مليشيا الحوثي تعمم صورة المطلوب (رقم 1) في صنعاء بعد اصطياد قيادي بارز    عاجل..وفد الحوثيين يفشل مفاوضات اطلاق الاسرى في الأردن ويختلق ذرائع واشتراطات    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    الدوري الاوروبي .. ليفركوزن يواصل تحقيق الفوز    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    إعلان عدن التاريخي.. بذرة العمل السياسي ونقطة التحول من إطار الثورة    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    غضب واسع من إعلان الحوثيين إحباط محاولة انقلاب بصنعاء واتهام شخصية وطنية بذلك!    "مشرف حوثي يطرد المرضى من مستشفى ذمار ويفرض جباية لإعادة فتحه"    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    "القصاص" ينهي فاجعة قتل مواطن بإعدام قاتله رمياً بالرصاص    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    "قلوب تنبض بالأمل: جمعية "البلسم السعودية" تُنير دروب اليمن ب 113 عملية جراحية قلب مفتوح وقسطرة."    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    تضامن حضرموت يحلق بجاره الشعب إلى نهائي البطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت بفوزه على سيئون    مجلس وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل يناقش عدداً من القضايا المدرجة في جدول أعماله    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    المنخفض الجوي في اليمن يلحق الضرر ب5 آلاف أسرة نازحة جراء المنخفض الجوي باليمن    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    الخميني والتصوف    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكماشة الإيرانية في خاصرة الجزيرة
نشر في الوطن يوم 28 - 09 - 2009

تسبب القتال الدائر بين القوات اليمنية والحوثيين بلجوء أكثر من 150 ألف شخص، في وقت يسعى فيه الحوثيون -لترويج القتال في صعدة عبر العالم على أنها حرب طائفية، وأدخل الحوثيون على "منتدى الشباب المؤمن" نهج حزب الله والتقديس المفرط للقائد، بينما لا يزال الغموض يسيطر على فترة بقاء بدر الدين الحوثي وابنه حسين في لبنان، وتوجه اليمن اتهامات لإيران بأنها تقف وراء دعم الحوثيين، بأشكال مختلفة ومنها إنشاء مؤسسات في اليمن مثل مستشفى الهلال الأحمر الإيراني" الذي يذهب ريعه للحوثيين، وكذلك مجموعة من المؤسسات الثقافية ذات طابع أيديولوجي غريب على البيئة اليمنية، في وقت يرى فيه البعض أن جزءا من تمويل الحوثيون يتم عن طريق رجال أعمال خليجيين وتجار سلاح ومخدرات، أما الموقف العربي الرسمي يرفع شعار "عدم التدخل في الشؤون الداخلية".
موسى عساف وزهرة صالح:
جاء تحذير منظمة أوكسفام الدولية للمساعدات الأسبوع الماضي من أن اليمن قد يشهد قريباً أزمة إنسانية خطيرة بسبب القتال الدائر في شمال البلاد منذ 11 أغسطس الماضي أو ما يعرف بالحرب السادسة، بمثابة تعليق جرس الإنذار وتسليط الضوء على واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية التي تنتظر اليمن.
فحسب إحصائيات منظمات دولية هناك نحو 150 ألف شخص أصبحوا لاجئين منذ اندلاع القتال أول مرة في عام 2004، وإن الآلاف يعيشون في مخيمات.
وفي ذات الوقت حذر تقرير صدر في وقت سابق عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي أن مجمل الأحداث قد يضعف سلطة الحكومة ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة كلها.
من جانبها تقول الحكومة اليمنية إن المتمردين الحوثيين يريدون إعادة حكم الأمامية الذي سقط في الستينيات من القرن العشرين، وتتهم إيران بإقامة صلات مع المتمردين. فيما يقول المتمردون إنهم يريدون الحكم الذاتي ويتهمون الحكومة بالاستبداد والفساد كوسيلة للبقاء في السلطة.
الحرب السادسة هل غابت الحكمة اليمانية؟
أفاق الشارع العربي على صوت الضوضاء والجلبة المنبعثة هذه المرة من اليمن.. وعندما سرى مسمى الحرب السادسة كان السؤال وهل كانت هناك خمس حروب سابقة؟ هل كان في اليمن أكثر من تأفف (عدن) من الوحدة في الجنوب وتذمر الحوثيون في الشمال؟ وكلتاهما لم تكونا في أذهان رجل الشارع العربي أكثر من مناوشات لا تتسبب فيما هو أبعد من خدوش صغيرة سرعان ما تندمل بفعل (الحكمة اليمانية) لتعود الأمور إلى طبيعتها.
لكن لا يبدو أنها كانت كذلك فعلاً؛ فالحقائق تقول أن ثمة خمس حروب دارت هناك بين الجبال والوديان ومناظر مخيمات النزوح ومن فيها من مدنيين هاربين خوفاً وهلعاً تشي بتفاصيل دامية لقصة اليمن والحوثيين والحروب الخمس التي انقضت بإعلان مفاجئ عن وقف العمليات في منطقة (صعدة) من الرئيس اليمني على عبدالله صالح خلال احتفاله بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على توليه مقاليد الحكم في 17/7/2008، والحرب السادسة التي ما زال اليمن يصطلي بنيرانها حتى اليوم.
الحرب الأولى لم تكن بداية القصة
لم تكن الحرب الأولى عام 2004 والتي قتل فيها قائد التمرد حسين بدر الدين الحوثي هي البداية الفعلية للأحداث، ولكنها عائدة بجذورها إلى عام 1979م عندما قبض على الحوثي على خلفية تأييده لقيام ثورة الخميني ولكن التحرك الأوضح كان عام 1986م حين أسس صلاح فليته أحمد تنظيماً عُرف باسم (اتحاد الشباب) الهدف الأساسي المعلن منه تعليم شباب (الزيدية)، بينما اتهمته أطراف أخرى بأنه واجهة لتنظيم الشباب اجتماعياً وثقافياً وفق فكر طائفي تمهيداً لمشاريع وأهداف سياسية أكبر، وكان من أبرز وجوه المؤسسين والمدرسين في (اتحاد الشباب) الشيخ مجد الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي قائد التمرد الحالي ووالد حسين قائد التمرد الأول عام 2004م والذي قتل خلاله.
وما أن هبت رياح الوحدة في مطلع التسعينات وحملت معها نفحات التعددية الحزبية ورفع القيود عن العمل السياسي حتى خرج هؤلاء من نطاق العمل الاجتماعي والتربوي الثقافي إلى فضاءات السياسية الأرحب، وتم تأسيس حزب (الحق) الناطق بلسان حال الطائفة الزيدية عام 1990م، وتكررت نفس الأسماء والوجوه التي كانت خلف (اتحاد الشباب)؛ فالمؤسس كان الشيخ مجد الدين المؤيدي وتولى الأمانة العامة السيد أحمد الشامي الذي تقدم عام 2007م بطلب حل الحزب بعد أن نهشته الصراعات الداخلية حيث لم يعقد مؤتمره الأول حتى تم حله بسبب الطبيعة التنافسية الشرسة للأعضاء وعدم محافظة بعض مؤسسيه وأعضائه بما التزموا به من برامج داخلية وأجندة سياسية محددة المعالم وتورطهم في صراع مسلح مع السلطة ما جعل البقاء كحزب سياسي أمراً محكوماً بالفشل.
أما التنظيم الأكثر تأثيراً في مجرى الأمور فكان تنظيم (الشباب المؤمن) الذي كان النواة لحركة التمرد الحالية.
المفارقة الأغرب هي أن الحوثيين دخلوا المؤسسة التشريعية كنواب منذ عام 1993م عن حزب الحق ثم مثلوا في وقت لاحق حزب المؤتمر الشعبي (الحاكم).
الشباب المؤمن أو (حزب الله اليمني) من طور المنتدى إلى طور التنظيم
لم يكن يخطر بخلد أحد في اليمن أن الشقة الصغيرة التي استأجرها مجموعة من الشباب ورجال الدين والأساتذة في مدينة (ضحيان) بمحافظة صعدة بغرض إقامة دورات للعلوم الشرعية في الإجازات الصيفية ستغير مجرى تاريخ اليمن.
كيف لا؟ والأمر برمته لا يخرج عن كونه نشاطاً ثقافياً حرصت الحكومة اليمنية على دعمه كأنشطة أخرى وأصبح له ميزانية معتمدة من الحكومة اليمنية ووجوه معروفة محسوبة على حزب (الحق).
البداية كانت عام 1991م مع الوحدة اليمنية وبوادر انفراج لحراك سياسي ترأس خلالها السيد محمد العزان الشباب المؤمن كحركة ثقافية دينية وسانده كبار أئمة المذهب الزيدي والذين وقف بدر الدين الحوثي معارضاً لهم لعدم اتفاقه مع النهج العلمي المعتدل الذي يتم تدريسه، وما أن زادت شعبية المنتدى حتى انضم إليه (الحوثيين) وبدأوا بالعمل من داخله، وقد بدا لاحقاً ومع بروز نجم (الحوثيين) داخل المنتدى تأثر هيكله وأسلوب عمله بنهج حزب الله من حيث التقديس المفرط للقائد المسمى ب (القدوة)، وتسقيط المخالف والتركيز على مسائل الخلاف والتطاول الفج على رموز تاريخية إسلامية؛ الأمر الذي تصادم في كثير من الحالات مع رؤى معتبرة لرجال العلم من الطائفة الزيدية، ما أدى إلى نشوب صراعات داخلية عام 1996 بين من يتمسكون بالدور الثقافي والتربوي الديني للمنتدى ومن يرون ضرورة توسعه بطريقة (مستوردة) بعيدة عن روح التسامح التي أسهمت في التعايش السلمي في اليمن، وبلغ الصراع أوجه عام 1999م وأدى إلى انقسام منتدى الشباب المؤمن إلى إدارتين عام 2001م وبروز نهج أكثر تشدداً وتصادماً مع السلطة والمجتمع والمخالفين حتى من أتباع المذهب الزيدي نفسه، وكنتيجة طبيعية لتعاظم نفوذهم قام الحوثيون بانقلاب داخلي ضد مؤسسي الشباب المؤمن واتسمت تلك المرحلة من حياة التنظيم بأمرين لهما رمزيتهما: يمس أحدهما العلم اليمني كرمز جامع للوحدة والحرية والاستقلال حيث أصبح للحوثيين راية مستقلة، ويمس الآخر شعارات تدل على هوية مشتركة مع الثورة الإسلامية في إيران حمل أكلاف ترديدها في جوامع صعدة وصنعاء بعد صلاة الجمعة حسين بدر الدين الحوثي وشباب التنظيم لتُدخل قاموس الصراع اليمني الحديث من عرفوا بعد ذلك ب (المكبرين).
إقامة دولة (المكبرين) من قم والضاحية والسودان إلى صعدة
إثر فشل حرب 1994م الانقلابية على الوحدة اليمنية؛ اضطر بدر الدين الحوثي وابنه حسين إلى الهرب بعد انكشاف دورهما المؤيد للانفصاليين الاشتراكيين وتوجها إلى إيران حيث بقيا أشهراً في مدينة (قم) قبل أن يغادرا أو يهربا حسب مصادر مطلعة من هناك نتيجة لضغوط من مرجعيات دينية للأب (بدر الدين الحوثي) لحمله على الاتباع الكامل والحرفي لأصول المذهب الجعفري، وتوجيه بدر الدين نقداً لاذعاً لأعضاء في الشورى الإيرانية على خلفية ذلك توجه (الأب والابن) نحو لبنان وبقيا هناك حتى عودتهما إلى اليمن وانخراطهما مرة أخرى في العمل السياسي كنواب في البرلمان، ولاشك أن هذه المرحلة كانت الأهم والأخطر في الحياة السياسية لحركة التمرد الحوثي.
أما السودان فقد كانت إحدى المحطات التي حط فيها حسين بدر الدين الحوثي رحاله بعد أن تنازل عن الترشح في الانتخابات عن المؤتمر الشعبي العام (الحاكم) لصالح شقيقيه يحيى الحوثي.
ومن الخرطوم عاد حسين حاصلاُ على ماجستير علوم القرآن ليضاف إلى بكالوريوس الشريعة والقانون من جامعة صنعاء وسنوات أخرى من الدراسة في المعاهد العلمية التي كان يديرها (الإخوان المسلمون)، ويبدو أن الجو العام في فترة أواخر التسعينات وصعود نجم الإخوان المسلمين ضمن ما سمي بمرحلة (الصحوة الإسلامية) أثرت في حسين الحوثي وترك إعجابه بالدكتور حسن الترابي انطباعاً نفسياً يتوافق مع بيئة الثورة المعتمدة على التظاهرات والهتافات والشعارات والتي مست رغبة التمرد الداخلية، فصبغت (سيكلوجيا) حسين الحوثي تلك التي تحدث عنها أساتذته وزملاؤه المقربون، فقالوا إنها كانت خليطاً من ذكاء ورغبة دائمة في التمرد.. ولكنه في عام 2000م مزق شهادة الماجستير وكأنه يمزق معها بقايا حقبة انقضت في حياته ويفتح الباب على مصارعه لمرحلة جديدة في التاريخ السياسي الحديث لليمن.
شباب تتراوح أعمارهم مابين 15 و25 عاماً أصبحوا أتباعاً مخلصين لحسين بعد أن استتب له الأمر داخل (الشباب المؤمن) وأصبح يطوف بهم على المساجد وفي الفعاليات مرددين شعارات (الله وأكبر ..الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل)، والدعوة إلى اقتطاع نسبة من الزكاة لصالح المدافعين عن شرف الأمة (كما كان يسميهم)، وفتح مراكز علمية إضافية أطلق عليها بوضوح مسمى (الحوزات)، وتطورت حركة (المكبرين) إلى حدود الاصطدام الدموي بالسلطة أثناء مظاهرة عنيفة نحو السفارة الأمريكية انتهت بمقتل طفل مشارك من أتباع الحوثي عام 2003م إبان التظاهرات المنددة بغزو العراق كشرارة مبكرة أدت إلى وقوع الحرب الأولى ضمن ست حروب شهدها اليمن مع الحوثيين.
محاولة فك الخيوط المتشابكة
كان اليمن مثالاً للتعايش المذهبي؛ فلم يعرف الصراع على خلفية التوجهات المذهبية مع تنوعها؛ فبالإضافة إلى أتباع مذهب أهل السنة والجماعة (الشوافع) هناك الشيعة الإسماعيلية المعرفون باسم (المكارم) وأتباع الطائفة الزيدية أو (الزيود)، وأشهر مدارسهم المذهبية (الهادوية) التي توصف بأنها الأقرب لمذهب أهل السنة والجماعة، و(الجارودية) التي تتفق مع المدرسة الجعفرية في الكثير من الجوانب وتبقى مسائل كعصمة الإمام وإمامة المفضول مع وجود الأفضل وزواج المتعة أبرز أوجه الخلاف مع الإمامية الاثنا عشرية، كما توجد أقلية من الموطنين اليهود إضافة إلى تركيبة قبائلية وعشائرية شديدة التعقيد.
لم تكن قطع (الموزاييك) اليمانية تلك لتمر مرور الكرام على أصحاب الأجندات الدولية والإقليمية، ولا يبدو أن الداخل اليمني بمشكلاته الجمة استطاع احتوائها واستيعابها كما يجب.
ومع التقارب الأمريكي الإيراني غير المعلن إبان غزو أفغانستان ثم العراق؛ نشطت اليد الإيرانية في تحريك خيوط اللعبة عبر أدواتها الطيعة بفعل (المال السياسي)، وخلقت ولاءً عابراً للحدود شكلت البيئة اليمنية الغارقة في المشكلات الاقتصادية والاجتماعية مناخاً صالحاً لنجاح بارز، وكان لانشغال الحكومة بالحرب على ما يسمى ب (الإرهاب) الدور الأهم في السرعة التي سارت عليها الأمور وبقاء ملف الجنوب ودعاوى (الانفصال) مفتوحاً يسترعي الانتباه بين وقت وآخر، كل هذه الأوضاع السياسية والأمنية الملتهبة إذا أضفنا إليها الطوفان البشري اللائذ بتلك البقعة والذي ما فتئ يُحمل اليمن بإمكاناته المحدودة (جداً) تبعات ثقيلة ثقل التزاماته الصارمة تجاه القضايا العربية، ما جعله قبلة لمن ضاقت بهم السبل فمن الصومال تفرغ مراكب الموت الناجين من براثن الحرب والبحر تماماً، كما وجد الهاربون من جحيم العراق فيه ملجأ آمناً، وتحمل اليمن بشجاعة وصبر نصيبه من التركة العربية في القضية الفلسطينية وما رافق ذلك من فوضى السلاح والطابع القبلي العشائري لبعض المؤسسات وتفشي الجهل والأمية كلها أمور أسهمت في جعل خيوط اللعبة تنتقل من يد إلى أخرى داخلياً وإقليمياً ودولياً.
الدور الإيراني من أين نبدأ؟
بحسن نية (يمانية) تعامل اليمن ومؤسساته الرسمية مع كل دعم سخي واستثمار من أي جهة عربية أو إسلامية أو دولية، ولم يخرج عن ذلك السياق السماح لاستثمارات إيران كدولة مسلمة فتحت رعاية نائب رئيس الدولة السيد عبدربه منصور هادي تم افتتاح مستشفى الهلال الأحمر الإيراني في ديسمبر من عام 2004م كأكبر مستشفى (أهلي استثماري) في اليمن، وهو المستشفى الذي اتهمته فيما بعد جهات حكومية ومصادر إعلامية بأنه واجهة لدعم التمرد الحوثي؛ حيث تردد أن حركة حسين بدر الدين الحوثي كانت تحصل على ريع المستشفى كاملاً.
تبلور الأمر بظهور مؤسسات تعليمية وثقافية ذات طابع أيديولوجي لم تعهده البيئة الدينية والثقافية اليمنية، وأصبحت لهذه المؤسسات أدوار بارزة وعلاقة واضحة بالأجندة الإيرانية كمؤسسة الثقلين ودار العلوم العليا التي أنشئت على نفقة الجمهورية الإسلامية بمناهج مختلفة عن التعليم العام والمدرسة الاثنا عشرية في عدن وغيرها.
لم يجر كل ما سبق بعيداً عن أنشطة قوية لتغير النكهة الزيدية والشافعية المميزة لمناطق اليمن، فالدعوة إلى إحياء شعائر استشهاد الإمام الحسين على الطريقة الإيرانية وتسويق نصوص دينية (أحاديث) لا يُعلم مدى دقة سندها تتمركز حول مشاركة لمن تسميه (اليماني) في مسألة ظهور (القائم)، وتوظيف النص الديني توظيفاً سياسياً في أحداث الحوثيين يشبه التوظيف السياسي لنص ديني آخر عن (السفياني) إبان الحرب على العراق، وذهبت مسألة التوظيف الديني تلك شوطاً أكبر في خدمة الأجندات السياسية ووصلت إلى حدودها القصوى بالترويج لفكرة (غيبة) (حسين الحوثي) الذي قتل في الحرب الأولى عام 2004 لتربطه ب (ميثلوجيا) تخاطب اللاوعي الذي يبقى في انتظار (الظهور) وتحركه كيفما شاءت ضمن سيناريو لا نهاية له يؤدي خدمة جليلة في مسألة الحشد الشعبي وتطويع الرأي العام (المطوع) سلفاً بالجهل والأمية والفقر لتبني مثل هذه الأمور خاصة مع وجود من يتبنون الطرح ويروجون له من الوجوه اليمنية التي تتلمذت على يد الآيات في (قم) والتي حاولت أن تصور الصراع على أنه صراع (شيعي) (سني)، وهو طرح يفتقر للواقعية خاصة وأن رأس هرم القيادة اليمنية فخامة الرئيس علي عبدالله صالح ينتسب للمذهب الزيدي، كذلك الأمر بالنسبة للكثير من السياسيين وأركان الجيش وقياداته بل وأفراده مع عدم وجود أي فرز رسمي للسكان حسب الطائفة كما هو معروف، وهذا الطرح اللاواقعي لم يأخذ بالحسبان أبعاد ولاءات قبلية وسياسية يصعب فهمها من لم يعرف تاريخ اليمن وثقافته على أرض الواقع.
وقد صبت التغطية غير المعهودة والمنحازة التي حظيت بها أحداث صعدة من قنوات تابعة لإيران كقناة العالم والمنار والزهراء.. الخ؛ الوقود على النار المشتعلة أصلاً وعززت الاتهامات بدعم الحوثيين من جانب إيران التي أعلن الجيش اليمني استيلاءه على أسلحة وعتاد عسكري مقدم منها إلى المتمردين، إضافة إلى قائمة طويلة من أسماء الشخصيات والمؤسسات الخليجية الشيعية في السعودية والكويت، في حين أشارت مصادر عليمة إلى اجتماعات سرية عقدت في الخليج واليمن ولبنان والعراق ولندن وميتشغن بين شخصيات متمردة وأطراف أخرى كان من بينها داعمون خليجيون لم يكونوا مصدر التمويل الوحيد بل حلقة ضمن حلقات أخرى تتبع شبكة من رجال الأعمال اليمنيين في الداخل والخارج ومصادر مرتبطة بتجارة السلاح وتجارة المخدرات اتضحت ملابساتها في مناسبات كثيرة أبرزها في يوليو 2009 عندما ألقت السلطات القبض على مهربي مخدرات كان من بينهم عشرة إيرانيين بحوزتهم ثلاثة أطنان من المخدرات ضمن سلسلة من أحداث مشابهة لها نفس الرمزية والدلالة.
ساعد الوضع المتأزم في خليج عدن والبحر الأحمر بفعل تحركات القراصنة في إيجاد ذريعة للجمهورية الإسلامية لتمخر عباب البحر جيئة وذهاباً بحجة حماية ناقلاتها، وزادت تصريحات المسؤولين الإيرانيين بنقل الصراع إلى خليج عدن وباب المندب عوضاً عن مضيق هرمز من أجواء عدم ارتياح على خلفية التحركات الأخرى.
في هذه الأثناء كانت خيوط جديدة من الدعم والتعاطف تتكشف عندما طالب النائب العراقي المحسوب على المجلس الأعلى للثورة (همام الحمودي) بفتح مكتب للمتمردين الحوثيين لإحراج الحكومة اليمنية التي اتهمها بإيواء بعثيين في أغسطس من العام الجاري 2009، وهو ما أكده لوسائل الإعلام مصدر بارز في الحكومة العراقية؛ بل وذهب إلى أبعد من ذلك فأكد أنه مقترح إيراني، وهنا كشف الكاتب العراقي المقيم في اليمن الأستاذ صلاح المختار وفي اتصال مع صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عن وجود فعلي لمكتب يمثل الحوثثين في النجف وأضاف في سياق متصل أنهم يحصلون على دعم مادي من إيران.
ولم تكن كتلة (الوفاق) الإسلامية في البرلمان البحريني آخر المتهمين بالتعاطي مع الحوثيين حين وجه نائب سلفي مستقل إليها أصابع الاتهام والتي بادرت بدورها إلى إنكاره واستهجانه كالعادة مع حملة للترويج لمأساة الحوثيين في مواقع إلكترونية بحرينية دون ذكر تفاصيل من الجانبين.
ولم يعلم إن كانت زيارة نائب برلماني يمني محسوب على الحوثيين إلى البحرين في مارس 2009 قادماً ضمن وفد برلماني في طهران وعقده سلسلة من اللقاءات السرية مع شخصيات محسوبة على المعارضة هي التي تقف خلف اتهامات النائب أم أن هناك أموراً أخرى لم تتضح أبعادها بعد!
الرابط بين الحوثيين (الشيعة) والقاعدة (السلفية) والانفصاليين (الاشتراكيين)
كانت الأمور قد بدأت تتبلور عندما فجر القيادي السابق في تنظيم القاعدة عتيق العوفي الحربي قنبلة من العيار الثقيل وكشف في لقاء إعلامي في مارس 2009 أن اتصالات جرت بينه وبين الحوثيين أعلنوا فيها استعدادهم لدعم غير محدود بالمال والسلاح مصدره إيران.
وبينما كانت التقارير الإعلامية والاستخباراتية تتوالى عن ثلاثة أقسام لتنظيم القاعدة لا تشكل القاعدة المعروفة بقيادة أسامة بن لادن إلا الذراع الأضعف منها، وتتولى قيادة فيلق القدس مهمة القسمين الآخرين اللذين يقومان (حسب التقارير) بتدريب عناصر عربية وإعادة تصديرها إلى بلدانها لتنفيذ مهامها، الأمر الذي كشف النقاب عن الخيط الرفيع الذي يجمع عناصر مأساة اليمن؛ فالتقارب لم يكن بحاجة إلى تفسير بين الحوثيين والاشتراكيين في الجنوب فبدر الدين وابنه حسين الحوثي كانا ومن خلال (حزب الحق) أبرز الداعمين للمحاولة الانفصالية في حرب 1994م، وهو ما أدى بهما إلى الفرار إلى إيران ثم إلى لبنان واعترافات العوفي وآخرين وضحت علاقة الحوثيين ب (القاعدة) وكان الرابط والقاسم المشترك دوماً ينتهي عند اليمنيين بنفس الاسم (إيران)!
الموقف الخليجي والعربي من (الحوثيين)
لم يكن الموقف العربي مما يجري في اليمن مفاجأة للكثيرين، إذ اقتصر في أحسن أحواله على تصريحات لبعض المسؤولين من قبيل؛ (الحرص على وحدة اليمن وسلامة أراضيه) أو (عدم التدخل في الشأن الداخلي اليمني)، وكأن خطر الحوثيين ومن يقف ورائهم سيقتصر على الشعب والحكومة اليمنية فقط، ولهذا فإن الموقف العربي (الخجول) يبقى رمادي اللون وغير مفهوم مقابل الدعم الإعلامي والمالي اللامحدود الذي يتلقاه زعماء التمرد من إيران وبعض القوى السياسية والاقتصادية في منطقة الخليج.
بالمقابل؛ فإن بعض الأطراف العربية، والتي دخلت على خط الصراع تتعامل مع قيادي التمرد الحوثي وكأنهم طرف شرعي يجب التحاور والتفاوض معهم، وقد بدا هذا واضحاً من خلال ما طرح من مبادرات عربية للتوسط، أو تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربي عمرو موسى الذي قال إن "الحوار هو الطريق الأساسي لحل الأزمة في اليمن"، وهو ما يعني مضمناً الاعتراف بسلطة غير السلطة اليمنية الشرعية، وإضفاء الحق لقيادي التمرد.
صعدة البائسة.. واليمن الحزين
لكل حلقة من حلقات الحروب في صعدة عنوان باسم مدينة أو منطقة، والمشهد ناقص فكل مدينة تتأهب لأداء دورها.. عنوان الحلقة الأولى كان (مران) وعنوان الحلقة الثانية كان مدينة (ضحيان) وعنوان الحلقة الثالثة مدينة (نشور).. والجامع بينها أنها تعرف أن جعلها عنواناً للحرب معناها المزيد من الجثث في الطرقات والأزقة والجبال والوديان.. وحدها الوحوش الضارية لا تجوع في صعدة مع أن الجوع هو القاسم المشترك بعد أن بلغ الحال بالسكان حد الاشتراك في شراء كيس (حنطة) واحد لثلاث عوائل، فالمال غير متوفر لشراء الطعام في صعدة الحرب والموت.
اليمن السعيد الذي فتح أبوابه المتواضعة ليقتسم قليله مع كل جار (جارت عليه محن الحياة) يدخل دنيا مخيمات البؤس والشقاء..
وجوه يمنية نازحة من صعدة تحل ضيفة على مخيمات الأمم المتحدة وتبقى هناك في انتظار رغيف الخبز.. وخبر عن قتيل من الأهل والأصحاب ومع وفود وجبة جديدة من الضيوف تتسارع الأقدام نحوها عل العين تبصر قريباً أو جاراً أو عزيزاً.
من يرفض النزوح من المدنيين ويفضل الموت في داره يعيش في انتظار قذيفة من هنا أو رصاصة من هناك لا تفرق بين كبير أو صغير، وقد ينام ويصحو ليجد المسلحين قد حولوا بيته إلى ثكنة عسكرية.
الأخبار لا تحمل شيئاً سوى رائحة الموت والجوع وجثث إحدى عشرة سيدة يمنية جازفن بأرواحهن بشجاعة من أجل لقمة تسد رمق أبنائهن فقتلن وهنا متشبثات بالأمل.. باللقمة (العزيزة) في صعدة التي كست جبالها الجثث وبقايا البارود.
وما أن يلف الليل المكان حتى يفتح المجال لكل الاحتمالات مسلحون قد يغتصبون باقي الطعام أو أي شيء ذا قيمة، ولن يعرف أحد من هم بعد أن حصل المتمردون على ثياب الجيش.. ومثلما تدون يوميات الحرب الأماكن تدون الأيام.. يوم ثلاثاء النصر ويوم الجمعة الدامية التي لن ينساها أحد!
أن يكون أحدهم قتيلاً يسلم جسده أو ما تبقى منه لعائلته أمرٌ عظيم يستحق الحمد والشكر فلا أسوء من الموت كيمني.. مجهول على سفح واد أو قمة جبل لا تعرف هويته إلا الغربان والكلاب الضالة ويبقى بانتظاره أحبته عله يفتح الباب ذات يوم.. ولكنه يوم لا يأتي!
ولأنها حرب كر وفر خريطتها الجغرافية شديدة التعقيد فلا مكان فيها للأسرى.. والوقوع في الأسر معناه السحل حتى الموت خلف عربات المسلحين ورصاصة رحمة في الرأس على عجل في أحسن الاحتمالات.
في الحرب السابعة.. أو في الحرب الثامنة.. التي يتحكم في توقيتها زماناً ومكاناً آخرون من خلف الستار.. ومن أمام الستار لن يختلف المشهد فالموت.. والفقد.. والحزن.. والبارود لغة واحدة ونبضٌ واحد، ومهما كانت حسابات السياسة المزوقة بالشعارات الكاذبة فهي بخس لا تساوي ذرة تراب عالقة في قدم محسن.. طفل الشموع الثلاث الذي داسته أقدام المتصارعين باسم السياسة.. والأيدلوجيا.. والتوازنات الدولية.. التي سرقت البسمة من وجه اليمن الذي كان سعيداً!
*المادة نشرت في عدة صحف عربية بالتزامن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.