اليمن الذي وصف عبر تاريخه بأنه سعيد يعيش حاليا علي فوهة بركان من المشاكل جعلته في واجهة الأضواء مع مخاوف حقيقية من ان تتعرض تجربته الوحدوية الفريدة التي تحققت قبل نحو19 عاما للنكوص والإخفاق. وعلي الرغم من سقوط الأمطار الصيفية حاليا علي جبال اليمن فإنها لم تفلح في تلطيف حالة التوتر والقلق التي تعيشها البلاد بسبب تحالف اصعب ثلاثة تحديات معا في وجه الرئيس علي عبد الله صالح الذي احتفل الشهر الماضي بمرور31 سنة علي توليه الحكم, وهي ملفات الحراك الجنوبي الذي يطالب بفصل شطر اليمن الجنوبي عن شماله والحوثيين في الشمال الغربي المدعومين من إيران وحزب الله, ونشاط تنظيم القاعدة الذي يعتبر اليمن مجاله الحيوي ومرتكزه الرئيسي في جزيرة العرب.
جاء التصعيد الذي شهده اليمن علي مدار الأسابيع الماضية بشكل جعل التكهنات مفتوحة علي كل الاحتمالات حول مستقبل الأوضاع السياسية والتي تواجه اصلا تعقيدات تقليدية ابرزها تنامي سلطة القبيلة في مواجهة الدولة وحمل السلاح وتدفق آلاف اللاجئين الأفارقة علي سواحله شهريا والقرصنة البحرية في خليج عدن وتدهور الأوضاع الاقتصادية وحالة الانسداد السياسي بين فرقاء العمل السياسي والحزبي.
وتشهد محافظات جنوب وشرق اليمن التي كانت تشكل سابقا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تزايدا ملحوظا لهجمات يشنها مسلحون ملثمون علي النقاط العسكرية ودوريات الشرطة ومواطنين شماليين مقيمين في تلك المحافظات في حالة توصف بالقتل علي الهوية المناطقية, بعد احتجاجات ومظاهرات واعتصامات استمرت لأكثر من عامين وبدأت بمطالب حقوقية لمعالجة اوضاع المتقاعدين والمنقطعين عن الخدمة في القطاعين العسكري والامني في عام2007, وهم المسرحون عقب حرب1994, والذين زادوا علي100 ألف شخص تقول السلطات اليمنية أنها عالجت قضاياهم كاملة سواء بإعادتهم إلي الخدمة أو التعويض المادي.
تحول خطير الاخطر في تطورات المسألة الجنوبية تحولها بشكل دراماتيكي من جمعيات تطالب بشكل سلمي بحقوق ومطالب وظيفية ومالية إلي اطر شعبية توسعت في المحافظات السبع مالبثت ان تبلورت في صورة آليات ميدانية يقودها ناشطون جنوبيون وأعضاء في البرلمان عن الحزب الاشتراكي وباتت ظاهرة شعبية ترفع علم اليمن الجنوبي قبل الوحدة وتنادي بشعارات انفصالية وتعتبر انها في حالة احتلال من الشمال, غير ان التحول الابرز كان في انضمام الزعيم الجهادي العائد من أفغانستان طارق الفضلي إلي الحراك وهو أحد ابرز وجهاء محافظة ابين وسبق له ان تحالف مع السلطات اليمنية في حرب1994, لوأد محاولة الانفصال العسكرية واللافت في تطورات الأحداث بجنوب اليمن هو الأنشطة المسلحة للعناصر المناوئة لدولة واحدة وتحولها من مسيرات ومظاهرات تختار مناطق ذات دلالات تاريخية للجنوبيين مثل ردفان التي انطلقت منها شرارة الثورة الجنوبية ضد الاحتلال البريطاني في مطلع ستينيات القرن الماضي,
إلي اعتداءات علي مراكز الشرطة والجنود والمواطنين الشماليين بشكل خاطف يشبه حرب العصابات الأمر الذي يزيد من صعوبة مواجهاتها بشكل حاسم, وكان ابرز تلك الأعمال الأسبوع الماضي هجوما استهدف نقطة عسكرية في منطقة العين بمديرية لورد بمحافظة ابين.
ويري مراقبون ان المسألة الجنوبية اخذت شكلا مغايرا بعد خروج نائب الرئيس اليمني السابق وزعيم المحاولة الانفصالية عام1994, علي سالم البيض عن صمته ورحيله من سلطة عمان كلاجئ سياسي إلي إحدي العواصم الأوروبية وإعلانه عن فك الارتباط بين الشمال والجنوب في خطاب وجهه في ذكري الوحدة في21 مايو الماضي, ومع ان البيض فقد الكثير من بريقه السياسي في اليمن حتي لدي الجنوبيين, فإن كثيرا من الجنوبيين يعتبرونه رمزا يمكن الالتفاف حوله للحصول علي مايعتبرونه تقريرا للمصير, ويناصره في ذلك عدد من القادة الجنوبيين في الخارج أهمهم رئيس الوزراء السابق حيدر العطاس.
خارطة الحراك وتشمل خارطة الحراك الجنوبي عدة هيئات وتيارات تشكلت في محافظات حضرموت والضالع وعدنوابين وشبوه ولحج والمهرة منذ7 يوليو2007, يوم انتصار قوات الشرعية علي القوات الانفصالية في حرب عام1994. فهناك المجلس الأعلي لاستعادة دولة الجنوب الذي يترأسه حسن باعوم وهيئة حركة النضال السلمي الجنوبي المعروفة باسم نجاح التي يرأسها النائب بمجلس النواب صلاح الشنفرة وينوبه ستة أعضاء آخرين بينهم النائب الدكتور ناصر الخبجي, والهيئة الوطنية لاستقلال الجنوب برئاسة العميد ناصر النوبة رئيس جمعية المتقاعدين العسكريين ومجالس التصالح والتسامح التي يترأسها الدكتور صالح يحيي سعيد الشعيبي. وتذهب التهكنات إلي ان هيئات الحراك الجنوبي تتلقي الدعم والتمويل من حركة تاج, المعارضة ومقرها في بريطانيا, والمغتربين اليمنيين المقيمين في أمريكا وبريطانيا ودول الخليج, واشتراكات بعض الأعضاء والتجار المغتربين.
ويقول دعاة الانفصال ان هناك تمييزا في مخصصات التنمية والتوظيف في المحافظات الجنوبية والشرقية فضلا عن نهب الأراضي وممارسات أخري تكرس معاني الاحتلال لا الشراكة الوطنية, إلا ان الحكومة اليمنية تنفي ذلك تماما وتؤكد ان الجنوب استحوذ بمحافظته السبع علي70% من تمويلات التنمية علي مدار السنوات الماضية, علي الرغم انها تمثل ثلث عدد المحافظات اليمنية كلها ويشكل سكانها أقل من ربع سكان اليمن الإجمالي.
الرئيس علي عبد الله صالح اعترف من جانبه في مقالة كتبها في ذكري توليه الحكم في17 يوليو أن ماحدث خلال العامين المنصرمين كان عملا غير سوي لعرقلة التنمية والاستثمارات وإيجاد مناخات غير إيجابية من التوتر افتعلها البعض دون أي مبرر أو ضرورة, ومن أجل الوصول إلي السلطة, ولكنها في الواقع ألحقت بالوطن ومصالحه العليا الضرر الكبير. ودعا صالح إلي فتح صفحة جديدة والبدء في حوار جاد ومسئول تحت قبة مؤسسات الدولة الدستورية دون اي شروط مسبقة من أي طرف كان, وبعيدا عن حوارالطرشان أو تسجيل المواقف.
أزمة سياسية وكانت أحداث جنوب اليمن ألقت بظلالها علي العلاقة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة الرئيسية المعروفة باللقاء المشترك, حيث علقت المعارضة الحوارمع المؤتمر الشعبي بشكل رسمي حتي يوافق علي مطالبهم التي قدموها لمواصلة الحوار, وحتي تتوقف حرب صعدة وتتوقف المواجهات في الجنوب.
أما حزب المؤتمر الحاكم فقد اتهم المعارضة بأنها وضعت شروطا جديدة وعطلت الحوار الذي كان مقررا البدء فيه استنادا إلي الاتفاق الموقع بين الجانبين في فبراير الماضي, والذي قضي بتأجيل الانتخابات النيابية لمدة عامين والتمديد لمجلس النواب الحالي وإجراء تعديلات دستورية وانتخابية.
ويعتقد الحزب الحاكم في اليمن ان موقف المعارضة لايزال غامضا تجاه التطورات في الجنوب وصعدة بل ومشجعا في كثير من الأحيان عليها, حيث يركز خطابها دائما علي الضغط علي الحكومة والحزب الحاكم وتحميلها كل المسئولية عن انهيار الأوضاع دون الحديث صراحة عن رأيها في مطلب دعاة الانفصال بالتراجع عن الوحدة.
ويشدد الدكتور محمد المتوكل عضو المجلس الأعلي لتكتل اللقاء المشترك علي ضرورة اشراك الحوثيين وقادة الحراك الجنوبي في الحوار بين السلطة والمعارضة للخروج من أزمة المشهد السياسي في اليمن, مشيرا إلي احقيتهم في ذلك كونهم مواطنين من حقهم ان يشاركوا في صنع مستقبل بلدهم.
كما اعرب المتوكل عن خشيته من عدم استطاعه الرئيس صالح الخروج من الأزمة السياسية الحالية قائلا: ان الدائرة التي عملها الرئيس حوله أصبحت تتحكم في كل القضايا, وأصبح هو يخشي ان يتحرك فتأكله, أو ان يقفز عليها فيخاف من الذين خارجها.
تدخل خارجي فيما تبدو القضية الجنوبية من وجهة نظر النظام اليمني قضية داخلية يتم معالجتها وفقا للقوانين والدستور والحوار الداخلي, تري المعارضة اليمنية انه لامانع من تدخل أطرف عربية أو جامعة الدول العربية بوساطة لمعالجة هذه القضية.
ويقول الناطق باسم اللقاء المشترك نائف القانص ان جامعة الدول العربية أو دولة أو شخصية عربية تريد خير اليمن مدعوة للقيام بجهد من أجل إعادة اللحمة للشعب اليمني, الذي تهدده اخطار التدخل الدولي في شئونه بسبب وجود تنظيم القاعدة علي اراضيه وأعمال القرصنة المنتشرة في خليج عدن. وحذر من أنه ما لم يقف اليمنيون مع أنفسهم وقفة جادة ومسئولة سلطة ومعارضة ويحلوا مشاكلهم, فإن الأممالمتحدة ستتدخل لفصل جنوب اليمن عن شماله سلميا, وحينها ستتعقد الأمور.