لم يتبقَّ الكثير على انتخابات رئاسية وبرلمانية مفترضة ومن أجل ذلك تتزايد محاولات السيطرة على الأجهزة الرسمية في السلطة التي لها علاقة مباشرة بالتأثير على الجماهير والممثلة بمدراء الأمن والمديريات والمحافظين، وكذا مدراء مدارس وتربية في مختلف المحافظات. لم يكن اعتباطا أن تم جعل وزارة الدفاع في قائمة اختيار مقابل قائمة أخرى، تمثل أهم الوزارات التي لها علاقة بالناس والتأثير فيهم، والتي حوت وزارات التربية والإدارة المحلية والداخلية والإعلام والمالية. وقد وقعت السلطة حينها رغم ممانعة عدد من قيادات المؤتمر في شرك كان وقع فيه الحزب الاشتراكي حين تم تقاسم الوزارات عشية تحقيق الوحدة حينما اختار وزارة الدفاع تحت ذهنية الإمساك بالقوة بينما الطرف الآخر اختار المالية، وهو يعرف يقينا أن الرؤوس كلها ستأتي خانعة إليها، وهو ما تبدو نتائجه جلية اليوم رغم ماكان تم الاتفاق عليه من أن التقاسم سيطال المناصب السياسية لا الوظيفية الذي ترك أمر القرار فيها لما ينص عليه القانون وفق مسمى التدوير الوظيفي، وبناء على معايير قانونية تحدد من يحق له شغل الوظيفة العامة، والذي كان من المفترض أن تكون خاضعة للكفاءة لا للحزبية. اليوم تبدو محافظات عدة غير مستقرة لأسباب لها علاقة بمحاولة السيطرة عليها وظيفيا ضدا عن إرادة السلطة المحلية التي هي بحسب القانون المعنية بترشيح مدراء عموم المكاتب فيها. وفيما لم تزل محافظة تعز أسيرة صراع حزبي أطاح بمدنيتها وأدخلها في حالة من عدم الاستقرار إلى درجة تلويح البعض من مخاوف من وصولها إلى حد الفوضى، فقد لحقت بها محافظة حجة التي تشهد حالة انقسام خطير واستقطاب حاد بين الإصلاح المساند لقرارات وزارية بتعيين مدير للأمن وللمالية وبين المؤتمر المساند للسلطة المحلية والمجلس المحلي الرافض لأي تعيين يأتي من المركز دون مشاورته. ومكمن الخطر أن الأطراف الحزبية تتحرك خارج إطار الدولة المعنية بقضايا لها علاقة بعمق اختصاصها، وبالتالي فهي تحاول فرض أمر واقع بعيدا عن الاحتكام للقانون. وفي قضية تعيين مدير أمن لحجة الذي لم يشاور وزير الداخلية السلطة المحلية قام الاصلاحيون باستقباله وحمله إلى إدارة الأمن العام بمقابل مناوئين حاولوا منعه مما أدى إلى مواجهات بين الطرفين أصيب فيه ثمانية اشخاص بجراح مختلفة. وما زال الوضع حرجا إذ من الصعب أن يتمكن المدير المعين من القيام بمهام عمله فيما هو في عداء مع السلطة المحلية بكاملها ولا يستطيع حتى حماية نفسه فضلا عن الآخرين. وانعكس أمر كهذا على السجن المركزي الذي شهد انتفاضة داخله في محاولة لاستغلال الفراغ الأمني حيث قتل سجين وجرح عشرة آخرون وتتزايد المخاوف في ظل احتجازه عدد من المتهمين بالقتل وهم تحت المحتكمة، ما دفع بالقبيلة الذي ينتمي إليها المقتول الى محاصرة السجن بأكثر من مائتي مسلح خوفا من هروب القتلة. وعبرت بيانات الأحزاب وإعلامها عن غياب الدولة حيث تبادلت الاتهامات وانتصارها لطرف ضد الآخر، حيث اتهمت احزاب اللقاء المشترك بمحافظة حجة المحافظ علي القيسي ورئيس فرع المؤتمر فهد دهشوش بالاعتداء على إدارة أمن المحافظة، في حين حمل المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه وزير الداخلية مسئولية احداث العنف التي وقعت الأحد ووصفت اللجنة التنفيذية لأحزاب اللقاء المشترك ماحدث بالعدوان الهمجي الذي قام به مجموعة مسلحة مدعومة من محافظ المحافظة ورئيس فرع المؤتمر فهد دهشوش، وذلك على مبنى أمن محافظة حجة والمجمع الحكومي، مؤكداً أن ذلك العدوان أسفر عن إصابة عدد من الجنود والمواطنين الأبرياء وروع الآمنين وعطل الطلاب وهم يؤدون الاختبارات من مدارسهم ونشر الفوضى في مدينة حجة". ودان البيان بشده الأعمال التخريبية التي وصفها "بالعدوانية البلطجية". وحمّل البيان "محافظ محافظة حجة اللواء علي القيسي ورئيس فرع حزب المؤتمر فهد دهشوش المسئولية الكاملة عما حدث ويحدث، وطالب مشترك حجة بسرعة ضبط الجناة المعتدين، مشدداً على اضطلاع أجهزة الأمن بواجبها والقيام بدورها في ملاحقة الجناة والمليشيات الخارجة على القانون والحفاظ على الأمن في عامة المحافظة. كما طالبوا رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بتحمل مسئولياتهم إزاء تصرفات محافظ المحافظة علي القيسي الذي تخلى عن مسئولياته في إدارة شئون المحافظة وتأمينها ليؤيد أعمال التمرد على قرارات الحكومة وتشجيع العنف والفوضى في المحافظة. وكان موقع أنصار الثورة اتهم مسلحون يحسبون على الحوثي، قال إنهم نصبوا قبل أيام خياماً أمام إدارة أمن المحافظة بإيعاز من قيادة في المؤتمر ومحافظ حجة قبل أن يصدر بيان المشترك ليحمّل المؤتمر. وعلى عكس اتهام المشترك حمل المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه بمحافظة حجة وزير الداخلية مسئولية احداث العنف التي وقعت الأحد، وإطلاق النار على سكان المدينة وحالة الغليان الشديد التي تشهدها المحافظة. ودان المؤتمر ما قامت به مليشيات الاصلاح بالمحافظة من إطلاق الرصاص على المعتصمين، مطالباً بضرورة القبض على الجناة ومعالجة المصابين. وناشد بيان صادر عن مؤتمر حجة رئيس الجمهورية بإلغاء تجنيد حزبي لنحو 2000 جندي للتجمع اليمني للاصلاح بمحافظة حجة بغرض تعكير السلم الاجتماعي واغتصاب الوظيفة العامة وتنفيذ عمليات تخريب ونهب للمنشآت العامة والخاصة. ونفذت الأحزاب والفعاليات السياسية بمحافظة حجة وقفة احتجاجية أمام إدارة أمن المحافظة تنديدا بمحاولات وزير الداخلية عبدالقادر قحطان وحزب الإصلاح فرض مدير امن للمحافظة بالقوة، ورفعوا لافتات ترفض وتستنكر فرض مدير امن إصلاحي بقوة السلاح تجاوزاً على قانون السلطة المحلية والتوافق السياسي. وطالب المحتجون في وقفتهم بمدير امن لجميع أبناء المحافظة وليس لحزب أو فصيل سياسي معين، مؤكدين دعمهم لقيادة المحافظة والمجلس المحلي وقراراتهم بتجاهل قرار التعيين الذي صدر بالتجاوز على قانون السلطة المحلية. واستنكر المحتجون تسييس الجيش والأمن وسعي بعض الأطراف السياسية ومراكز القوى لإدارة المحافظة بالريموتكنترول. وعلى ذات السياق يجري بوتيرة عالية تغيرات لمدراء عموم مديريات في عدد من المحافظات منها عمران الذي تم تغيير ستة مدراء مديرية محسوبين على مراكز قوى مشيخية وكذلك سبعة عشر مديرا في حجة تم رفض تغييرهم من قبل السلطة المحلية وهو مايثير المخاوف من حصول انفلات في المحافظات والمديريات. وبالعودة إلى تعز الذي يحتدم الصراع من أجل السيطرة عليها فقد فجر تعيين مدير للكهرباء ضدا على رغبة السلطة المحلية خلافات كانت بدأت ولم تنتهِ بعد، إذ نظر الطرفان للأمر باعتباره كسر إرادات وفرضاً للأمر الواقع. بيت هائل بدوا أكبر الخاسرين حين وافقوا، وإن مكرهين، على تعيين ابن لهم في موقع كهذا وفي ظروف ملتبسة كهذه إلا أنهم ربما راهنوا على علاقتهم الطيبة بمختلف الأطراف التي من الممكن أن تساعد على إكسابهم نجاحا آخر ليس له علاقة بالأعمال التجارية، وهو ما بدا عكسه حين أصبحوا جميعا في معترك لم يحسبوا حسابه، واكتشفوا بعد أن وقع الفأس بالرأس أن للسلطة والسياسة حسابات أخرى لها علاقة بالسيطرة والتمكين السياسي لا بالعلاقات الشخصية ودماثة الأخلاق. فيما الاصلاح ليس لديه مايخسره في ظل أدوات يتحكم بتحريكها تبدأ باستخدام الساحة تحت لافتة الثورة، ولا تنتهي باستخدام المشائخ وذوي المصالح الذي تتقاطع مع بيت هائل كمجموعة تجارية. ولذا عاد مسمى الثوار للظهور تحت شعار حملة "عائدون للتغيير"، والذين أبانوا أن السبب هو رفض تعيين مدير للكهرباء، وهو لي ذراع للمحافظ ورسالة واضحة، إما أن تكون معنا أو لا. وكان الشهر الماضي قد التقى شوقي هائل بمبعوثي المشترك محمد قحطان، محمد الصبري، يحيى منصور أبو أصبع، في منزل أحد الأطباء لمحاولة تدجينه، وحين لم ينجح الأمر فتحت أبواب جهنم أمامه وتحولت تعز الى مسرح للمظاهرات المطالبة بإقالة المحافظ واستكمال اهداف الثورة وللقتل والتقطعات والانفلات الأمني وتصاعد وتيرة الاقتتال في المديريات لتضيف الاختطافات المتبادلة لقاطرات النفط بين تعز ومحافظات اخرى بعدا آخر للصراع القائم على البعد المناطقي، بالإضافة إلى اعتصامات واضرابات طالت جامعة تعز وشركة النفط محافظ تعز الذي صار منهكا ويهرب بين الفترة والأخرى إلى الخارج أظهر ضيقا من وسائل الإعلام ومراسلي الصحف الذي اعتبرها مصدراً لنشر الفوضى والقلق في المحافظة، مطالبا بتصدير عدد من مراسلي الصحف والقنوات إلى بقية المحافظات التي تشهد ضعفا إعلاميا للاستفادة من خبراتهم. كما بدا متهورا وغير حصيف حين أعلن تحديه للوزراء في صنعاء بتغيير أي مدير مكتب، ساخرا من إقدامهم على قرارات تعيين مدراء عموم في المحافظة دون الاستئذان منه، بينما وببساطة كان يمكن أن يستقوي بقانون السلطة المحلية الذي سيكون في صالحه. اللافت أنه ومع كل مايجري في هاتين المحافظتين الا أن الرئيس وهو المعني بضبط إيقاع الصراع لم يقم بإجراء حازم حتى اليوم وبالذات وهو يعلم ماذا تمثله المحافظتان من أهمية استراتيجية مع اختلاف البعد الذي تمثله كل منهما وبالذات محافظة تعز، التي تحمل الرئيس مسؤولية تعيين المحافظ واختياره رغم الضغوط التي تمت عليه من قبل شخصيات عسكرية ومشيخية وإصلاحية بتعيين محافظ من خارجها بدعوى اقتضاء الظروف لذلك.