مع كل وقت يمضي تثبت الحكومة فشلها وعدم وفاقها مما تحولت إلى عبء ثقيل على رئيس الجمهورية، الذي كان من المفترض أن تكون حاملة لمشروع اقتصادي لا سياسي، لكي تصبح عاملا مساعدا لإنجاح الفترة الانتقالية المحددة بعامين، إذ وخلال المرحلة الماضية قضى الجزء الأكبر من علاقته بالحكومة في حالة من التحفز لمنع تمرير قرارات حزبية تأتي عبر رئيس الحكومة، بعضها مر تحرجا من تكرار رفض، ولكن ذلك لم يحد فضلا من أن يمنع من محاولة اختراق لثغرة تظهر هنا أو هناك استغلالا لموقف يبحث الرئيس فيه عن مساند، حيث يظهر رئيس الحكومة، محملا بقرارات قد بصم عليها بغرض إصدارها منه حتى قبل إعلان موقف الأحزاب المساند. الحكومة لم تقدم مايمكن عده إنجازا لها، وإذ منع انقسام قيادة عليا المؤتمر من أن يحقق وزراؤه مكاسب حزبية كونهم تحت المجهر، وأكثر من ذلك يعملون وهم محملون بعبء تهمة الانتماء للنظام السابق، فإن وزراء المشترك وعلى الخصوص حزب الاصلاح، قد اشتغلوا لحزبهم بما فيهم المستقلون، الذين حاولوا إثبات الولاء للحزب الذي اختارهم أو للشخص الذي تدخل لتزكيتهم بقدر أكبر من التملق والتضحية بالقانون لإرضائهم، وعلى رأس هؤلاء باسندوة، الذي يبدو الخاسر الأكبر بحكم التأريخ الذي كان يتكئ عليه، وقامر به من أجل ترؤس حكومة لايحكمها على الواقع. وزراء الحكومة لم يتنافسوا كلٌ في وزارته على تحقيق مايمكن لصالح الناس بقدر ماحاول كل منهم تمرير مصالح الأحزاب والفضائح النتنة، التي ظهرت بالمستندات لوزراء استبشر بهم الشعب باعتبارهم أدوات التغيير فإذا بهم طامحون جدد للإثراء غير المشروع وتمرير متطلباتهم الشخصية، إذ لا يستدعي من وزير التخطيط أن يغامر بسمعته من أجل تبني منحة لنجله الذي يدرس في بريطانيا، أو لصرف كل تلك المبالغ الضخمة من وزير المالية لتجار فقط، لأن مقيله في العادة عندهم، أو لأن توجيهاً صارماً جاء من شيخ لايمكن معه الرفض. الحكومة فشلت بامتياز وصارت مثار سخرية الشارع، وبالذات بعد أن تحولت الأحزاب إلى مدافعة عن وزرائها، وهذا لم يعد رأياً يتم تداوله في الداخل وحسب، بل صار رأياً يمثل مؤسسات بحث خارجية مستقلة ليس معها خصومة مع أحد. وفي تقرير صادر عن مركز الحريري في المجلس الأطلسي أن الحكومة اليمنية غير فعالة وقيادتها ضعيفة ولم تنجز أي شيء. وقالت نائبة مدير مركز الحريري -السيدة دانيا جرينفيلد- في تقرير أعدته حول زيارتها الأخيرة لليمن: "إن الحكومة اليمنية مُنقسمة وغير فعالة، وأعضاءها يفتقرون إلى الشعور بأن عليهم أن يعملوا كفريق واحد في محاولة لتحقيق نفس الأهداف". وأكد التقرير -الذي نشرته مجلة اتلانتيك الأميركية- "أن القيادة الضعيفة من جانب رئيس الحكومة تسبب بالصراع الداخلي داخل الحكومة، وهو الأمر الذي أدى إلى شلل في الأداء". وفيما يعد تكراراً لتجربة النظام السابق الذي كان محل انتقاد بسبب اختيار موظفيه من الدرجات العليا.. أضاف التقرير "لقد تم تحديد مناصب الدرجة الأولى في الوزارات على أساس من الذين يمثلونها، وليس على أساس المهارة أو المعرفة التكنوقراطية، مما زاد من تفاقم عجزهم في إنجاز أي شيء"، منوهاً إلى أن معظم المسؤولين يتطلعون إلى تعزيز مصالح أحزابهم وإحباط مكاسب خصومهم، أو التستر على أية مخالفات حدثت خلال عهد صالح". وذكر التقرير "أنه وبالنظر إلى التحديات الهائلة التي تواجهها اليمن في المجالات الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية، فمن الصعب تحمل هذا المستوى من عدم الكفاءة وعدم الفاعلية، فهناك حاجة ملحة وماسة من الرئيس هادي ورئيس الوزراء محمد باسندوة إلى الاضطلاع بقيادة أكثر ديناميكية". وأكد التقرير أن الحكومة لا تولي اهتماماً كافياً بالاقتصاد، "ونظراً لطبيعة تقسيم الحكومة وصب جل التركيز على الحوار الوطني، فلا يوجد تقريباً أية معلومات كافية للتفكير في تنفيذ خطة اقتصادية وكيفية خلق فرص عمل جديدة وتحسين الدخل للأسر". وأضاف التقرير" وعلى الرغم من أن انعدام الفرص الاقتصادية كان الدافع الأساس للانتفاضة التي قادها الشباب في جميع أنحاء اليمن وأن خلق فرص العمل هو العامل الحاسم في التصدي لمشاكل الأمن الداخلي وللقاعدة في شبه الجزيرة العربية، فإن القطاع الاقتصادي يجب أن يكون أولوية الحكومة رقم واحد". وبشأن المنح الخارجية لليمن قال التقرير: إنه وعلى الرغم من حصول اليمن على 8 مليارات دولار من المانحين هذا العام، إلا أن المشاكل التي أعقبت مؤتمر المانحين في عام 2006 لاتزال موجودة في اليمن، والمتمثلة في عدم قدرة الحكومة على استيعاب الأموال وتنفيذ المشاريع ومخاوف المانحين من الفساد والسلوك البيروقراطي غير الفعال الذي يبطئ عملية صنع القرار. وفيما يخص مكافحة الآرهاب هاجم تقرير أمريكي الحكومة اليمنية واتهمها بالتواطؤ والتقاعس في ضبط أخطر الإرهابيين في البلاد بسبب تفشي الفساد، في حين كشف التقرير الذي نشره موقع استراتيجي بيج العسكري الأميركي، عن امتعاض امريكي من دور الحكومة اليمنية في حربها على الارهاب، وقال: إنها لا ترغب في القبض على أخطر الإرهابيين رغم الدعم الذي توليها واشنطن لليمن لحرب القاعدة. لأن الحكومة المركزية دائماً ضعيفة وأن هذا الضعف ينشأ من الفقر؛ حيث اليمن أفقر دولة في العالم العربي.. مضيفاً:" ففي حين يفر الصوماليون إلى اليمن فإن اليمنيين يفرون إلى أماكن أخرى وبالتالي فإن الوضع يزداد سوءاً". وإذ مازالت الحكومة تستنسخ ذات سياسة النظام السابق في ماله علاقة بتعاملها مع المخربين من القبائل واستخدام سياسة الأرضاء والتحكيم القبلي وعدم وجود مشروع حقيقي للاستفادة من إمكانيات اليمن البشرية والجغرافية والاعتماد على المساعدات والديون الخارجية. فقد قال تقرير أمريكي آخر نشره موقع مونيتور -إن: حكومة الوفاق في اليمن لا تمتلك رؤية وتدير شؤونها بعشوائية، وأن حكومة الوفاق الوطني في اليمن- التي ترأسها أحزاب اللقاء المشترك بقيادة محمد سالم باسندوة- هي أقل ائتلافاً من عائلة مفككة، وينعكس ذلك في الانقسامات التي لا تزال تجتاح البلاد. وحسب التقرير: فإن الوزارات مُقسمة بالتساوي بين حزب المؤتمر الشعبي العام وتحالف أحزاب اللقاء المشترك الذي يتضمن حزب الإصلاح الإسلامي وكذلك الاشتراكي وحزب البعث والناصري ، وقال: منذ تشكيل الحكومة لإظهار الوحدة الوطنية، العديد من وزرائها ليسوا تكنوقراط بل شخصيات سياسية يسعون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة، وليس بالضرورة مصالح البلاد الكبيرة، ففي كثير من الأحيان يأخذون التوجيهات من زعماء الأحزاب بدلاً من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء.. وقالت كاتبة التقرير " دانيا جرينفيلد " : ما هو واضح وضوح الشمس- ويعترف به على نطاق واسع جميع من تحدثت إليهم خلال زيارتي إلى اليمن مطلع شهر يونيو- هو عدم وجود رؤية للحكومة. وأفادت الكاتبة: يتوقع معظم اليمنيين من الحكومة الانتقالية أن تدير شؤونها بعشوائية خلال العامين القادمين، في حين أن هذا قد يكون مقبولاً على الصعيد السياسي، من خلال عملية الحوار الوطني التي تأخذ مركز الصدارة في التعامل مع المظالم الأكثر إلحاحاً، لكنه لن يكون مقبولاً بصورة دائمة بالنسبة للاقتصاد. لقد حذرت كل من اليونيسيف ومنظمة (أوكسفام) من كارثة إنسانية متصاعدة فما يقرب من 10 ملايين نسمة يفتقرون إلى ما يكفي من الغذاء و40 بالمائة منهم تحت خط الفقر الطريقة الوحيدة لعكس هذا الاتجاه، هو إيجاد فرص عمل للناس ليكسبوا الدخل. وذكرت في تقريرها تحت عنوان: "قنبلة اليمن الموقوتة" بأن الحاجة إلى رؤية اقتصادية واضحة أصبح ملحاً، لقد بدأ استئناف بعض النشاط الاقتصادي، لكن البطالة لا تزال منهكة وتكاليف السلع الغذائية والأساسية مرتفعة ويبلغ التضخم 23 بالمائة. وسعر الخبز يقارب 120 بالمائة من سعره السابق. وقال تقرير الموقع الأميركي: انه على ما يبدو أن الدول المانحة مترددة في نقل الأموال التي التزمت بها، إلى الحكومة اليمنية حتى تقدم خطة اقتصادية مفصلة، مستنتجاً: إذاً المسئولية تقع في المقام الأول على وزارة التخطيط والتعاون الدولي، لأن الخطة التي قدمتها إلى اجتماع الرياض كانت ناقصة في العمق والتفصيل، مشيراً إلى انه في الآونة الأخيرة تم منح وزير الصناعة والتجارة صلاحيات لوضع خطة اقتصادية طويلة الأجل وقد دشنت الحكومة مجلس حوار جديد كوسيلة للشراكة بينها والمجتمع التجاري، وهناك تحالفان مختلفان لرجال الأعمال وخبراء القطاع الخاص يعملان على تطوير الرؤى والاستراتيجيات الاقتصادية حسب التقرير ذاته. واستدرك تقرير الموقع الأميركي بالقول: لكن من غير الواضح كيف لمختلف الخطط والاستراتيجيات والبرامج أن تتناسق معا، ومن الذي سيأخذ زمام المبادرة، مضيفاً: وما هو أبعد من خطة قابلة للحياة، يجب على الحكومة مواجهة مسألة قدرتها المحدودة على تنفيذ أفكارها، فاستكشاف آليات مبتكرة لتقديم الخدمات وبناء قدرات المؤسسات الحكومية هو مسعى طويل الأمد، لكن لا يمكن الانتظار حتى نهاية الفترة الانتقالية. يشار إلى أن رئيس الجمهورية قد طالب الحكومة في أكثر من خطاب بأن تكون حكومة للوطن وليس للأحزاب، معبراً أن مستوى التقييم سيكون على أساس العمل كلٌ داخل وزارته وليس على ما يطلقه الوزير من تصريحات سياسية، وهو مالم يلتزم به عدد غير قليل من الوزراء.