توقف الحوار بين الأحزاب والحوثيين منذ مساء الجمعة وحتى الاثنين، فيما كان يُدار حوارًا ثنائيًّا بين المؤتمر و"أنصار الله"؛ في محاولة للتوفيق بينهم على المسألة العالقة حول حلّ مجلس النواب أو توسعته وتغيير اسمه، قبل أن يصلا إلى طريق مسدود ليرمي المؤتمر الكرة إلى ملعب الإصلاح والاشتراكي بإعلانه الموافقة المسبقة على ما يتم التوافق عليه.. وهو ما كان الحزبان أكدا عليه فيما لو توافق مع الحوثيين. هذا الهروب الجبان من إعلان موقف واضحٍ مرده الخشية من إغضاب المملكة التي تقود المعركة باتجاه تصعيدي سيدفع ثمنه الشعب غاليًا من وحدته وتماسكه الاجتماعي، وانتظارًا للحرب التي تقودها على المستوى الدولي أملاً بأن يسقط "أنصار الله" دون أي كلفة يمكن أن تدفعها هذه الأحزاب، مع ما في هذا الأمل من تواكل وتسطيح مخل؛ باعتبار أن أي حزب، وحتى مواطن، في هذه البلد لن ينجو من دفع ضريبة عدم الشعور بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية جراء التلاعب بذهنية صبيانية انتهازية. مع كل هذه المخاطر تستمر ملهاة موفمبيك إلى أجل غير مسمى في السير بحوار لم يستطع المضي، ولو خطوة واضحة، إذ لم يزل متوقفًا حول النقطة الأساس ذات العلاقة بالخطوة الأولى التي تُعد الحامل لسد الفراغ الحاصل في السلطة، والمتمثلة بمصير مجلس النواب وشرعية الرئيس السابق. وفي هاتين النقطتين يراوح ممثلو المكونات في تواطؤ مريب لتضييع الوقت من جهة، ومحاولة لرمي تبعات الاتفاق من عدمه كل طرف على الآخر، وبالذات الإصلاح والمؤتمر؛ حرصًا على عدم التصدر منفردًا للصراع مع "أنصار لله"، وفي هذه القضية تحديدًا، هناك رؤى تعددت واختلفت باختلاف وتغيّر المتحالفين في المضامين والتصورات، فيما يبدو أن المبعوث الأممي بن عمر ما زال الثابت الوحيد في هذا المعترك المتغير راعيًا ومُوفقًا ومخاتلاً أيضًا. وما يثير الاستفزاز أن المتحاورين من قادة الأحزاب يدّعون أن حوارهم ينطلق من أرضية الدفاع عن الشرعية والدستور، وهي انتهازية مقيتة قلّ حصولها بسبب أن كل نقاشاتهم ومقترحاتهم في موفمبيك منذ أن بدأوا حواراتهم المارثونية هي خارج عن أيّة شرعية، ومنها حوارات ما بعد الإعلان الدستوري الذي تتغير فيه التحالفات بين الأحزاب بتعدد المبادرات؛ إذ ظل كل طرف، وبالذات الإصلاح والاشتراكيين، يغيرون مواقفهم كل مرة. لعبة تضييع الوقت لم تتوقف دون أن يتعب أطرافها، إذ ما زالوا متنقلين بين المبادرات التي تحل إحداها مجلس النواب لتعيده أخرى، وتأتي ثالثة لتقوم بتوسيعه أو دمجه بمجلس الشورى، ويتحدد رفض أي طرف أو موافقته للمقترح بما يمثله من ضمان لتواجد الحزب من عدمه، وحين توشك الأطراف على التقارب يتم استحضار هادي كعقدة في منشار التوافق؛ حين يطالب الإصلاح بإقناعه بالعودة عن الاستقالة لتختلف الرؤى مجددًا عن عدد نوابه وتوجهاتهم السياسية، أو إعادته كرئيس لمجلس رئاسي، ويحتدم نقاش آخر عن: من أي حزب سيكون النائب وحجم تمثيل الأحزاب ودورهم.. وكل هذا دون أن يتم التوافق حول إمكانية إنفاذ المقترح من عدمه. إذ في اجتماع يتوافق المؤتمر و"أنصار الله" على مبادرة مشتركة يرفضها الإصلاح، بينما في اجتماع ثانٍ يأتي الاشتراكي و"أنصار الله" متأبطين رؤية مختلفة تمامًا عن سابقتها، وفي اجتماع ثالث يفجّر الحوثيون والاشتراكي والحق والإصلاح مفاجأة التقائهم على رؤية مشتركة حول حل إنقاذي موحد يتمثل: "بإعادة تشكيل مجلس النواب والشورى بالتوافق من كافة الأحزاب والمكونات المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، على أن يتم تمثيل الجنوب ب50%، والمرأة ب30%، والشباب ب20%، في المجلسين طبقًا لمخرجات الحوار الوطني"، قبل أن يثير الإصلاح مسألة الضمانات الأمنية، فيما رفض المؤتمر الخوض في نقاش كهذا. ودون التفات لِما تم الاتفاق عليه، أو حتى تمت مناقشته، يقدم الإصلاح إلى المكونات دون مشاركة أحد، رؤية مختلفة تمامًا يعيد فيها النقاش إلى بداياته الأولى، وتتمثل بالتمسك - من حيث المبدأ - بشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي مع تعيين أربعة نواب باختصاصات محددة، كما يتمسك ببقاء مجلس النواب وإعادة تشكيل مجلس الشورى وفقًا لمخرجات الحوار الوطني.. إلا أنه استدرك بالقول من أنه في الوقت نفسه سيكون مع أي خيار يتم التوافق عليه يحفظ الوحدة الوطنية وأمن واستقرار البلاد، ويحظى بقبول شعبي وإقليمي ودولي. ويبرز تساؤل هنا عن ضرورة قبول الإقليم والدولي في حال ما حاز الاتفاق على التوافق والقبول الشعبي، إلا في حال ما كان القصد طمأنة السعودية، وهي هنا تُمثّل مرجعية للأحزاب. المؤتمر ظل على موقفه المتمسك بالشرعية البرلمانية وعدم تجاوزها؛ باعتبار ما قال إنها تُمثّل ضمانة للوحدة، وأكد أنه تحت هذا السقف مستعد لتقديم أي تنازلات، ومن ذلك توسعة مجلس الشورى ليصل العدد بمجمله إلى 551، وأعطى صلاحيات التشريعات مع تخليه عن الأغلبية العددية داخل المجلس لصالح التوافق.. إلا أنه وبعد اسابيع من الحوارات الثنائية مع الحوثيين، والذي حضر بن عمر محادثاتها الأخيرة، ووصلت - مساء الأحد - إلى طريق مسدوود.. أصدر المؤتمر بيانًا ضمنه قرارًا ملتبسًا ومتناقضًا حول تمسكه بشرعية البرلمان، وبين تأكيده على الخضوع لِما يقره الإجماع. وبحسب البيان فإن المؤتمر قرر الوقوف إلى جانب الإجماع الوطني في ترتيب السلطتين (التشريعية والرئاسية) أيًّا كانت نتائجه، طالما عبّر عن رأي الأغلبية من أبناء اليمن، وحقق إجماعًا وطنيًّا، وسيكون المؤتمر مؤيدًا ومتفقًا مع ما يخرج به الإجماع الوطني، معلنًا استمراره بالحوار، وحاضرًا في جلساته مع الاحتفاظ بحقه في التعبير عن رأيه المتمسك بالدستور والشرعية البرلمانية ومخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة. وفيما لا زال التنظيم الناصري على قراره المقاطع حضور اجتماعات موفمبيك تحت سقف الإعلان الدستوري.. تؤكد جماعة "أنصار الله" تمسكها بالإعلان، وتحشد له التأييدات عبر تسيير المظاهرات في المحافظات، ومن خلال بيانات السلطات المحلية. وأكد هذا الموقف السيد في خطابه الأخير الذي دافع عن الإعلان باعتباره ضرورة للخروج من أزمة فراغ السلطة التي تسببت بها استقالة الرئيس ورئيس الحكومة.. كما قلل محمد علي الحوثي - رئيس اللجنة الثورية - في تصريح له لصحيفة "26 سبتمبرنت" - من مسألة عدم مشاركة الأحزاب، قائلاً: "إذا كانت الشراكة ستصبح عائقًا أمام الشعب وتحقيق طموحه، وستكون نتاج الانتظار الاختلالات الأمنية والاقتصادية التي قد تحدث فبإمكاننا أن نتجاوز كل شراكة قد تعيق المصلحة الوطنية مع أنه لا أحد وصي على الوطن.. واستدرك بالتأكيد أن أيديهم ممدودة للحوار، وللجميع دون استثناء أحد، وبشرط ألا يتم تعطيل المصلحة الوطنية للبلد".. مؤكدًا أن الإعلان الدستوري كان ضروريًّا، ويعبّر عن احترام إرادة الشعب اليمني، ويُمثّل المخرج الحقيقي للبلد؛ باعتبار مضامين الإعلان الدستوري متوافقًا عليها ومرحبًا بها. وفي إطار من هذا التضارب في الرؤى ما زالت تؤكد جميع المكونات استعدادها لمتابعة الحوار حتى لا توجه لأيّ منها تهمة رفض الحوار الذي تشرف عليه الأممالمتحدة مع احتفاظ كل طرف بوجهة نظره وتمرسه خلفها، إذ يعتبر الحوثيون أن الإبقاء على مجلس النواب بمثابة الإقرار ببطلان الإعلان الدستوري، مع إيمانهم بمسلّمة أن المجلس فقد شرعيته بمجرد التوقيع على المبادرة الخليجية حين قبلت الأطراف الموقعة عليها بأن تكون قراراته توافقية، فيما تتمسك أحزاب (الاشتراكي والإصلاح والمؤتمر) بالمبادرة الخليجية.. وهو موقف له علاقة بالتماهي مع الموقف السعودي الذي يتمثله الإصلاح بشكل واضح، وهو يتبنّى علنًا موقفها المتمثل بشرعية هادي، وعودة الحوثيين إلى ما قبل 21 سبتمبر، وتسليم الأسلحة التي استولى عليها بحسب رؤيته المعلنة. وحول هذه المطالب تتضارب رؤى الاشتراكي والإصلاح بحيث يهربان إلى الخلاف الجدي حول بقاء مجلس النواب من عدمه حتى لا يصلان إلى بقية المسائل العالقة الأخرى، المتمثلة بنقل السلطة، الذي لا يبدو أن الاتفاق حولها قريبًا.