وهم في أكثر المواقع نفوذا وتأثيرا وخطورة وحتى شرعية دستورية ما وعين بدلاء لهم دون حاجة لإعلان دستوري خاص من ذا الذي يستطيع منعه أو الوقوف في وجهه إن أراد التغيير والتبديل وإحالة من يريد للعدالة ومحاسبته؟، والواضح أن الهدف الرئيسي لذلك الإعلان الدستوري ينحصر في إطلاق يد الرئيس لتعطيل دور السلطة القضائية ومن ثم إجراء حركة تغييرات جذرية وواسعة في كافة سلطات ومؤسسات الدولة، وخاصة القضاء والإعلام، وبالتالي ضمان الأغلبية الكاسحة له ولمن ينتمي لهم ويمثلهم من قوى وأحزاب في السلطة التشريعية القادمة، وإحلال الموالين له ولجماعته في السلطة القضائية والإعلام وسائر أجهزة ومؤسسات وسلطات الدولة المدنية والعسكرية عبر سلسلة طويلة من القرارات المحصنة والمحمية من أية مساءلة وغير قابلة للطعن والإلغاء القضائي، خلال فترة زمنية قصيرة كي يصبح بعد ذلك أمراً واقعاً محصناً!
ثالثا: وعلى ذات السياق، وبشكل فجائي ومستغرب، جرت عملية السلق السريع والإكمال المتعجل لمشروع الدستور وقيام الجمعية التأسيسية بتسليمه للرئيس وإعلانه الفوري عن الدعوة للاستفتاء عليه، ليضع الجميع أمام خيار وحيد بين رمضاء مشروع الدستور ونار الإعلان الدستوري! لتتم المساومة والمقايضة بين هذا أو ذاك، ومشروع الدستور ليس صحيحا ما انبرت حملات الترويج الدعائي التسويقي له من أنه قلص سلطات الرئيس ومنح من الحريات أوسعها، فإن صلاحيات الرئيس، مثلا، في دستور عام 1971م حددتها مادة واحدة وفي مشروع الدستور حددتها عشرون مادة، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة والقائد الأعلى للشرطة ورئيس السلطة التنفيذية وو..الخ. أما الحريات الإعلامية والحقوق الفردية والعامة وإنشاء النقابات والاتحادات فهو، وإن وسع بعضها إلى حد ما، فإنه قيّد البعض الآخر بعبارة "وفقا للقانون" وغيرها من العبارات، وأسقط حق جماهير الفلاحين والعمال في ما لا يقل عن 50% من مقاعد المجالس التشريعية والمحلية..الخ، وكذا حقوق المرأة والطفل وما إلى ذلك، ولقد فرضت الأغلبية العددية للأحزاب الإسلامية التي ينتمي إليها الرئيس رأيها في حسم الصيغة النهائية لمشروع الدستور، واستبعاد وإقصاء وتهميش الأقلية، في حين أن القاعدة الأساسية والعرف السائد في كل بلدان العالم أن الدستور، أي دستور، يجب أن لا يخضع لقاعدة الأغلبية والأقلية، بل يجب، دائما، أن يصاغ وفقا وعلى قاعدة "التوافق الوطني" لأنه وثيقة كبرى تنظم حقوق وواجبات وعلاقات ومصالح كل الفئات والطبقات والشرائح التي تشكل، في مجموعها، مكونات المجتمع الواحد، تمتد صلاحيته لعقود طويلة من الزمن، إذ لو احتكرت الأغلبية البرلمانية لنفسها مهمة صياغة الدستور وفقا لرؤيتها ومصالحها الخاصة، لَحقَّ لكل أغلبية تأتي لاحقاً أو تالية للأغلبية السابقة أن تصيغ دستورها الجديد وهكذا في عملية عبثية لا نهاية لها، ولهذا فإن استقواء الأغلبية بأكثريتها العددية، رغم أن الجميع يدركون تماما أن تلك الأغلبية لا يمكن اعتبارها معيارا أو مقياسا صحيحا للتمثيل الشعبي الحقيقي لأنها جاءت في ظروف استثنائية غير طبيعية لمرحلة انتقالية حادة بين نظام سقط وانهار ونظام جديد يتلمس طريقة لبناء بديله الجديد في ظل أوضاع متحركة ومضطربة وغير مستقرة في كافة مجالات حياة المجتمع.
رابعا: إن القاعدة الأساسية والعرف السائد في الفكر السياسي الحديث والمجتمعات الديمقراطية العريقة على امتداد العالم كله، تقول بأن حق القيام بالتظاهر والاحتجاجات الشعبية السلمية ينحصر، أساسا، بقوى المعارضة السياسية والشعبية، لتعبر، من خلالها، عن عدم رضاها واستيائها ورفضها لسياسات ومواقف السلطة الحاكمة وإجراءاتها، لكنه من غير المستساغ والمقبول، من الناحية العقلية والمنطقية، أن تتظاهر السلطة الحاكمة وحزبها أو أحزابها وتحتج على نفسها وسياساتها.. وانطلاقا من هذه القاعدة والعرف السائد فقد نظر إلى المظاهرات الموجهة التي تنظمها السلطة الحاكمة، مهما بلغ عددها وحجمها، على أنها لا تعني شيئا ولا يُعتد بها ولا قيمة لها أو وزناً عموماً.. بل يُنظر إليها على أنها نوع مستحدث من أنواع فساد السلطات الحاكمة، في بلدان العالم الثالث حديثة الديمقراطيات، في تزييف الحقائق والوقائع وإفساد الرأي العام وتحزيبه وإهدار المال العام وتبديده لضمان استمرار بقائها في الحكم بشكل غير مشروع، ولهذا فهو ضرب من ضروب العبث والبلطجة السياسية.
خامسا: إن قيام تنظيم "الإخوان المسلمين" وحلفائه من قوى وأحزاب "الإسلام الحزبي"، بتنظيم مظاهرات شعبية مضادة وفي مواجهة المظاهرات الشعبية للقوى والأحزاب والفعاليات المعارضة تحت شعارات الدفاع عن الرئيس وحماية النظام ونصرة الشرعية وأيضا الشريعة، وتوجيهها لمحاصرة وتهديد والاعتداء على السلطة القضائية ومنعها من ممارسة مسئولياتها وكذا الحال ضد الوسائل الإعلامية، والقيام بالعدوان على المعتصمين المسالمين بالضرب والتنكيل وتدمير وحرق خيامهم واختطافهم وممارسة التحقيق والتعذيب الجسدي بحق بعضهم، كما صورت ذلك وسائل الإعلام المرئية، بقدر ما يدرجها ضمن نطاق توصيف الفقرة السابقة "رابعا"، فإنه قد صنفها في خانة "المليشيات" المدربة والمجهزة قتاليا والمعدة خصيصا لتنفيذ "أعمال إرهابية" بهدف قمع الآراء وحرية التعبير وفرض آرائهم ومعتقداتهم على الآخرين بالقوة والعنف، والحلول محل دور ووظائف ومهام سلطات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها الشرعية، وتصوير أعمالها وممارساتها "الإرهابية" تلك على أنها حرب مقدسة دينية ضد قوى وأحزاب الكفر والزندقة والارتداد عن الدين في أسوأ أشكال وصور توظيف الدين وتسخيره والمتاجرة به لخدمة مصالحها وأهوائها السياسية والخاصة، من خلال فرض نفسها على المجتمع كممثلة ومعبرة عن الدين ووصية عليه بالقمع والترهيب والعنف فتصبح هي الإسلام والإسلام هي، دون تمييز أو فارق، وأي انتقاد أو رفض لممارساتها وأعمالها ومواقفها في المسائل والشئون السياسية، التي هي في طبيعتها من الأمور الخلافية، يعد خروجاً على الإسلام ومعاداة له وكفرا به!!
إن كل هذه المعالم الرئيسية للحملة المنظمة المتكاملة والشرسة التي تقوم بها وتنبري لتنفيذها القوى والأحزاب التي تستغل الدين الإسلامي وتوظفه وتتاجر به بقيادة تنظيم "الإخوان المسلمين" وسائر حلفائها من قوى وأحزاب "الإسلام الحزبي" على أرض مصر، من خلال ركوبها لموجة الثورة ونجاحها في الحصول على أغلبية مقاعد السلطة التشريعية وفي الفوز بمنصب الرئاسة في ظل ظروف مرحلة انتقال سياسي سادتها الاضطرابات وعدم الاستقرار والفوضى، ما هي إلا حلقات في سلسلة وخطوات مدروسة على طريق ونحو هدف إحكام سيطرتها وقبضتها الأحادية المطلقة على كافة مقاليد الأمور في البلاد وكل مؤسسات ومفاصل الدولة والعمل على خلخلتها وتدميرها تمهيدا لإعادة تشكيلها وبنائها، بإجراءات وأحكام دستورية استثنائية غير شرعية ولا ديمقراطية، ذلك النموذج الايديولوجي المتكامل للدولة الدينية التي تضع كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والعسكرية في يد حاكم واحد الكل معه مستشارون يأخذ برأيهم أو لا يأخذ وفقاً للمبدأ الذي تشرّبوه والقائل ب"وحدة الولاية العامة، باعتباره مبدأً إسلامياً مركزياً من وجهة نظرهم، ومجتمعاً يعاد بناء عقليته وثقافته ووعيه بوجوب وإلزامية الولاء والطاعة الكاملة للحاكم براً أكان أم فاجراً ولو أخذ حقك وجلد ظهرك، مجتمعاً تكون المرأة فيه "ملكة" داخل جدران بيتها فقط.
ولكن ما هي الدلائل والحقائق والمؤشرات التي استندنا عليها للتأكيد على أن "الإخوان المسلمين" يسعون -فعلاً- لوضع أنموذجهم الايديولوجي ذاك موضع التطبيق العملي؟.. ذلك ما سنتناوله -إن شاء الله تعالى- في الحلقة القادمة، التي سنستعرض فيها الأسس الفكرية التربوية والأساليب والممارسات العملية التنظيمية والثقافية السياسية التي تتحكم في التنشئة والبناء الفكري التربوي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.