في واقعٍ ضحلٍ، كالذي نعيشه، يصبح التمسُّك بالأمل ضرباً من العبث ومحاولةً بائسةً لتمضية العمر ونحن نبحث عن قشَّة نتعلَّق بها لنصل إلى برِّ أمانٍ، رغم أن كلَّ البوصلات تشير إلى عدم وجوده. لم يعد لليمن مكانٌ في الخارطة، فقد أصبح هذا البلد، المنكوب بساسته، يحتلُّ الشريطَ الإخباري في كلِّ قنوات التلفزة، ولم يعد أحدٌ يعرف شيئاً عن اليمن سوى ما يقرأه في الشريط الإخباري من قتل، وخطف، وتفجير، ونهب، وضرب أنابيب النفط وأبراج الكهرباء، واعتصامات، وأزمات نفطية، وفقر، وعمالة أطفال، وحركات سياسية ودينية يصبح الركون إليها والالتحاق بها شبيهاً بمحو كلِّ المعارف والعودة إلى المربع المتطرف، ومن دخل هذا المربع لن يرى أبعد من ماسورة بندقيته. كان اسمه في الخارطة "اليمن السعيد"، وكان الرحَّالة يشدُّون إليه الرِّحال منذ مئات السنين لملامسة السعادة في هذا البلد، تماماً كما فعل الرحَّالة الستة الذين جاؤوا من كوبنهاجن إلى صنعاء، قبل ثلاثمائة عام، بعد أن قرأوا عن أوصافها وبساتينها وتفرُّد هوائها، فشدُّوا الرحال إلى اليمن ليتأكدوا من وجود السعادة التي لم ترتبط باسم أي بلد سوى اليمن. سُرقت سعادة هذا البلد، وتناقَصَ منسوبُ البهجة، وتبخَّرت السعادة تدريجياً حتى اختفت، وتم شطب هذه الميزة من الخارطة، وأصبح اسم اليمن يتيماً وخالياً من السعادة، ولم يتأمل أحدٌ في الخريطة ليلاحظ اختفاء كلمة "السعيد" الملازمة لاسم اليمن منذ قرون غابرة. لم يعد اليمن سعيداً منذ استسلم الناس للبؤس وتواطأوا على فقدان السعادة، وأصبح العالم ينظر لليمن في الخارطة على أنها بؤرة للإرهاب فقط، بعد أن كان الكثير، ممن عرفوا اليمن أو قرأوا عنها، يتمنون لو أنهم يمنيون.