هل ستُصبح العملة الوطنية حطامًا؟ مخاوف من تخطي الدولار حاجز 5010 ريال يمني!    في ذكرى عيد الوحدة.. البرنامج السعودي لإعمال اليمن يضع حجر الأساس لمشروع مستشفى بمحافظة أبين    حدادا على شهيد الريح : 5 أيام في طهران و7 في صنعاء !!    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    الرئيس رشاد العليمي: الوحدة لدى المليشيات الحوثية مجرد شعار يخفي نزعة التسلط والتفرد بالسلطة والثروة    رئيس إصلاح المهرة: الوحدة منجز تاريخي ومؤتمر الحوار الوطني أنصف القضية الجنوبية    قيادي إصلاحي: الوحدة اليمنية نضال مشرق    الرئيس العليمي يبشر بحلول جذرية لمشكلة الكهرباء    الرئيس العليمي : قواتنا جاهزة لردع اي مغامرة عدائية حوثية    "العدالة تنتصر.. حضرموت تنفذ حكم القصاص في قاتل وتُرسل رسالة قوية للمجرمين"    "دمت تختنق" صرخة أهالي مدينة يهددها مكب النفايات بالموت البطيء!    بطل صغير في عدن: طفل يضرب درسًا في الأمانة ويُكرم من قِبل مدير الأمن!    خبير جودة يختفي بعد بلاغ فساد: الحوثيون يشنون حربًا على المبلغين؟    الونسو: اتالانتا يشكل تهديدا كبيرا    بن عديو: الوحدة تعرضت لسوء الإدارة ولا يعني ذلك القبول بالذهاب نحو المجهول    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    إيقاد الشعلة في تعز احتفالا بالعيد الوطني 22 مايو المجيد والألعاب النارية تزين سماء المدينة    محمد قحطان.. والانحياز لليمن الكبير    في ذكرى إعلان فك الارتباط.. الانتقالي يؤكد التزامه باستعادة دولة الجنوب (بيان)    أبين.. منتخب الشباب يتعادل مع نادي "الحضن" في معسكره الإعدادي بمدينة لودر    الوزير الزعوري يناقش مع وحدة الإستجابة برئاسة مجلس الوزراء الملف الإنساني    وزير الشؤون الاجتماعية يشيد بعلاقة الشراكة مع اليونيسف في برامج الحماية الإجتماعية    التعادل يسيطر على مباريات افتتاح بطولة أندية الدرجة الثالثة بمحافظة إب    القبض على متهم بابتزاز زوجته بصور وفيديوهات فاضحه في عدن    تراجع أسعار النفط وسط مخاوف من رفع الفائدة الامريكية على الطلب    الامين العام للجامعة العربية يُدين العدوان الإسرائيلي على جنين    لاعب ريال مدريد كروس يعلن الاعتزال بعد يورو 2024    المبعوث الامريكي يبدأ جولة خليجية لدفع مسار العملية السياسية في اليمن مميز    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    الآنسي يعزي في وفاة الشيخ عبدالمحسن الغزي ويشيد بأدواره العلمية والدعوية والوطنية    الوزير البكري يلتقي رئيس أكاديمية عدن للغوص الحر "عمرو القاسمي"    تناقضات الإخواني "عبدالله النفيسي" تثير سخرية المغردين في الكويت    الحوثي للاخوان: "اي حرب ضدهم هي حرب ضد ابناء غزة"!!!!    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن حملة علاجية مجانية لمرضى القلب بمأرب    "وثيقة".. كيف برر مجلس النواب تجميد مناقشة تقرير اللجنة الخاصة بالمبيدات..؟    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    الحوثيون يعبثون بقصر غمدان التاريخي وسط تحذيريات من استهداف الآثار اليمنية القديمة    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على ضوء أحداث مصر الأخيرة:
"الإسلاميون"، إلى أين يدفعون المنطقة؟
نشر في الوسط يوم 29 - 12 - 2012

في المقال السابق، والذي سنعتبره الحلقة الأولى ضمن سلسلة حلقات هذه الإطلالة العامة، انتهى بنا السياق إلى أن المؤشرات والدلائل تشير إلى سعي أحزاب وقوى (الإسلام الحزبي) بقيادة الإخوان المسلمين في مصر، على نحو حثيث وممنهج لإقامة أسس وهياكل أنموذجهم السياسي الايديولوجي للدولة الدينية الأحادية والشمولية على مراحل متدرجة.. ووعدنا في الحلقات القادمة بتناول تلك المؤشرات والدلائل والحقائق باستعراض عام لأبرز الأسس الفكرية التربوية والثقافية وطبيعة الأساليب والممارسات العملية السياسية والتنظيمية وأيضا بعض جوانب خطابهم الإعلامي والتعبوي..الخ.
وقبل البدء في ذلك، ونظرا لعلاقات حميمة تربطني بعدد من قيادات وكوادر بعض أحزاب وقوى "الإسلام الحزبي" وفي مقدمتها الإخوان "الإخوان المسلمين" في اليمن، وهم محل حبي وودي وتقديري، فإنه من الضروري واللازم أن أوضح بأن نقدي واختلافي مع بعض ممارسات ومواقف أحزابهم وتنظيماتهم، لا ينطلق أبدا من موقف عدائي مسبق وكلي، على الإطلاق، ولكنه ينطلق من رؤى ووجهات نظر وتصورات أراها وجيهة وجديرة بأن تطرح للنقاش، وأشعر بأن محركها وهدفها نوع من الحرص والرغبة في أن تكون تلك الأحزاب والقوى في المكانة والموقع الأفضل والأليق المتناسب مع شرف وسمو وعظمة المرجعية الإسلامية التي لا تفتأ تطرحها وتؤكد عليها بمناسبة وبدون مناسبة، وليس من قبيل المن أو الأذى هنا، أن أذكر مجرد تذكير، بتعاطفي القديم ودعوتي بالحق الأصيل لهذه الأحزاب والقوى أن تعبر عن نفسها ويكون لها كياناتها السياسية المشروعة العاملة علنا، وفي إطار القانون، شأنها شأن سائر الأحزاب والقوى والجماعات السياسية العاملة في الساحة، وتصديت لحملات العداء والاستهداف الهادف إلى إقصائها، في سلسلة من المقالات والمواقف السياسية والإعلامية، في اليمن، وتحديدا منذ الانتخابات النيابية في اليمن عام 1997م، عقب ضرب وإقصاء الحزب الاشتراكي اليمني عن معادلة الحكم السياسية إثر حرب صيف 1994م، وحين كانت السلطة الحاكمة، آنذاك، تسعى لضرب وتحجيم وتهميش دور ومكانة (التجمع اليمني للإصلاح)، لتخلو الساحة السياسية من قوى فاعلة ومؤثرة تسهل مشروع "توريث الحكم" عائليا! وكان موقفنا منذ ذلك الحين، وحتى ما بعد تفجر الثورة الشعبية السلمية العارمة في فبراير 2010م، تنطلق من واجب ومسئولية تفرض علينا الوقوف إلى جانب "الإصلاح" وهو الشكل السياسي أو الواجهة السياسية للإخوان المسلمين في اليمن، وحمايته بأقصى ما نستطيع، حتى لا تستفرد السلطة الحاكمة العائلية الفاسدة بالساحة السياسية بضرب القوى والأحزاب القوية والمؤثرة واحدة إثر أخرى، ذلك كان واجبا وطنيا وسياسيا وأخلاقيا لا مهرب من أدائه ولا مبرر لنا في التقاعس عنه، للحفاظ على توازن وحيوية وفاعلية أحزاب وقوى العملية السياسية الديمقراطية حديثة الولادة في بلادنا والحيلولة دون إجهاضها، وهي لا تزال في المهد طرية العود، ولتهيئة أقصى ما يمكن من أجواء وظروف وشروط نموها وتطورها التاريخي الطبيعي، وهكذا وقفنا دفاعا عن الحزب الاشتراكي اليمني وحركة الحوثيين في مقاومتها وتصديها للحروب الستة التي شنتها ضدها سلطة الحكم الفاسدة والديكتاتورية، وأيضا وقفنا من ذات المنطلق والرؤية مع مشروعية نضال وحركة قوى الحراك الجنوبي السلمي، وسنقف مع كل قوة أو جماعة تطالب بحقها في حرية التعبير والمشاركة في تقرير مصير الوطن وإدارة شئونه!
وإذا كان الواجب والمسئولية الوطنية قد حتمت علينا، في الماضي، أن نقف إلى جانب أحزاب وقوى "الإسلام الحزبي" وعلى رأسها "الإخوان المسلمين" أو التجمع اليمني للإصلاح" في الدفاع عن حقوقها وشرعيتها، ومواجهة السلطات الحاكمة التي سعت وعملت على تهميشها والتآمر عليها وتفتيتها وضربها سياسيا، فإننا اليوم نقف أمامها وفي مواجهتها حتى لا تصبح نسخة مكرورة للسلطة الحاكمة، التي ثاروا مع الشعب وبالشعب لإسقاطها، تمارس وتنفذ ذات الأساليب والممارسات والمواقف والسياسات التي مارستها السلطة الحاكمة ضدهم، وضد الآخرين، ضد الأحزاب والقوى والجماعات الأخرى القائمة سواء اختلفت معها في الرأي وعارضتها أو اتفقت وتآلفت معها، فالجميع له الحق وله المشروعية والجميع ضمانة للجميع، إن تهميش الآخر وإقصاءه والسعي إلى فرض الهيمنة والسيطرة الاحادية على الدولة والمجتمع هو أقرب وأخطر طريق الانحلال والسقوط، وتدمير الأوطان في الأخير.
ونعود إلى حديثنا الأصل المتعلق بالأحداث التي تشهدها مصر، في ظل أول رئيس للجمهورية منتخب منتمٍ إلى "جماعة الإخوان المسلمين"، استمرارا للحديث الذي تضمنته الحلقة السابقة، فنقول إنه خلال مدة الأسبوع، وهي الفترة الفاصلة بين كتابة الحلقتين، برزت جملة من المواقف والممارسات والقرارات المتخذة من قبل السلطات الحاكمة، رسمية أو حزبية، تعطي المزيد من البراهين والحجج التي تؤكد المخاوف والهواجس المقلقة التي أشرنا إليها في الحلقة السابقة، نكتفي هنا بذكر أهمها وأبرزها وأخطرها وذلك على النحو التالي:
* قيام النائب العام المعين بقرار من رئيس الجمهورية، بالمخالفة لقوانين السلطة القضائية، وبموجب إعلان دستوري أصدره الرئيس ومختلف في شرعيته وطنيا والملغي بقرار رئاسي وبإعلان دستوري آخر صادر عن الرئيس! بمطالبة قاضي التحقيق الذي انتدبه على رأس فريق قضائي للتحقيق في أحداث قصر الاتحادية الدامية بتوجيه اتهام وسجن عشرات ممن قامت "مليشيا" الإخوان المسلمين بإلقاء القبض عليهم وضربهم وتعذيبهم، وإلصاق تهمة المسئولية عن تلك الأحداث بهم، ونتيجة لرفض قاضي التحقيق ذلك الطلب غير المشروع والحكم ببراءة المتهمين وإطلاق سراحهم لانتفاء أي أدلة تثبت اتهامهم، قام النائب العام بإصدار قرار "عقابي" ضد قاضي التحقيق بنقله من عمله في القاهرة وتعيينه في الصعيد!! وللعلم فإن "رئيس الجمهورية" المدني قد وجه خطابا مباشرا للشعب عقب تلك الأحداث الدامية مباشرة، أعلن فيه عن إلقاء القبض على تسعين شخصا وأثبت التحقيق مسئوليتهم عن تلك الأحداث وقد اعترفوا بذلك وثبت ارتباطهم وتنفيذهم لتوجيهات وأوامر جهات متآمرة في الداخل والخارج وخاصة بعض أحزاب وقوى المعارضة السياسية وتلقيهم مبالغ من المال الحرام لقاء تنفيذهم لتلك الجرائم..الخ، طبعا ألصق الرئيس كل هذه التهم بالتسعين شخصاً الذين تم احتجازهم بطريقة غير قانونية، قبل بدء التحقيق القضائي معهم! ويبدو أن "النائب العام" أراد حفظ ماء وجه الرئيس وإنقاذ مصداقيته والتستر على خطأه الشنيع بممارسة الضغوط على قاضي التحقيق الذي انتدبه للتحقيق وإجباره إلصاق التهم الباطلة لأكثر من أربعين منهم، رغم ثبوت براءتهم، ما أدى إلى تسبب هذه الفضيحة الشنعاء إلى إثارة الهيئات القضائية والقوى السياسية والمنظمات المدنية وشرائح واسعة من الرأي العام، وذلك لأن القانون يجعل مهمة "النائب العام" ممارسة دولة الادعاء العام باسم الشعب وإقامة العدالة، لا أن يصبح خادما للرئيس والتغطية على أخطائه وخطيئاته بتزييف العدالة وإلقاء التهم الباطلة على مواطنين أبرياء، وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه في الحلقة السابقة من سعي "الإخوان المسلمين"، من خلال سلطة الرئاسة وإجراءاتها الاستثنائية غير المشروعة والسلطة التشريعية التي سيسيطرون، مع حلفائهم، على أكثر من 80% من أعضائها، وكذا السلطة التنفيذية "الحكومة" وغيرها، وتصميمهم على خلخلة القضاء وتدمير هيئاته وإلغاء استقلاله في اتجاه إعادة بنائه من قضاة موالين لهم إن حزبيا أو بدافع المصلحة.. وذلك حتى لا يتعرض أو ينقص أو يبطل قراراتهم وممارساتهم وإجراءاتهم استنادا إلى الدستور والقانون وضمان فصل سلطات الدولة والحيلولة دون تغول أي منها على الأخرى، إلى مجرد تبرير وتسويغ وتمرير قراراتهم وإجراءاتهم ومآربهم في استكمال شمول سيطرتهم الأحادية على كافة مقاليد الأمور في البلاد، أليس من أغرب الغرائب وأعجب العجائب أن يحاصر أنصارهم مقر المحكمة الدستورية العليا وهو الحصار المتواصل حتى اللحظة لإرهاب أعلى سلطة قضائية في البلاد وتعطيل عملها والمطالبة بتغيير قضاتها تحت دعوى ومبرر شعارهم المرفوع "تطهير القضاء"، دون أن تحرك الأجهزة والقوى الأمنية ساكنا أو قوى الجيش وكأن الأمر لا يستحق اهتمامها ولا يعنيها؟! ونفس الحال والمواقف في الحصار المضروب والمستمر على مدينة الإنتاج الإعلامي حيث مكاتب ومحطات إرسال القنوات التلفزيونية والفضائية كلها تقريبا ومعظمها أهلية!! وإيقاف الداخلين والخارجين والتدقيق في هوياتهم وإهانة وشتم وضرب بعض من الذين تزدريهم أعينهم وممارسة الإرهاب والتخويف ضد مجموعة من الفاعلين إعلاميا بتكفيرهم أو تفسيقهم أو تبديعهم وذبح أنواع من الأنعام كل واحدة باسم واحد من أولئك الإعلاميين!!
* إن قادة جماعة "الإخوان المسلمين" وحلفائهم من أحزاب وقوى "الإسلام الحزبي"، لم يأخذوا العبرة أو يستوعبوا الدرس أو يستخلصوا النتائج المستفادة من خطئهم السياسي الفادح الذي أوقعوا أنفسهم وتجربتهم وتاريخهم فيه جراء قيامهم وتنظيمهم لعدوان ميليشاوي منظم على عدد محدود من المعتصمين المسالمين بجانب قصر الاتحادية الرئاسي وتدمير خيامهم واختطاف أعداد منهم واحتجازهم وضربهم وتعذيبهم بوحشية مخيفة لإجبارهم على الاعتراف تحت الإكراه بأعمال لم يقوموا بها ولم يرتكبوها، وعلى نحو يتعارض كليا مع القانون والأعراف السائدة، بل راحوا يتمادون أكثر فأكثر ويزدادون تصميما وعنادا على مواصلة واستمرار أسلوب ومنهج استخدام جماعاتهم وفرقهم الميليشاوية المعدة والمدربة جيدا والاعتماد عليها والاحتكام إليها في ممارسة العمل السياسي الديمقراطي السلمي بطبيعته وحسم التباينات والخلافات السياسية الطبيعية بين أحزاب وقوى وأطراف العملية السياسية في البلاد، وتدفق علينا سيلاً من الخطب والتصريحات والبيانات والمواقف المشبعة بكل أشكال الوعد والوعيد والتهديد والترهيب والترويع بسحق وضرب وتصفية الأحزاب والقوى السياسية المعارضة لإعلان الرئيس الدستوري أو مشروع الدستور الجديد، أطلقتها مختلف قيادات "جماعة الإخوان المسلمين" بدءاً بمرشدها الأعلى مرورا بنائبه وسائر قياداتها وقيادات واجهتها السياسية "حزب الحرية والتنمية"، وانتهاء بقيادات حلفائها من أحزاب "الإسلام الحزبي"، ثم إطلاقها وترديدها وسط حشودهم الجماهيرية، مؤكدين أن واجبهم في حماية شرعية الرئيس مسألة مقدسة وأنهم جاهزون للقيام بهذه المهمة أو الواجب حينما تعلن "ساعة الصفر"!! مطمئنين المجاميع المحتشدة نقلا عن القيادات العليا للجماعة بأن هناك عشرة أماكن متفرقة في أنحاء العاصمة تمثل نقاط تجمع وتضم الآلاف من المناصرين، إضافة إلى أماكن تجمع "تحت الطلب" في المحافظات خارج العاصمة تضم "مئات الآلاف" من الأنصار، ينتظرون بدء "ساعة الصفر" للانطلاق من كل حدب وصوب للإطباق على أعداء "الشرعية والشريعة" وسحقهم وجعلهم أثرا بعد عين، وبطبيعة الحال، وكالعادة دائما، تم تحلية حملات الشحن والتحريض الرهيبة وإلباسها لبوس الدين والإيمان وسبيل الله والجهاد، لاستئصال وتصفية تهديد وخطر قوى الفكر والفسق والإلحاد والعلمانية والليبرالية المارقة المرتدة..الخ.
والأخطر أن ذلك كله يجري في ظل واقع يشهد انقساما وطنيا بالغ الخطورة، قسّم مصر بشكل حاد وعميق إلى قسمين متوازنين ومتجابهين ومتنافرين تنافرا شبه كلي، وهو واقع لم يسبق أن عاشته مصر في تاريخها الطويل كله تقريبا، وبات يهدد عرى ووشائج تماسك ووحدة مصر شعبا ووطنا ودولة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ الموغل في القدم، والواقع أن هذا النهج والأسلوب الذي يعتمده "الإخوان المسلمون" ويصرون على التزامه والعمل وفقا لمقتضياته من خلق الفوضى العامة وإحداث الانقسام الوطني وتدبير حوادث خاصة وسرية والاحتكام إلى قوة المليشيا الخاصة بهم في إدارة العمل السياسي وحل مشاكله وخلافاته بالفرض والقوة، والإبقاء على سرية الجماعة وتركيباتها وأساليب حركتها، يعود بذاكرتنا فورا إلى الماضي الزمني المأساوي المتعلق بكيفية نشوء وتنامي وبروز "الحركة النازية الهتلرية" في ألمانيا والأساليب والممارسات التي انتهجتها وسارت عليها واعتمدتها في الوصول إلى الحكم أولا بالانتخابات، ثم كيف أحكمت سيطرتها وقبضتها الحديدية وفرضت سلطتها الشمولية الاحادية المطلقة على الدولة والمجتمع، وكيف اعتمدت على مليشياتها المتعددة السرية منها والعلنية في تصفية الخصوم وإسكات أصواتهم، وكيف تسببت في أفظع مأساة إنسانية في التاريخ للبشرية كلها ولألمانيا نفسها في المقام الأول، قبل انهيارها وانتحارها الشامل والمأساوي، ونأمل أن لا يكون التنظيم الدولي السري ل"الإخوان المسلمين" قد اختار السير على خطى ومسار التجربة النازية مقلدا لها في وسائل وأساليب النشأة والنمو والتطور والسيطرة على الحكم سيطرة أحادية شمولية مطلقة بالوسائل والأساليب القمعية والإرهابية. والواقع أن المؤشرات والدلائل والحقائق التي أشرنا إليها آنفا، المستخلصة من واقع الأساليب والممارسات المتعلقة التي تنفذها جماعة "الإخوان" في مصر، وخاصة منح أنفسهم وتنظيمهم حق وشرعية الدفاع عن الحكم والحاكم المعبر عنهم والإصرار والتصميم اللافت على ذلك الاستمرار في هذا النهج غير المتوافق مع أحكام القانون ومقتضيات الحياة والممارسة الديمقراطية السليمة، يبدو أن أهم ما تهدف إليه، ضمن مجموعة أهداف أخرى، هو إيصال وإبلاغ رسالة واضحة وقوية لقوى الجيش والأمن في الدولة المصرية بأن عليها أن تعلم وتضع في اعتبارها وحسابها بأنهم، الإخوان وحلفاؤهم، من سيتولون مهمة حماية سيطرتهم على الحكم والدولة التي تحققت بالانتخابات والدفاع عنها بقواتهم وإمكاناتهم وأساليبهم الخاصة بهم، بما في ذلك استخدام القوة والسلاح إن تطلب الأمر، وأن على قوات الجيش والأمن أن لا يفكروا للحظة واحدة بأن حدوث اضطرابات أو فوضى عامة أو انفلات أمني أو أحداث دامية مهما كان مداها وحجمها يمكن أن يمنحهم شرعية تولي زمام السلطة في البلاد بشكل مؤقت بهدف إعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي وفرض الاستقرار والأمن والأمان، كما حدث سابقا وكما يحدث عادة في الكثير من بلدان العالم التي تمر بأوضاع حروب أو فتن داخلية واضطرابات عامة، وهي رسالة بالغة الدلالة أرادت قيادة الإخوان المسلمين إيصالها وإبلاغها للجيش والأمن المصري في أوضاعها الحالية وإلى أن يتمكن الإخوان من إجراء حركة تغييرات وإعادة بناء وهيكلة وصولا إلى الدفع بقيادات جديدة تدين لهم بالولاء والطاعة التامة تتمكن من إحكام السيطرة الكاملة على هاتين المؤسستين الوطنيتين الاستراتيجيتين على المدى الطويل والمتمرحل، وإلى أن يتحقق هذا الهدف فرسالة الإخوان وفحواها قد أُرسلت ووصلت بوضوح وجلاء لا لبس فيهما!!
* إن معركة مشروع الدستور الجديد واستعجال الاستفتاء عليه رغم عدم تحقق توافق وطني عام حوله، وفي ظل حالة الانقسام الوطني العميق والخطير، ليست المعركة الفاصلة الاخيرة في البناء الدستوري، وليست نهاية المطاف فيه ولو لمرحلة زمنية معقولة، فهناك خبراء في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين يرون بأن مشروع الدستور هذا هو أولى المعارك في سياق معارك أخرى قادمة، وصولا إلى إقرار دستور يتطابق تماما مع أفكار الجماعة وحلفائها من أحزاب وقوى الإسلام الحزبي، ومشروعها السياسي العقائدي في طبيعة الدولة والمجتمع ومعالمهما ومضامينهما ووظائفهما، يؤكد ذلك بأن المشروع الحالي للدستور يحقق أهداف مرحلة أولى بعينها، وهي النص على المزيد من التحديد والحصر لمفهوم ونطاق الشريعة الإسلامية "المصدر الرئيس للتشريع" بمذهب أو مذاهب "أهل السنة والجماعة"، والهدف من ذلك أن هذا النص يفتح أبواباً لا حصر لها من الاحكام والآراء والتي في معظمها محل خلاف وعدم اتفاق، وعبرها وبالاستناد لهذا النص يمكن إعادة بناء الدولة وسلطاتها وقوانينها وتشريعاتها وحقوق وواجبات الفرد والجماعة والمكونات الدينية والمذهبية المتعددة بما يتلاءم والمنظومة الفكرية الايديولوجية الشاملة للإخوان وحلفائهم وإلغاء جملة من المكاسب والامتيازات المكتسبة لفئات وطبقات اجتماعية، كحقوق المرأة والفلاحين والعمال..الخ، خاصة مع تعمد تسهيل النصوص لعملية التعديلات القادمة للدستور بدون تعقيدات، وقد بدأ قادة الإخوان وحلفاؤهم منذ الآن، وقبل إقرار مشروع الدستور، بإعطاء التطمينات وكيل الوعود بتغيير المواد الدستورية، محل الخلاف، بتعديلات دستورية فور انتخاب مجلس النواب القادم!! هذا رغم أن العالم عادة ما يحكم على استقرار أي بلد وسلامة نظامه السياسي على ضوء ثبات دستوره وعدم جعله عرضة للتعديلات المتكررة التي تعكس اختلالات واضطرابات وتقلبات داخلية مقلقة!
* وأخيراً فإن أكثر ما أثار دهشة واستغراب وقلق الكثيرين ما لوحظ على الكثير من القيادات العليا سواء لجماعة "الإخوان المسلمين" وحزبهم السياسي وإلى حد ما حلفائهم من قوى وأحزاب "الإسلام الحزبي"، من لجوءٍ إلى الإفراط في استخدام "الكذب" و"التحايل" في تعاملهم السياسي وعلاقاتهم بالآخرين و"نقض العهود" و"التنصل عن الوعود"، بدءاً من أسلوب تعاملهم مع ثورة 25 يناير 2011م الشعبية والأحزاب والقوى السياسية الوطنية المناصرة للثورة والتي شكلت ائتلافا فيما بينها ومن ضمنها "الإخوان المسلمون"، وكيف تعامل "الإخوان" بازدواجية انتهازية من وراء ظهر القوى المتآلفة سياسيا معها على خط الثورة، بإجراء الإخوان اتصالات وتفاهمات وحوارات سرية أحادية مع السلطة الحاكمة ثم مع مدير المخابرات والمجلس العسكري الأعلى الذي تولى السلطة انتقاليا، ومرورا بجملة من الوعود والتعهدات للقوى والأحزاب الثورية والوطنية الأخرى بأنهم لن يدخلوا انتخابات مجلسي الشعب والشورى بأكثر من 20% من المقاعد، وأنهم لن ينزلوا مرشحا لهم في الانتخابات الرئاسية، ولن يستأثروا بالحكومة أو يسيطروا على الجمعية التأسيسية للدستور، ولن يحتكروا لجان مجلسي الشعب والشورى، وسيلتزمون بروح التوافق الوطني في إدارة شئون المرحلة الانتقالية، وانتهاء بالأحداث الأخيرة الناتجة عن إصدار إعلان دستوري ديكتاتوري وعزل النائب العام وتعيين بديل عنه على خلاف قانون السلطة القضائية واستقلالها. وسلق مشروع الدستور واستعجال طرحه للاستفتاء رغم انسحاب ممثلين أساسيين لقوى ومكونات وطنية من عضوية الجمعية التأسيسية ووجود انقسام وطني حاد وواسع في البلاد، والاعتداء على المعتصمين من قبل ميليشياتهم وخطف أعداد كبيرة منهم وضربهم وتعذيبهم بشكل وحشي وبشع ثم إلصاق تهم باطلة بهم والإيعاز للنائب العام المعين من الرئيس للضغط على قضاة التحقيق على إلصاق التهم الباطلة بالعشرات منهم وحبسهم وهم يعلمون تماما ببراءتهم التامة ومعاقبة القاضي المسئول عن التحقيقات معهم بنقله إلى الصعيد لحكمه ببراءتهم وإطلاق سراحهم! والوصول إلى حد مصادرة جثث الشهداء الذين تسببوا في قتلهم بعدوانهم على المعتصمين وادعاء انتسابهم جميعا للإخوان المسلمين رغم ثبوت عدم صحة ذلك، وعدم ثبوته! هذا بالإضافة إلى ممارسات وأفعال مشابهة أخرى، ومصدر الدهشة والاستغراب راجع إلى أنه إذا كان الكذب وممارسته يعد من أكبر وأسوأ الأفعال والممارسات وأخطرها التي يمكن أن يقترفها أي إنسان أو مسئول تستوجب أقصى العقوبات في القوانين الوضعية والأعراف الإنسانية عامة، فما بالك إذا مارسها واقترفها إنسان مسلم وأيضا يدعي ويزعم أنه القيِّم على الإسلام وحامي حِماه، والداعي لرسالته والمبشر بها بين الناس؟! والإسلام يقضي بأن لا تقبل لمن يرتكبها شهادة أبدا!!
ولكن ما هي المرتكزات العقائدية الفكرية الايديولوجية التي تسوغ لهذه الجماعات ممارسة الكذب والتحايل؟
ذلك موضوع الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
عبدالله سلام الحكيمي
بريطانيا- شيفلد 14 ديسمبر 2012م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.