تتسارع الأحداث في المشهد اليمني بشكل غير مسبوق، وبنفس درجة السرعة يضيق الأفق، فتزداد درجة العتمة في الفضاء، وتنحسر مساحة الأمل والتفاؤل بالقدرة على الخروج من إعصار الأزمة الراهنة التي تمر بها البلاد بأقل الخسائر، لتحل محلها مشاعر الخوف والقلق مما نحن مقبلون عليه. البعض قد يعتقد أنني أبالغ في توصيف المشهد العام، والمخاطر المحتملة على اليمن واليمنيين، غير أن من هم بعيدون عن دوامة الحسابات السياسية للمكسب والخسارة، ويتأملون أوضاع البلاد وما يحدث فيها، سيدركون أننا نعيش اليوم على فوهة بركان يوشك أن ينفجر، وحينها سيكون الدمار شاملاً وستعجز الحسابات السياسية عن حماية أصحابها. فالأزمة التي نتحدث عنها كإطار عام، هي في حقيقة الأمر عدة أزمات، بدءاً بالأحداث المشتعلة في الجنوب، ومروراً بحرب صعدة، والمواجهات الدائمة مع تنظيم القاعدة، والأزمة الاقتصادية التي تتمكن منا يوماً بعد يوم، وانتهاء بالأزمة السياسية المتفاقمة بين النظام الحاكم والمعارضة في تكتل "اللقاء المشترك" وخارجه، وما بين هذا وذاك أزمات فرعية تنشأ وتتكاثر وتزداد مخاطرها مع مرور الوقت ونحن غافلون. الكارثة أن السلطة برغم كل ما يحدث وما سيحدث، ما تزال تتوهم أن الأمور تحت السيطرة، وتتعامل مع هذه الأزمات ببرود شديد، وأحياناً أصل إلى قناعة كاملة بأن السلطة تقود البلاد عمداً إلى المحرقة، وبذات الأسلوب تتعامل الأطراف الأخرى في المنظومة السياسية، وفي الطليعة تكتل "المشترك" الذي يحذر من خطورة الأوضاع إعلامياً، وخلف الجدران يتقنص الأزمات لتحقيق مكاسب سياسية، وإلحاق الأذى بالخصم الحاكم. الجميع يدعي الوطنية، ويتحدث باسم الوطن، يبرئ نفسه ويتهم الآخرين، يدعون للحوار، ويزرعون العراقيل التي تحول دون انعقاده، بل ويرفضون الجلوس إلى طاولته، يحاولون الظهور في صور أبرياء مغلوبين على أمرهم، وهم يدورون في فلك المصالح الحزبية والحسابات السياسية، لا يهمهم وطن ولا يخشون مواطناً، وفي سبيل تحقيق تلك المصالح يذهب اليمن للجحيم. صحيح أن السلطة الحاكمة تتحمل المسئولية الأكبر، بل وكامل المسئولية تجاه تكون هذه الأزمات وتفاعلها حتى بلغت هذا المستوى، لأن في يدها كل أدوات التحرك التي تتيح لها معالجة هذه الأزمات حال اشتعالها، وقبل ذلك بإصلاح أوضاع البلاد والعباد، وصحيح أيضاً أن فشلها في إدارة شئون البلاد، ثم في احتواء هذه الأزمات وحلها كان السبب في الوصول إلى ما نحن فيه اليوم. غير أن إدانة السلطة لن يجنب الوطن المخاطر المحدقة به، ولا يعفي الشركاء السياسيين من المسئولية، تجاه ما يحدث اليوم وما سيحدث في الغد لا سمح الله، لأن هذه الأطراف -وأولها "المشترك"- تستطيع إذا أخلصت النوايا درء المخاطر، غير أنها في خضم هذه الأهوال تبحث عن مغنم، ولا تختلف عن النظام الحاكم، فهو يتمسك بالسلطة على حساب الوطن، وهي تسعى للسلطة حتى وإن أصبح اليمن خرابة، ولندع جميعاً اللهم احفظ اليمن وأهله، وجنبنا كيد الأحزاب ومطامعها. * ( الغد )