تطرح الأزمة المالية العالمية على اليمن تحد مركب نتيجة اعتماد ميزانيته العامة على العائدات النفطية المحدودة أصلا وتأثر أسعاره بتقلبات السوق الدولية من جهة وتعويله على الدعم والمساعدات الخارجية من جهة أخرى وهي الأخرى لن تكون بمنآي عن تأثير الأزمة التي عصفت بالعالم أواخر العام الماضي وما زالت تداعياتها تتوالى تباعا مما يطرح الكثير من التحديات على اقتصاد البلاد الذي يعاني من اختلالات بنيوية وهيكلية عميقة. وتجمع كل الأوساط في البلاد على أن اليمن مقبل على مصاعب عميقة قد تؤثر على استقرار الأوضاع فيه بشكل غير مسبوق ويرون أن تراجع أسعار النفط أصاب اقتصاد البلاد بمقتل نظرا لما تمثله العائدات النفطية من أهمية نسبية في موارد الموازنة العامة بلغت 68 % قبل الأزمة نتيجة للسعر التقديري الذي حددته الموازنة العامة للبرميل الواحد المحدد ب 83 دولارا. ومع أن الحكومة تداركت الأمر قبل إقرار قانون الموازنة بتعديل ذلك السعر التقديري بسعر أقل هو 55 دولارا للبرميل وقلصت من نسبة اعتماد الموازنة على العائدات النفطية إلى 5. 42 % إلا أن استمرار تذبب أسعار النفط دون ال55 دولارا يبقي الموازنة العامة تحت طائلة خطر تقلبات السوق الدولية من جهة وتحت تناقص إنتاج النفط من جهة أخرى مما يطرح تحديا مزدوجا على اقتصاد البلاد فخلال السنوات الأخيرة تراجع إنتاج النفط بنسبة تراوحت بين 6 و8 % سنويا . وتقلص مستوى الإنتاج من 420 ألف برميل يوميا عام 2006 إلى 380 ألف برميل عام 2008 وتتوقع المؤسسات المالية الدولية أن يتراجع العام الجاري إلى مابين 340 و320 ألف برميل في الوقت الذي انهارت في الأسعار بشكل كبير بدأت مخاطره تلوح منذ مطلع العام الحالي. فقد سجلت عائدات النفط أكبر تراجع لها منذ تسع سنوات وفقا لتقرير البنك المركزي اليمني الذي كشف مؤخرا أن عائدات النفط سجلت خلال شهر يناير الماضي أدنى مستوى منذ تسع سنوات إذ انخفضت حسب التقرير إلى 73 مليون دولار مقارنة مع 317 مليون دولار في يناير 2008 مسجلة بذلك هبوطا بمقدار 244 مليون دولار وبما نسبته نحو 77 بالمائة ، وهو ما ييبرز حجم الضغوط المتوقعة على الموازنة العامة ويجعلها عرضة لعجز مالي غير مسبوق بعد أن حققت على فائضا منذ توالي ارتفاع أسعار النفط على مدار السنوات الثمان الماضية. وتحاول الحكومة الحد من حجم آثار الضغط على موازنتها بانتهاج سياسية جديدة للتقشف فقد أصدرت في ديسمبر الماضي قرارا لتقليص الإنفاق العام عدا المرتبات والأجور بنسبة 50 % كما وجه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الحكومة بالحد من نفقات المسؤولين على السفريات . وإيقاف شراء السيارات وتقليص البعثات الدبلوماسية بيد أن المرودية التي يمكن تحقيقها من وراء ذلك القرار طبقا لتقديرات وزارة المالية لن تتجاوز ال4 % كنسبة من إجمالي إيرادات الموازنة العامة وتراهن على تنشيط القطاعات غير النفطية لتعويض التراجع في مصادر التمويل الخارجي إذ قدرت نمو القطاعات غير النفطية بواقع 6% ومنها قطاع السياحة والأسماك . إلا أن هذين القطاعين لن يكونا بعيدين عن انعكاسات الأزمة من ناحية الأزمة فعلى مستوى قطاع الأسماك لا يستبعد أن يتراجع الطلب على الصادرات السمكية بسبب الكساد العالمي وكذلك الطلب على السياحة من ناحية أخرى فضلا عن أن القطاع مازال عرضة للتذبذب بسبب الهجمات الإرهابية على السياح وآخرها استهداف فوج سياحي كوري أسفر عن مقتل أربعة سياح وجرح ثلاثة آخرين. وتعول الحكومة على الدعم والمساعدات الخارجية لمواجهة الضغوط على الموازنة فقد رفعت معدل توقعها لنمو المساعدات الخارجية بحوالي 167 % غير أن التحليلات والتقارير تشير إلى أن الأزمة سيكون لها تأثيرات سلبية على حجم المساعدات المقدمة للدول الفقيرة بسبب ما ضخته البلدان الغنية من أموال لاحتواء تداعيات الأزمة المالية على قطاعاتها المصرفية المنهارة . وإنقاذ اقتصادياتها من الانهيار الأمر الذي يضع الاقتصاد اليمني تحت رحمة ضغوط متعددة ما لم تعد أسعار النفط للارتفاع مجددا وهو أمر لا يبدو قريب التحقق نظرا لما يمر به الاقتصاد العالمي من ركود غير مسبوق يؤثر على حجم الطلب على المواد الولية . مما يترك اليمن أمام تحديات مركبة تبعث على المزيد من المخاوف لاسيما في ظل التملل الشعبي الذي يظهر من حين لآخر مطلبا بتحسن الأوضاع المعيشية والاقتصادية لفئات عريضة من المجتمع وتوظيف المعارضة للاحتجاجات الشعبية توظيفا سياسيا ينسحب على تعكير الحياة السياسية العامة في البلاد. البيان الاماراتية